تونس- أفريكان مانجر
نشر البنك العالمي اليوم مقال رأي للكاتب جان بيار بران حول تقرير هذه المؤسسة الدولية بشان الأموال المنهوبة في تونس من النظام السابق تحت عنوان “التغلب على رأسمالية المحسوبية”.
وبين كاتب هذا المقال ذكاء النظام السابق من خلال تمكنه من نهب الأموال بطرق قانونية وبفضل قوانين تم اقراراها على القياس وما جعل مصادرة هذه الأموال عملية صعبة. وتوقع أن تتعطل عملية تحويل سويسرا لأموال منهوبة من طرف النظام السابق إلا أنها اعتبرها خطوة ايجابية تمكنت تونس من خلالها ايجاد مخرجا للوضعية المعقدة لأموالها المنهوبة. وفي ما يلي نص المقال الذي تمت ترجمته:
“ماذا يحدث عندما يستولي الثعلب على قنّ الدجاج؟ أو في سياق آخر، ماذا يمكن فعله حين يقوم من يُفترض أنهم مسؤولون عن إدارة اقتصاد البلاد بتحويله إلى مشروعهم الشخصي، وخاصة عندما يتم ذلك بواسطة قواعد ولوائح قانونية من الناحية الرسمية – ولكنها غير شرعية من الناحية العملية؟
الإجابة على السؤال الأول ترد في ورقة البنك الدولي الصادرة مؤخرًا عن تونس، “كل شيء في العائلة”.. يصف التقرير بوضوح كيف سيطر الرئيس السابق زين العابدين بن علي وأفراد من عشيرته على مجموعة من الشركات التي ولدت 21٪ من جميع الأرباح الصافية للقطاع الخاص، من خلال اختراق متأنٍ واستيلاء على الاقتصاد. والنتيجة كانت امبراطورية تجارية ومالية، مع مزايا مدمجة للمقربين من الرئيس السابق وقيود شديدة على أية منافسة. وعلى حد وصف التقرير، اللوائح ” … تظهر مدى المساعدة غير المتناسبة لصالح ربحية بن علي”.
هذا المستوى من الاستيلاء المنهجي والمنتظم يتحدى الفهم التقليدي للفساد، حيث يتلقى المسؤولون رشاوى ومزايا أخرى سرًا في مقابل العقود الحكومية، أو يقوم قادة أو وزراء غير شرفاء بسرقة أموال الدولة بشكل مباشر. في الواقع، فإن العديد من المشاريع التجارية الخاصة بالرئيس السابق زين العابدين بن علي وعشيرته لا تتعارض مع نص القانون. المشكلة تكمن في القانون نفسه وإساءة استخدام السلطة التقديرية الواسعة الممنوحة للمسؤولين بموجب ذلك التشريع. إذ إن مناط عدم المشروعية وعدم القانونية يكمن في إساءة استخدام السلطة من قبل المسؤولين الحكوميين لضمان ازدهار مصالحهم الشخصية. وبالتالي ما هو على المحك هنا هو معنى أعمق للعدل والإنصاف.
بعد طرد الرئيس السابق زين العابدين بن علي من السلطة في عام 2011، صادرت الدولة التونسية – بموجب القانون – هذه الشبكة من الشركات داخل البلاد. مثل هذا العمل غير ممكن عند ملاحقة أصول مخبأة في ولايات قضائية بعيدة؛ السبيل الوحيد لملاحقتها هو من خلال “المساعدة القانونية المتبادلة”. ولكن الأساس للمساعدة القانونية المتبادلة هو ارتكاب جريمة يمكن بعد ذلك التحقيق فيها وإثباتها. أما إذا كانت القوانين نفسها قد تم تصميمها بحيث تخدم مصلحة شخصية ويبدو أنه قد تم الالتزام رسميًا بها، يصبح من المستحيل تقريبًا السعي لاستردادها أو مصادرتها.
منذ عام 2011، فإن السلطات التونسية تعمل بنشاط لاسترداد أموالها بالخارج (بمساعدة من مبادرة استرداد الأموال المنهوبة “ستار”)، من خلال أساليب ثبتت فاعليتها مثل تعقب الأموال في الخارج، وتحسين التنسيق الداخلي والتماس التعاون الدولي. نتيجة لتلك الجهود، تم استرداد بعض الأموال ولا يزال العمل مستمرًا لاسترداد المزيد مما سرق.
ولكن كما يوضح “كل شيء في العائلة”، فإن هذه الجهود “التقليدية” لاسترداد الأموال غير كافية. ففي حين أنه من الممكن نظريًا إجراء محاكمات عن جرائم إساءة استغلال السلطة، والاحتيال، أو تضارب المصالح، فمن غير المرجح أن يسفر ذلك عن استرداد أي شيء جوهري، بالنظر إلى التحديات الهائلة التي ينطوي عليها إثبات هذه السلوكيات الإجرامية وإقامة الصلة بين المال وفعل محدد. كما أنه ليس واضحًا ما إذا كانت الولايات القضائية الأجنبية على استعداد لتنفيذ أوامر المصادرة بناءً على مثل هذه الجرائم.
التجربة السويسرية في قضيتي أباتشا و دوفالييه – وكذلك التطورات التشريعية اللاحقة – تقدم أفكارًا مبتكرة بشأن كيفية معالجة هذا التحدي. في هايتي و نيجيريا، تم إجراء تحليل متعمق للنظام الاقتصادي والقانوني والمؤسسي لإظهار كيف تمكنت مجموعة متصلة ببعضها البعض من السيطرة على أجزاء من جهاز الدولة لمصلحتهم الخاصة، وعملوا كمنظمة إجرامية. وبمجرد إثبات ذلك، بات من الممكن – من الناحية القانونية – نقل عبء الإثبات، بحيث يضطر مالك الأموال التي اعتبرت تحت سيطرة أعضاء هذه الزمرة إلى إثبات أصلها المشروع بدلاً من تحميل المدعى العام عبء إثبات طبيعتها غير المشروعة.
و في 9 أفريل 2014، أمر النائب العام السويسري بإعادة ما يعادل 40 مليون دولار أمريكي إلى تونس بناءً على هذا المنطق بالضبط. ورغم أن هذا القرار ليس واجب النفاذ حتى الآن، ومن المرجح أن يتم استئنافه، فإن مثل هذا التطور مرحب به ومعبر. والخطوة التالية المتوقعة في العملية القانونية السويسرية جديرة بالاهتمام الوثيق للغاية.
ولكن في الوقت الحالي، قليل جدًا من البلدان لديها الإطار القانوني أو السوابق القضائية التي تسمح لها بالقيام بذلك. كما أن إقدام المزيد من الولايات القضائية على تقديم وتنفيذ هذه التشريعات سيكون خطوة كبيرة إلى الأمام.
إن مكافحة الفساد تتطلب جعل المسؤولين غير الشرفاء يدركون أنه ليس هناك إفلات من العقاب على أفعالهم أو ملاذ آمن لعائدات جرائمهم. ويجب أن يدرك ‘الثعالب’ أن الجريمة لن تأتي لهم بأية أرباح – وإلا فإن الدجاج (الأصول) سيظل في خطر كبير.
“كل شيء في العائلة” يسلط ضوءًا ساطعًا على التحديات القانونية لاسترداد الثمار الفاسدة لسنوات من الاستيلاء على مقدرات الدولة. ونحن نعتقد أنه من مسؤولية المجتمع الدولي أن يعزز الابتكار ويتحقق مما إذا كان الإطار القانوني الحالي لاسترداد الأموال يتناول حقًا واقع اليوم من الفساد واسع النطاق، ويمكن أن يتعامل مع أساليب الحكام الفاسدين”.