تونس- أفريكان مانجر
تبدأ هيئة “الحقيقة والكرامة” التي تترأسها الناشطة الحقوقية المثيرة للجدل والانتقادات سهام بن سدرين، في تنفيذ مهمتها رسميا بدءا من 11 ديسمبر 2014 عبر فتح ملفات “حساسة” قد تطال أعلى هرم في السلطة وهو رئيس الدولة.
وانطلاقا من هذا التاريخ تشرع هذه الأخيرة في قبول شكاوى المتضررين من النظامين السابقين ومنذ استقلال تونس، كما ستعمل على نفض الغبار عن ملفات انتهاكات حقوقية تم ابعادها عن العيون على امتداد عقود.
في المقابل فإن باب الصلح سيبقى مفتوحا بحسب قانون 24 ديسمبر 2013 المتعلق بارساء العدالة الانتقالية وتنظيمها وتحت اشراف “هيئة الحقيقة والكرامة”، في مؤشر على أن من مسك بالحكم بعد “الثورة” فضل سياسة مزدوجة تراوح بين المصالحة والمحاسبة.
“ولادة ميتة”
ويشكّك مراقبون في قدرة هذه الهيئة على الاستمرار وحتى على بدء عملها أصلا، وذهبوا إلى حد اعتبار أن هذه الهيئة “ستولد ميّتة”، بسبب التحوّلات السياسية التي تمر بها تونس حاليا، خاصة منذ فوز حزب “نداء تونس” في الانتخابات التشريعية وسيطرته في خطوة أولى على السلطة التشريعية وعلى جزء السلطة التنفيذية وما يؤشر على دخول المحاسبة من جديد طي النسيان بفعل صفقات “التوافق السياسي” بين الفرقاء الرئيسين وما سيفرز معارضة ضعيفة غير قادرة على تحريك مثل هذه الملفات السرية.
ويبقى مآل هذه الهيئة مرهونا بهوية الفائز النهائي في الانتخابات الرئاسية في جولتها الثانية والمقرر اجراؤها يوم 21 من الشهر الحالي، خاصة وأن أحد المرشحين الاثنين، وهو الباجي قايد السبسي، معرض لمسائلة سهام بن سدرين وربما عقاب هيئتها في صورة حصولها على ملفات تدينه عندما كان وزيرا للداخلية في حكم الزعيم الحبيب بورقيبة.
لا حصانة فوق الهيئة
ورغم الحصانة التي يتمتع بها رئيس الدولة بنص الدستور الجديد، فإن هذه الحصانة تصبح لاغية إذا تعلق الأمر بمسائلة من هيئة الحقيقة والكرامة التي تمثل في حد ذاتها سلطة “شبه قضائية” مستقلة عن باقي السلطات.
وحسب الفصل 40 من قانون العدالة الانتقالية، فإن هيئة الحقيقة والكرامة لها صلاحية استدعاء كلّ شخص له صلة بملف تحت أنظارها ولا يجوز مجابهة الهيئة بالحصانة مهما كانت طبيعة هذه الحصانة، برلمانية أو قضائية أو حتى رئاسية كانت.
يشار إلى أن دستور تونس 2014 يمنح لرئيس الدولة حق التمتع بحصانه قضائية طيلة ولايته الرئاسة، وتعلّق في حقه كافة آجال التقادم والسقوط، إلا أنه يمكن استئناف الإجراءات في حقه بعد انتهاء مهامه.
في المقابل فإن هناك استثناء وحيدا لهذه الحصانة قد يؤدي إلى اعفائه من مهامه كرئيس للدولة، بأغلبية الثلثين من أعضاء البرلمان في حال حصول خرق جسيم للدستور، ليتم عزله بقرار من المحكمة الدستورية بعد ثبوت الإدانة.
ورغم هذه الشروط الصعبة التي وضعها المشرع لحماية حصانة الرئيس الدستورية، إلا أن هذه الحماية تسقط أمام هيئة “بن سدرين”.
تشنّج وبرود
ومن المعلوم أن العلاقة القائمة بين الباجي قايد السبسي والناشطة الحقوقية بن سدرين تراوح بين التشنج والبرود، ومن المهم التذكير هنا بالفيديو المسرّب بمناسبة تسليم السلطة من الوزير الأول الأسبق الباجي قائد السبسي إلى خلفه حمادي الجبالي والذي وصف فيه سهام بن سدرين بـ “حالة مرضية وكارثة على تونس” من دون اعتراض من الجبالي.
وكانت سهام بن سدرين نجحت إلى حد كبير في اختراق أسوار وزارة الداخلية بعد نيلها ثقة وزير الداخلية الأسبق القاضي فرحات الراجحي إلا ان هذه الأسوار سرعان تم اغلاقها وإيصاد منافذها بعد استقالة هذا الوزير “غير المسبوق” في تاريخ وزارة الداخلية التونسية.
ويبدو أن بن سدرين لم تتوقف عند أسوار الداخلية واستبقت مهمتها في هيئة “الحقيقة والكرامة” بفضل الثقة التي تحظى بها من رفيقها في النضال الحقوقي العابر للقارات الرئيس المؤقت والمرشح للانتخابات الرئاسية منصف المرزوقي، حيث كشف مؤخرا تقرير لجريدة “آخر خبر” ان رئيسة هيئة الحقيقة والكرامة سهام بن سدرين زارت القصر الرئاسي يوم 26 نوفمبر الماضي للإطلاع على الأرشيف الرئاسي بعد تعليمات من رئاسة الجمهورية لتسهيل مهمتها خاصة وأن هذا الأرشيف يفترض أن يحتوي على ملفات أرشيفية تتعلق بمنافسه اللدود في الانتخابات الرئاسية قايد السبسي.
على رأس الملاحقين
وفي صورة فوز قايد السبسي في الانتخابات الرئاسية، يستبعد مراقبون أن تتحرك الهيئة في عملها قيد أنملة خاصة وأن ما يصطلح على تسميتهم بـ”التجمعيين” المورطين هم من جهة على رأس ملاحقات هيئة الحقيقة والكرامة إلا أنهم تمكنوا في ذات الوقت من الفوز بربع مجموع المقاعد البرلمانية عبر نداء تونس، حيث يقول الوزير الأسبق منذر الزنايدي في هذا الصدد في تصريحات التلفزيونية سابقة: “إنه تم اسناد 50 مقعدا بالبرلمان الجديد لـ”تجمعيين” سابقين”.
إرادة سياسية؟
ومن هذا المنطلق وفي ظل توقعات بقيام معارضة ضعيفة عدديا على الأقل في المرحلة السياسية المقبلة، فإن ملف العدالة الانتقالية سيعرف انسدادا حتميا لعدم توفر أبرز عوامل نجاحه المتمثلة في توفّر الإرادة السياسية.
وحسب القاضي احمد الرحموني، رئيس المرصد التونسي لاستقلال القضاء، في ورقة تحليلية نشرها مؤخرا على موقع “نواة” فإن “الإرادة السياسية الممثلة في السلطتين التنفيذية والتشريعية تبقى المحرك الرئيسي لمسار العدالة الانتقالية، وهو ما يطرح تساؤلات جدّية حول الإرادة السياسية لمجلس نواب الشعب المنتخب أخيرا والحكومة المزمع تكوينها قريبا في انتظار نتيجة الانتخابات الرئاسية؟”، بحسب تعبيره!
ومن الصعب بديهيا توفير مثل هذا الشرط، إلا في حالتين اثنتين وهما فوز من سمح لبن سدرين بالاطلاع على الأرشيف الرئاسي أو أن تصبح العدالة الانتقالية “عدالة انتقائية” يُستثني منها كل من هو قادر على تعطيل عملها وحتى انهاءه ربما.. لننتظر ونر..
عائشة بن محمود