تمكنت مصالح الديوانة التونسية خلال الأشهر التسعة الاولى من السنة الحالية من حجز حوالي 800 طن من حديد البناء خاصة في جهتي قفصة والقصرين باعتبارهما منطقتين حدوديتين يسهل منهما التهريب الى القطر الجزائري وكذلك منطقة تونس الكبرى نظرا لكونها أكبر نقطة عمران ومستهلك لهذه المادّة.
وشكّل الحديث عن مقاومة ظاهرة تهريب حديد البناء والتصدّي لها خاصة مع ارتفاع الكميات المهربة من القطر الجزائري وتشكي معظم المؤسسات التونسية العاملة في المجال وما أصبح يتهدّدها من إفلاس وغلق . محور اللقاء الاعلامي الدوري الثالث والتسعين,حيث استأثرت هذه الظاهرة باهتمام كل من وزارات الصناعة والتجهيز والإسكان والتجارة والصناعات التقليدية وكذلك وزارة المالية.
فمن المسؤول عن تفشي هذه الظاهرة ومن يقف ورائها؟ كيف تتم عمليات التهريب؟ ماهي الاجراءات الوقائية في الغرض؟ ثم ماهي تأثيراتها على الاقتصاد الوطني وعلى أصحاب الشركات العاملة في هذا المجال؟
أرجع مدير عام الدراسات والأبحاث الاقتصادية بوزارة التجارة والصناعات التقليدية,شكري درويش تفشي هذه الظاهرة الى فارق الاسعار,حيث يقدر الفارق بين السعر القانوني للحديد المصنع محليا والحديد المهرّب بالقيمة بين 1 و5 دينار للقضيب الواحد وبالنسبة المائوية بين 14 و30 في المائة وهو ما جعل المستهلك يفضّل الاسعار المنخفضة والتفاضلية وإن كان ذلك على حساب الجودة ومدى مطابقة هذه المواد المهرّبة للمواصفات.
ويوزّع الحديد المهرّب في أغلب الولايات عن طريق الذوات الناشطة في تهريب المحروقات وبعض تجار مواد البناء بالجملة والتفصيل وذوات طبيعية ليس لها صفة التاجر ليقبل عليه فيما بعد المستهلك العادي وبعض مقاولات البناء ومحلات بيع مواد البناء المنظمة.
أساليب تسويقية مشكوك فيها
وقد حذّر مدير عام الدراسات والأبحاث الاقتصادية من استعمال الحديد المهرب نتيجة إغراءات السعر والأساليب التسويقية المريبة والمشكوك فيها وخاصة المتمثّلة في جلبهم باستعمال أرقام هواتف وأماكن خزن خفية.
من جانب آخر ذكّر مدير الصناعات الميكانيكية والكهربائية ومواد البناء ,ابراهيم الشبيلي بواقع قطاع حديد البناء في تونس,حيث يضم القطاع 5 شركات صناعية( 4 شركات منها تابعة للقطاع الخاص وشركة الفولاذ تابعة للقطاع العام) توفر ما يزيد عن ألفي موطن شغل مباشر والعديد من مواطن الشغل غير المباشرة بطاقة إنتاجية محلية تناهز 800 ألف طن سنويا,كما يتراوح الاستهلاك المحلي السنوي لهذه المادة بين 500 ألف و 600 ألف طن وهو ما يعني أن هذه المؤسسات تحقق الاكتفاء الذاتي من هذه المادة,فضلا عن مخزون يفوق استهلاك شهرين.
وتحدّث مراد القيزاني, رئيس وحدة بالإدارة العامة للبيانات المدنية بوزارة التجهيز والإسكان عن أهمية الحديد في ميدان البناء كمادة أساسية مستعملة في الخرسانة المسلحة وعن المواصفات التونسية التي تخضع لها هذه المادة وأشار الى أن نسبة مادة الحديد في قسط الهندسة المدنية تتراوح بين 9 و 12 في المائة بينما تتراوح نسبة الحديد في المشروع باعتبار جميع الاقساط بين 6 و8 في المائة, مؤكدا على أنه وعلى الرغم من أن هذه النسبة ضئيلة فهي ذات أهمية أساسية في صلابة المباني والمنشآت.
ولضمان جودة المواد المستعملة في حظائر البناء, شدّد القيزاني على ضرورة احترام المقتضيات الواردة بكراس الشروط الادارية العامة المطبقة على الصفقات العمومية الخاصة بالأشغال والمصادق عليه بقرار من الوزير الاول المؤرخ في 23 أوت 2011 وخاصة الفصول 21 و22 و23 و24 المتعلقة بمصادر مواد البناء وأماكن استخراجها وجلبها ونوعيتها وتطبيق المواصفات وكذلك التثبت من نوعية المواد والمنتجات والتجارب والاختبارات.
انعكاسات سلبية على الاقتصاد الوطني
واتفق المتدخلون على ما تمثّله هذه الظاهرة من خطورة على المؤسسات العاملة في المجال و على صحة المباني والمنشآت,حيث أن استعمال مواد مجهولة المصدر وغير مطابقة للمواصفات يمثل خطرا على صلابة المباني وسلامة مستعمليها.
وأضاف ممثل وزارة الصناعة أن مبيعات حديد البناء المصنع محليا خلال الاشهر الثمانية الاولى للسنة الحالية قد شهد تراجعا بنسبة 39 في المائة مقارنة بنفس الفترة من سنة 2011 و50 في المائة مقارنة بنفس الفترة من سنة 2010,إذ بلغت 189 ألف طن سنة 2012 مقابل 307 ألف طن سنة 2011 و380 ألف طن سنة 2010 وهو ما من شأنه أن يهدّد ديمومة شركات الانتاج والتي توقف عدد منها عن النشاط في الفترة الاخيرة,علما وأنها قد هدّدت بالبطالة الفنية إذا ما تواصل هذا الوضع.
إجراءات وقائية
وفي هذا الاطار,ذكر العقيد عبد العزيز القاطري ,مدير عام الابحاث الديوانية بالإدارة العامة للديوانة أنهم واعون بضرورة إعادة صياغة منظومة مقاومة التهريب,حيث تم صلب نشاط اللجنة الوطنية للتحكم في الاسعار إعداد منظومة لمقاومة التهريب خصت كافة المناطق الحدودية الغربية لتونس, كما أشار الى أن وزارة المالية بصدد الاعداد لاستراتيجية متكاملة بهدف إعادة هيكلة النصوص القانونية القديمة على غرار القانون المنظم للهياكل العامة للديوانة ومجلة الديوانة وذلك لتطويرها وجعلها قادرة على مواكبة الظرف القادم
وذكر على سبيل المثال أن الكميات التي تم حجزها في كل من ولايات تونس وبن عروس وأريانة ونابل وبنزرت وزغوان قد بلغت 218 الف و76 كلغ من حديد البناء,مسجلة بذلك 31 محضرا ,مقابل 224 الف و754 كلغ في كل من قفصة والقصرين وتوزر وسيدي بوزيد عن طريق 86 محضرا في حين تم رفع 20 محضرا في كل من ولايات سوسة والمنستير والمهدية وصفاقس والقيروان, حيث تم حجز 85 الف و960 كغ من حديد البناء.
وفسّر العقيد عبد العزيز القاطري أن هذه المادة يتم إدخالها بطرق ثانوية وفرعية ليقع تجميعها فيما بعد في المناطق المتاخمة للحدود الجزائرية ثم نقلها الى مناطق العمران,مبرزا أن نشاط التهريب أصبح مكثفا وفي مناطق التوزيع الرسمية ,كما يتم صلب شبكات منظمة تستعمل سبلا حديثة مثل وسائل الاستطلاع لكشف مكان تواجد الدوريات واللجوء الى التسريب بكميات مختلفة.
أما عن طرق التصدي لهذه الظاهرة,فقد أوضح مدير الابحاث الديوانية أنه سيتم تعزيز مراقبة نقاط التجميع المتواجدة في بعض الارياف خاصة في القصرين وقفصة, فضلا عن مسالك التوزيع ونقاط البيع,علما وأن المراقبة ستشمل كذلك حظائر البناء سواء كانت خاصة أو حظائر المنشات العمومية.
و فضلا عن الحملات التحسيسية و التوعوية التي ستقوم بها وزارة التجارة بالتعاون مع عديد الاطراف الأخرى ستعمل وزارة التجارة على تشديد الرقابة في إطار الفرق المشتركة بكامل تراب الجمهورية وإدراج متابعة ترويج هذا المنتوج ضمن العمل الرقابي اليومي مع تحيين الدليل الصادر في الغرض لتوحيد إجراءات العمل المشترك على كافة المناطق وغلق المحلات استنادا الى الفصل 33 من القانون عدد 64 لسنة 1991 المتعلق بالمنافسة والأسعار.
وأشار ممثّل وزارة الصناعة الى أن الحديد المهرب ليس له أي ضمان من أي طرف كان ولا يتحمّل مسؤوليته إلا من روّجه باعتباره مجهول الهوية والمصدر.
شادية هلالي ومها قلالة