تونس- أفريكان مانجر
يتوقع أن تحظى حكومة الحبيب الصيد بثقة كتلة حركة النهضة في البرلمان بعد الاعلان رسميا عن تشكيلتها اليوم في ظلّ غياب بارز للحركة ظاهريا فيما لم يستبعد تواجدها بالحكومة عبر ما يعبر عنه بـ”المستقلين”.
ويتعيّن على الحكومة الجديدة الحصول على ثقة بأغلبية مطلقة من نواب البرلمان أي 109 من إجمالي 217 نائبا.
ومن المعلوم أن حزب نداء تونس يمرّ بمأزق كبير بسبب عدم حصوله على أغلبية المقاعد في البرلمان في الانتخابات التشريعية، حيث اقتصر فوزه على أكثرية المقاعد (85 مقعدا)، ومن المفترض أن تدفع هذه الوضعية غير المريحة لهذا الحزب اللجوء إلى صفقات سياسية قد تكون من “تحت الطاولة” حتى يضمن عدم اسقاط حكومته.
ومن البديهي أن تكون القوة السياسية الثانية الضامن الأكبر لعدم اسقاط الحكومة والمتمثلة في حركة النهضة التي فازت بـ69 مقعدا.
تزكية بأغلبية مريحة
ومن غير المستبعد تزكية حكومة نداء تونس بأغلبية مريحة وربما ساحقة والتي ستضمنها حكومة النهضة بالاضافة إلى الحزب الثالث بالبرلمان وهو الاتحاد الوطني الحر (16 مقعدا)، وهو المشهد ذاته الذي حصل لدى المصادقة على ميزانية الدولة في وقت قياسي وغير مسبوق ومن دون أدنى تعطيل.
استجابة ضمنية
وحسب التأويلات الأولية، يبدو أن “نداء تونس” استجاب ضمنيا لمطالب حركة النهضة التي دعت إلى تعيين كفاءات وطنية في حكومة نداء تونس مقابل تحفّظها على المشاركة حزبيا في هذه الحكومة، ويبدو أن تواجد مستقلّين بهذه الحكومة هو جزء من هذه الاستجابة لمطلب النهضة، والذي لا يمكن تأكيده إلا عند مرور هذه الحكومة إلى التصويت تحت قبة البرلمان.
تقارب بين النهضة والنداء
وبغض النظر عن الاختلافات السياسية والفوارق الايديولوجية بين حزبي النهضة والنداء، فإن هناك تقاربا كبيرا بينهما وإلى حد التطابق على المستوى الرؤية الاقتصادية لإخراج تونس من أزمتها التي حلت بها منذ الإطاحة بالرئيس الأسبق.
ويكمن هذا التقارب في الرؤية الاقتصادية على مستوى التعويل على الاقتراض الخارجي أساسا الذي يمثل معدّله أكثر من نصف الناتج المحلي الاجمالي لتونس حاليا.
كما يمثّل هذان الحزبان التيار اليميني المحافظ على المستوى الاقتصادي من خلال اعتماد اقتصاد رأسمالي حر لا يعير أهمية كبرى لكل ما هو “اجتماعي” ولكل ما هو “نقابي” حتى وإن أظهرا سياسيا ومن باب الاضطرار خلاف ذلك بسبب وزن المنظومة الاجتماعية والنقابية المتراكمة في تونس.
مأزق اقتصادي
في المقابل، يمكن الإقرار بأن الحزب الفائز بالحكم هو في واقع الحال أمام مأزق اقتصادي حاد لا يمكنه الخروج منه في الوقت الرّاهن إلا من خلال استقرار سياسي من خلال معارضة “ليّنة” و”هيّنة” و”طيّعة”.
وكما هو معلوم، فإن كل العوامل تؤشر على انهيار وشيك للاقتصاد التونسي في حال عدم القدرة على ايجاد حلول عاجلة قادرة على تحقيق نتائج فورية تقلّص من معل البطالة الذي يضرب أكثر من 600 ألف مواطن في تونس وبمعدل بطالة يفوق 15% والحد من الفقر الذي يضرب حاليا ربع التونسيين وهما عاملان أساسيان يؤديان إلى عدم القدرة على الاستهلاك خاصة في ظل ارتفاع التضخم وتدهور سعر الدينار إزاء الدولار، وما يعنيه كسادا حتميا سيلحق بالصناعيين وبالتجار.
رفاهية سياسية
ويبدو أن “الترف” السياسي الذي عاشه التونسيون منذ 4 سنوات وعلى رأسهم “نخبة” هذا الشعب و”خاصّته” لم ينجح في تجنيب هذا الشعب وعلى رأسه “عامّتة”، تجنيبه تدهور قدرته الشرائية وارتفاع كلفة المعيشة في تونس وما أنتج عنه تململا في الأوساط الاجتماعية التونسية وارتفاعا في مؤشرات الجريمة.
ومن المفارقات، يلاحظ أن “النخبة السياسية” في تونس وبغض النظر عن انتماءاتها الحزبية، لم تضغط للدفع إلى اصلاحات جذرية وحقيقية تدفع إلى بروز عدالة اجتماعية وتوزيع عادل للثروات، وهما صمام أمان بالمجتمعات المتقدمة ذات اقتصادات متفوقة.
كما أن هذه “النخبة” غضت الطرف عن قوانين وتشريعات “فاسدة” أقرها النظام السابق تؤدي إلى استفادة نخبوية ترجمها استمرار اهدار المال العام بأشكال مختلفة وتضارب المصالح واستغلال النفوذ هذا بالإضافة إلى استمرار معضلة التهرب الضريبي الذي بقي دون اجراءات جزائية.
توسّع في الهوة الطبقية
في المقابل، يلاحظ أيضا أن هناك توسّعا متزايدا في الهوة الطبقية في تونس مع تآكل الطبقة المتوسطة في تونس التي كانت محل اعجاب الدول المتقدمة والى حد اعتبار الأمر “معجزة” محققة في دولة فقيرة من العالم الثالث.
في المحصلة، ماذا استفاد المواطن التونسي من “الترف السياسي” على مدى أربع سنوات؟.. بالتأكيد لا شيء والدليل الأبرز واقعه الذي يحتم ضرورة اقتصادية حتى ولو كان الأمر على حساب ما تريده “النخبة السياسية”.. ولو إلى حين.
عائشة بن محمود