تونس – أفريكان مانجر
في خطوة تُعدّ مفصلية في توجيه السياسات العمومية، تم الإعلان رسميا، عن نتائج التعداد العام للسكان والسكنى لسنة 2024، الذي كشف عن تحولات هامة في التركيبة الديمغرافية والتوزيع الجغرافي والبنية الاجتماعية لتونس، ما يتطلب مراجعة عميقة للسياسات الاقتصادية والاجتماعية.
وفي تصري لموقع أفريكان مانجر، على هامش ندوة صحفية عقدها بالعاصمة المعهد الوطني للإحصاء السبت 17 ماي 2025، أكد وزير الاقتصاد والتخطيط سمير عبد الحفيظ، أن “الانتهاء من كافة العمليات التقنية الممكنة للتعداد تم في وقت قياسي و يمثل دليلاً على أهمية تضافر الجهود الوطنية”، مشددًا على أن هذه العملية الإحصائية الضخمة توفر “قاعدة بيانات كبرى ستكون مرجعًا أساسيًا لتوجيه المخطط التنموي للفترة 2026-2030، وصياغة السياسات العمومية بكافة أبعادها”.
و يقل وزير الاقتصاد و التخطيط، انه بناءا عن هذه النتائج فان السياسات الاقتصادية و الاجتماعية يجب ان تتأقلم مع الوضعية الديمغرافية الجديدة.
تفاوت جغرافي
وكشفت النتائج أن عدد السكان في تونس بلغ رسميًا 11 مليون و972 ألف و169 نسمة، موزّعين على 3 ملايين و472 ألف و188 أسرة، بمتوسط حجم أسري يناهز 3.45 فردًا، في حين قدّر عدد المساكن بـ 4 ملايين و266 ألف و207 مساكن.
أما التوزيع السكاني حسب الأقاليم، فقد أظهر تمركزًا كبيرًا في المناطق الساحلية وتونس الكبرى، حيث يستقطب الإقليم الثاني (تونس الكبرى والشمال الشرقي) وحده نحو 33% من السكان، مقابل نسب ضعيفة في الجهات الداخلية، على غرار إقليم الشمال الغربي الذي لا يتجاوز 13.04%. ويُسجل هذا الأخير تراجعًا ملحوظًا في عدد السكان، خاصة بولايتي الكاف وسليانة.
و تشهد البلاد التونسية تركزا سكانيا متسارعا في المدن الكبرى، خاصة في ولايات تونس و صفاقس و نابل و سوسة، وهو ما بترجم الى كثافة سكانية مرتفعة حيث بلغت في ولاية تونس 3774 ساكن في الكيلومتر المربع سنة 2024، وهي الأعلى وطنيا.
ويطرح هذا التركز السريع في المدن الكبرى تحديات في مجالات السكن و الشغل و النقل و التلوق و الولوج الى الخدمات العمومية، بحسب تقرير المعهد الوطني للإحصاء الخاص بالموازنة الديمغرافية.
نحو تهرم السكاني
ومن بين أبرز ما أظهره التعداد هو التحول في البنية الديمغرافية، إذ تسير تونس بخطى ثابتة نحو “التهرّم السكاني”، مع تراجع واضح في نسبة الأطفال دون سن الخامسة إلى 5.86% فقط، مقابل 11% سنة 1965، وهو ما علّق عليه وزير الاقتصاد بالقول: “توجه تونس نحو التهرم السكاني يفرض حتمًا مراجعة شاملة لعديد السياسات الاجتماعية، لأن حاجيات الكهول والمسنين تختلف كليًا عن متطلبات الشباب”.
ورغم أن متوسط العمر في تونس لايزال يظهر نسبيا مجتمعا شابا، 35،5 سنة في 2024، الا أن مؤشرات الخصوبة و أمل الحياة عند الولادة و الهيكلة العمرية للسكان تشير الى منحى واضح نحو الشيخوخة السكانية، وهو ما سبرز من خلال ارتفاع مؤشر الاعالة الديموغرافية لكبار السن و مؤشر الشيخوخة وهو ما يطرح أيضا تحديات على المستويات الاقتصادية و الصحة و الاجتماعية.
و بينت النتائج أن نسبة الإناث تفوق الذكور بـ1.4 نقطة مئوية (50.7% إناث مقابل 49.3% ذكور)، وهو معطى له انعكاسات اقتصادية واجتماعية على المدى المتوسط والبعيد خاصة فيما يتعلق بسوق العمل والتغطية الصحية ونظام التقاعد.
مؤشرات تربوية واجتماعية
تراجع نسبة الأمية في تونس من 19.3% سنة 2014 إلى 17.3% سنة 2024 يمثل مكسبًا هامًا، رغم تواصل الفجوة بين الجنسين (22.4% لدى الإناث مقابل 12% لدى الذكور).
أما نسبة التمدرس للفئة العمرية من 6 إلى 24 سنة، فقد بلغت 79.2%، ما يعكس استمرار الجهود في تعميم التعليم، ولكن يفتح أيضًا الباب على تقييم جودة التكوين وربط مخرجات التعليم بسوق الشغل.
تطور عدد المساكن
و تشير مختلف التعدادات الى تطور ملحوظ في عدد المساكن بين 1966 و 2024ن حيث ارتفع العدد بمقدار 4.9 مرات منتقلا من 873،9 الف مسكن الى 4،266.2 ألف مسكن منها 3440.2 مسكن مأهول.
و بالتوازي مع هذا الارتفاع، سجل انخفاض ملحوظ في نسبة المساكن البدائية حيث تراجعت من 44% سنة 1966 الى 0.2% سنة 2024، ما يعكس تحسنا فس ظروف السكن لدى التونسيين، وفق تقرير الموازنة الديمغرافية.
كما تم خلال اعداد التعداد العام للسكان و السكنى ملاحظة ارتفاع متواصل في نسبة المساكن من نوع فيلا او ” دوبلاكس” حيث بلغت 58،9% سنة 2024مقابل 10،2 % سنة 1966، و كذلك المساكن من نوع شقة أو استوديو ، التي ارتفعت نسبتها من 4.3% سنة 1975 الى 24،7% سنة 2024.
و تزداد أعداد المساكن المأهولة في المناطق ذات الكثافة السكنية الأعلى.
كما لوحظ أن نسبة المساكن الفارغة تتسم بارتفاع في الإقليم الثالث و الإقليم الخامس و الذين يعرفان بنشاطهما السياحي المكثف وهجرة كبيرة نحو الخارج.
آلية لتوجيه الاستثمار والسياسات
من جهته، أشار مدير المعهد الوطني للإحصاء عبد القادر الطلحاوي إلى أن نتائج التعداد العام للسكان و السكنى ستُوظف لتقديم مؤشرات دقيقة في مجالات معددة على غرار التربية والهجرة والصحة والنوع الاجتماعي والشيخوخة، مبينا أن هذه النتائج يجب أن تكون “مرجعية استراتيجية” في التخطيط.
وختاما، فان التعداد العام للسكان و السكنى لسنة 2024، كشف عن تونس بتركيبة ديمغرافية و سكانية متغيرة تتطلب قراءة جديدة أكثر واقعية و جرأة للاصلاح.