تونس-أفريكان مانجر
أثار قرار هيئة الحقيقة و الكرامة حمل الأرشيف الرئاسي إلى مقر الهيئة جدلا واسعا في الأوساط الحقوقية و السياسية التونسية خاصة بعد “الضجة التي أحدثتها رئيسة الهيئة بن سدرين بعد منعها من إخراج هذا الأرشيف ” من قبل الأمن الرئاسي .
وفي هذا الإطار أعرب المؤرخ والمفكر عبد الجليل التميمي صاحب مؤسسة التميمي للدراسات والبحوث وأول مدير للأرشيف الوطني، عن استنكاره الشديد لمحاولة هيئة الحقيقة والكرامة نقل الأرشيف الرئاسي، قائلا: “هذا الملف الدقيق لا يمنح لرجالات ونساء ليست لديهم الكفاءة العلمية لإدارته والتعامل معه”، مضيفا استغرابه لتجاهل الدستور الجديد الذي جاء من صلب المجلس التأسيسي لكافة التفاصيل الدقيقة لملف الأرشيف.
وفي ذات السياق دعا المؤرخ في تصريح لجريدة أخبار الجمهورية إلى ضرورة إعادة دسترة الدستور إلى جانب هيكلة هيئة الحقيقة والكرامة مجددا، مؤكدا بأن مؤسسة الأرشيف الوطني هي المؤتمن الوحيد والمسؤول المؤهل على اخذ وحفظ هذا الأرشيف الرئاسي الهام الذي وصّفه بالثورة الأرشيفية.
وأعرب المفكر التونسي عن ألمه الكبير من تداعيات هذه العملية الأخيرة التي قامت بها سهام بن سدرين وهيئتها المسقطة والتي لا تمتلك أية أكاديمية أو كفاءة لإدارة هذه المهمة والتعامل مع هذا الملف ولا تتوفر حتى على آليات لحفظ الوثائق ورقمنتها وفق تعبيره، حيث رأى أن تلك العملية فيها شيء من “العبث” وإساءة إلى أشخاص عرفوا بالخبرة والكفاءة على المستوى الوطني والدولي في مجال الأرشفة حيث لم يتم استشارتهم أو الاستناس بهم.
كما نادى المفكر التميمي بضرورة أن تتوقف الدولة إلى استدعاء كل من السيدين الهادي جلاب والمنصف الفخفاخ اللذان يعتبران من خبراء وكفاءات الأرشيف الوطني لاستشارتهما في عملية نقل هذا الأرشيف الهام حتى يحفظ ويأتمن عليه.
مع العلم أن المؤرخ عبد الجليل التميمي قد وجه منذ سنتين رسالة إلى المنصف المرزوقي وناشده فيها إحالة أرشيف الرئاسة إلى الأرشيف الوطني التونسي.
وللإشارة فقد تم إحداث هيئة الحقيقة و الكرامة بعد مرور أربعة أشهر من سنّ قانون العدالة الانتقالية في تونس، و التي ستتولى بحسب القانون المنظم لها رصد وتوثيق انتهاكات حقوق الإنسان في عهد الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة وخلفه المخلوع زين العابدين بن علي وتحديد مقترفيها وإحالتهم إلى العدالة وتعويض الضحايا و ستمتد مهمتها على مدى أربعة أعوام قابلة للتجديد سنة واحدة .
و قد منح المشرع التونسي للهيئة المذكورة صلاحيات واسعة في التحقيق والتقصي تمكنها من القيام بها. فلها صلاحية مطلقة في الولوج إلى الأرشيف والاطلاع عليه، وذلك “بقطع النظر عن كل التحاجير الواردة بالتشريع الجاري العمل به”، وهو ما يجعلها نافذة إلى الأرشيف العسكري، خاصة أن هذا الأخير يمكن أن يحتوي على معطيات هامة في مجال الانتهاكات وسياقاتها.