بقلم: عائشة بن محمود
رغم “أجواء الاحتفالات” التي تحاول نشرها الأحزاب في تونس بمناسبة حملتها الانتخابية تمهيدا للانتخابات التشريعية يوم الأحد المقبل، فإنه لا يمكن تغييب واقع أجواء عدم الثقة في السياسيين التي تلفّ الناخبين.
ولا يمكن إنكار أن واقع عدم الثقة مردّه الواقع المعاش في تونس بدءا من تدني القدرة الشرائية مرورا بتفاقم البطالة وانتهاء بتصاعد انتشار الفساد والرشوة بعد “الثورة التونسية” بشهادة من البنك العالمي في تقريره الأخير.
ولئن كانت فرضية عزوف الناخبين غير مستبعدة حيث يتوقع بعض المراقبين أن تناهز 60% من مجموع الناخبين المسجلين والذين يقدر عددهم 5 ملايين مقابل 3 ملايين آثروا المقاطعة منذ البداية في موقف سياسي معتمد في الأنظمة الديمقراطية، فإن الانتخاب يبدو أنه الخيار الأفضل لتفادي ما هو أسوأ والمتمثل في الانقلاب بغض النظر عن شكله “أبيض” كان أو “دمويا” أو افتكاك تنظيم “داعش” الارهابي الحكم واقامة “الدولة الاسلامية” على غرار ما قام به في مناطق بالعراق وسوريا وبـ”كفاءات” و”سواعد” تونسية.
وفي ظل مناخ عدم الثقة الذي يسود تونس نتيجة انتشار الفقر إلى نسب غير مسبوقة وانكماش الطبقة المتوسطة وارتفاع قياسي للعاطلين عن العمل إلى نحو مليون شخص وتدني خدمات الدولة إلى الحضيض وعلى رأسها الصحة والتعليم وإلى غيرها من المؤشرات الأخرى السيئة و”التعيسة” التي يتكبدها المواطن التونسي في العمق، إلا أن اتباع منهج “الأقل سوء” يبدو أنه سيكون الكلمة السحرية التي ستسيطر على واقع حال التونسي.
وكما هو معلوم، وبغض النظر عن الجانب الشكلي للانتخابات التي سيتم خوضها في تونس بدءا من 26 أكتوبر، فإنه لا تتوفر في تونس العوامل الأساسية التي تضمن انتخابات “صادقة” و”شريفة” و”نزيهة” ومن أبرز هذه العوامل توفر مستوى معين لدخل الفرد والقدرة الشرائية للمستهلك وتدني الفقر وانخفاض في البطالة ووجود درجة غير مهددة للفساد والرشوة بالإضافة إلى ارتفاع في درجة الوعي والثقافة وزيادة في وتيرة الالتحاق المدرسي وانخفاض في معدلات الجريمة. وبشكل عام يترجم مدى رفاهة الطبقة المتوسطة مؤشر العدالة الاجتماعية الضامنة لانتخابات صادقة، وأيضا مدى هيمنة هذه الشريحة على تركيبة المجتمع عموما.
في المقابل، فإن منحى كل هذه المؤشرات التي تحدد مدى صدق نتائج صناديق الاقتراع، كلها تقريبا في تراجع إن لم نقل بلغت الحضيض في تونس.
وفي ظل انعدام “الشخصية الوطنية النظيفة” التي يلتف حولها جل الفرقاء السياسيين وما يضمن عدم وضع العصا في العجلة لدى محاولة هذه الشخصية لإخراج تونس من صعوباتها التي أوصلت المواطن لحضيض العيش، يبدو أن الانتخاب هو الخيار “الأقل سوءا” لتفادي كل ما هو مدمّر للبلاد والعباد على غرار الانقلاب أو الارهاب لا سيما وأن “داعش” على الأبواب.