تونس-افريكان مانجر
القطاع البنكي في تونس أمام تغييرات جوهرية قد تعيد تشكيل موازين الربحية والاستقرار المالي، في ضوء الإجراءات الحكومية الواردة في قانون المالية لسنة 2025، والتي شملت مراجعة الضريبة على مؤسسات التأمين والمؤسسات المالية والبنوك بنسبة 40%، بغضّ النظر عن رقم المعاملات، الى جانب إلزام البنوك بتخصيص 8% من أرباحها لفائدة المؤسسات الصغرى والمتوسطة، فضلاً عن التخفيض في نسب الفائدة على القروض طويلة الأجل، بحسب أستاذ القانون البنكي محمد النخيلي.
تغييرات قانونية
ورجح النخيلي، في حوار لموقع أفريكان مانجر، أن تتسبب هذه الإجراءات مستقبلا في تراجع أرباح البنوك وقد تُلحق أضرارًا بالبنوك ذات الأرباح الضعيفة، وفق تعبيره.
وبين أنه منذ تنقيح قانون سنة 2006، لم تعد هناك بنوك استثمارية تقتصر على تمويل المشاريع دون تمويل الأفراد، و أصبحت جميع البنوك تجارية شمولية وقد تمكنت من السيطرة على حصة كبرى من السوق.
في المقابل فان البنوك التي كانت تُصنف استثمارية و تُمول أساسا المؤسسات الاقتصادية، و تشارك الدولة في رأس مالها أغلبها لا تحقق أرباحًا تُذكر، وهو ما دفع الدولة إلى التفكير في إنقاذها عبر الترفيع في رأس مالها، والإجراءات الجديدة الخاصة بالمؤسسات المالية و البنكية ستؤدي إلى تعميق الأزمة التي تعرفها.
وفي تعليقه على قدرة البنوك على مواصلة دعم الدولة وتمويل الخزينة، أكد النخيلي أن البنوك التجارية التي دأبت على تمويل الاقتصاد الوطني ما تزال تحتفظ بقدرتها على تحقيق الأرباح، مشيرًا إلى أن بعضها حقق أرباحًا تُناهز 200 مليون دينار.
وأضاف أن الإجراءات الأخيرة لم تُثنِ هذه المؤسسات عن تسجيل نتائج إيجابية، وهو ما يعزز قدرتها على مواصلة تمويل النسيج الاقتصادي وتقديم الدعم اللازم لمختلف القطاعات.”
تنوع أدوات التمويل
وفي سياق حديثه عن الزامية منح البنوك للقروض، أوضح النخيلي، أن القانون يقتصر فقط على ضمان حق فتح الحساب البنكي وهو ما تكرس يتنقيح المجلة التجارية الذي تم سنة 2005، أما منح القروض فهو مرتبط أساسًا بمداخيل الحريف ويظل من صلاحيات البنك و إستراتجيته التجارية، ولا يُعدّ حقًا مكتسبًا، على حدّ تعبيره.
وأشار المتحدث إلى أن التمويل لا يقتصر على القروض فقط، بل يشمل أيضًا الاعتمادات البنكية التي تتخذ عدة أشكال من بينها المساهمة في رأس المال، بالإضافة إلى خطوط التمويل والتخفيضات في بعض الخدمات.
وأوضح أن الضمانات تختلف باختلاف نوعية القروض والتمويلات، مما يفسّر تنوّع هذه الآليات من بنك إلى آخر. كما ذكّر بأن كل مؤسسة بنكية تضم إدارة مختصة بدراسة المخاطر وفريقًا من المحللين الماليين، حيث يتم إسناد القروض بناءً على تقاريرهم الفنية.
صلابة القطاع البنكي
وشدّد على أن القطاع البنكي أثبت خلال أزمة كوفيد-19 أنه القطاع الوحيد القادر على المحافظة على صلابته و مجابهة الأزمات المتعددة، وذلك بفضل معايير الحوكمة الحذرة التي تعتمدها المؤسسات المالية والبنكية في تونس.
وأبرز في هذا السياق أهمية المنشور عدد 5 الصادر سنة 2020، الذي نظم قواعد الحوكمة داخل البنوك، وفرض تعيين مسيرين مستقلين اثنين في مجلس الإدارة، أحدهما يترأس لجنة المخاطر والآخر يرأس لجنة التدقيق، إلى جانب ضرورة الفصل بين الإدارة العامة ورئاسة مجلس الإدارة.
وأكد أن التزام البنوك التونسية بهذه المعايير جعلها نموذجًا في الامتثال للحوكمة الرشيدة، وهو ما مكّنها من تجنب أزمات استخلاص الديون، وأتاح لها لعب دور فعّال في دعم الدولة والاقتصاد الوطني.
و شدد محدثنا، على أن القطاع البنكي لا يزال قادرا على دعم خزينة الدولة والنسيج الاقتصادي، مشيرًا إلى أن البنوك استجابت لمتطلبات المرحلة الاقتصادية وساهمت في تمكين تونس من سداد ديونها خلال سنة 2024.
تسقيف العمولات البنكية
و لفت الى انه في إطار سعي الدولة للحدّ من الإقصاء والانتقاء المالي، جاء الفصل 412 ثالثًا جديد من القانون لينص على تسقيف جميع العمولات على الخدمات البنكية، وذلك بمقتضى أمر حكومي في انتظار صدوره، الهدف من ذلك هو جعل الخدمات البنكية في متناول جميع الحرفاء، فضلا عن تحفيز البنوك على المنافسة من خلال تخفيض الأسعار.
وأقر المتحدث بوجود تجاوزات من قبل بعض البنوك التي أثرت سلبًا على سمعة القطاع بأكمله، مما استوجب تدخل المجلس البنكي والمالي و البنك المركزي بإصدار مدونة سلوك لحثّ البنوك على تفادي الاخلالات.
14 خدمة مجانية
و في حديثه عن الخدمات التي تقدمها البنوك بصفة مجانية، أكد النخيلي أن 14 خدمة بنكية مجانية تشمل فتح الحساب و غلقه، وإجراء التحويلات المالية و غيرها من الخدمات، مشيرا الى أن البنك المركزي والمجلس البنكي والمالي أكدوا ضرورة التخفيض في أسعار بعض الخدمات الأخرى.
وفي تعليقه عن انتقاد المواطنين للخدمات البنكية و ارتفاع أسعار العمولات، أقر المتحدث بوجود أزمة ثقة بين البنوك والحرفاء، وأُرجع السبب إلى ضعف الثقافة البنكية لدى الحريف، مشيرا الى أن البنوك مطالبة بتكوين موظفيها للقيام بدورهم في إيصال المعلومة المالية بوضوح ودقة للحرفاء.
و بين أنه من حق أي مواطن التوجه بشكوى إلى مصالح البنك عند التعرض لأي ضرر، مع وجوب رد البنك في غضون 15 يومًا كحد أقصى، في إطار ضمان حقوق الحرفاء وتعزيز الشفافية.