تونس-افريكان مانجر
بعد اكثر من سنة و نصف مفاوضات مع صندوق النقد الدولي للتوصل الى اتفاق للحصول على قرض بقيمة 1،9 مليار دولار، مايُعادل 5,6 مليار دينار، جاء الوقف الرسمي لتونس من الملف وما يتطلبه من اصلاحات يتوجب على تونس القيام بها، حيث أعلن رئيس الجمهورية قيس سعيد، أمس الخميس خلال احياء الذكرى الثالثة والعشرين لوفاة الرئيس الحبيب بورقيبة، رفضه لما وصفه بـ”إملاءات” صندوق النقد الدولي، قائلا، نّ “الإملاءات التي تأتي من الخارج وتؤدّي لمزيد من التفقير مرفوضة”.
واعتبر، ان “البديل هو أن نعوّل على أنفسنا وأنّ السلم الأهلي ليس أمراً هيناً”،مُشددا على أن تونس ليست للبيع وأن الخيارات يجب أن تكون “نابعة من إرادة الشعب”.
اقتراض صعب
ويأتي ردُ رئيس الدولة، في وقت دعت فيه الدول الأوروبية تونس الى الانطلاق في تنفيذ الاصلاحات الهيكلية التي طلبها صندوق النقد الدولي، بهدف التوصل الى اتفاق معه، الى جانب الانفتاح على الأسواق المالية الدولية و التوصل الى الحصول على تمويلات خارجية تُمكنها من تجاوز الأزمة الاقتصادية التي تٌعتبر الأسوء و الأكثر صعوبة في تاريخها.
ومن الواضح أنّ عدم شروع الحكومة التونسية فعليا في تطبيق برنامج الإصلاحات الذي قدمته الى صندوق النقد، يقف عائقا امام الحصول على تمويلات خارجية، ذلك ما أكده سفير فرنسا بتونس، أندريه باران الذي اعتبر في تصريح اعلامي مؤخرا أن الإصلاحات، التّي ستقوم بها تونس ستكون في مصلحة اقتصادها وليس في مصلحة صندوق النقد الدولي أو الشركاء الدوليين.
وحذّر وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن مؤخرا من أن تونس تحتاج بشكل طارئ إلى التوصل إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي، كما عبر الاتحاد الأوروبي عن قلقه إزاء ما وصفه بـ”تدهور الوضع السياسي والاقتصادي في هذا البلد ويخشا انهياره”.
وتقول وكالة التصنيف الامريكية “ستاندرد آند بورز”، إنّ تونس ستكون غير قادرة على الإيفاء بالتزاماتها المالية إذا لم تتوصل إلى إبرام الإتفاق مع صندوق النقد الدولي والحصول على دعم آخر في إطار التعاون الثنائي، وتحديدا، من قبل دول الخليج ممّا قد يؤدّي إلى إختلال التوازن في ميزان الدفوعات والمالية العمومية.
جواب رسمي لملف اقتصادي شائك
من جهته استاذ الاقتصاد بالجامعة التونسية، فتحي النوري، اعتبر أن ماقاله رئيس الجمهورية قيس سعيد، بخصوص ملف صندوق التقد، يعتبر اجابة رسمية واضحة لملف شائك أصبح محل انظار دولية.
و قال النوري، انه بعد أن ذهب وفد رسمي في حكومة قيس سعيد للتفاوض مع صندوق النقد وقد قدم برناج اصلاحات، يأتي رئيس الجمهورية ليؤكد رفضه للاصلاحات، مشيرا الى أنه في الاونة الأخيرة وقعت شيطنة صندوق النقد.
وشدد المتحدث، في تصريح اذاعي، على أن تونس لايمكنها الخروج من ازمتها الا بالتوصل الى اتفاق مع صندوق النقد، سيما و أنها بحاجة الى تمويلات كبرى لسداد ديونها و تغطية العجز الحاصل في الميزانية.
ويرى أستاذ الاقتصاد فتحي النوري، ان تبني صندوق النقد رسميا لموقف رئيس الجمهورية سيضع البلاد أمام صعوبات كبرى و يجعلنا ننتقل من مرحلة الحذر الى منطقة الخطر الاقتصادي.
وبخضوص امكانية اعتماد البلاد مواردها الذاتية، قال النوري ان موارد البلاد محدودة، متسائلا كيف يمكن توفير الحاجيات الاساسية للبلاد على غرار الطاقة و الحبوب دون تمويلات خارجية، في وقت ستم توريدها هذه المواد الأساسية بالعملة الصعبة.
تراجع سندات تونس
وقد تسببت تصريحات رئيس الجمهورية قيس سعيد، في ذات اليوم، في تراجع سندات العملة الصعبة الصادرة عن تونس بنحو 4.6 سنتا.
وأظهرت بيانات تريدويب أن الإصدارات التونسية المقومة باليورو تعرضت لأكبر انخفاض، إذ تراجعت السندات المستحقة في فبراير 2024 إلى ما يزيد قليلا على 67 سنتا لليورو، وهو أدنى مستوى منذ أكتوبر 2022.
وهوت السندات التونسية المقومة بالدولار بنحو 3.5 سنت لتباع بما يزيد قليلا عن 50 سنتا للدولار.
في هذا السياق، اعتبر المحلل المالي بسام النيفر، في تصريح اذاعي اليوم الجمعة، : ”تصريحات قيس سعيد تؤكّد أنّ فرص إمضاء الاتفاق مع صندوق النقد الدولي أصبحت شبه منعدمة، ففسرت الأسواق ذلك بتخفيض تصنيف تونس قريبا وبالتالي انخفاض الدين التونسي الشيء الذي أدى إلى تراجع سندات تونس من العملة الصعبة”.
وعموما، فان توجه نحو الاعتماد على موادها الذاتية على غرار الفسفاط، كبديل للتمويلات الأجنبية، يزيد الوضع تعقيدا و يجعل البلاد في حالة من الغموض و يُصعب عمل المؤسسات التي يعتمد نشاطها على الاستيراد و التوريد، ويٌصعب كذلك سداد الديون.
ويرى المتدخلون في الشان الاقتصادي، ان فرضية أن تتجه تونس شرقا نحو روسيا والصين من أجل الحصول على الدعم، سيكون من الصعب الحديث عنه الآن، في ظل الظروف الصعبة التي تعيشها تونس من جهة و الوضع العالمي و الحرب الروسية الأوكرانية من جهة أخرى.
و الى غاية كتابة هذه الأسطر، فانه لاوجود لتصريحات أخرى للأطراف الحكومية المعنية بمفاوضات صندوق النقد، و المسألة بقيت فقط بيد رئيس الجمهورية، فلا رئيسة الحكومة و لا وزيرة المالية و لا وزير الاقتصاد الذي أكد خلال شهر مارس المنقضي أـن تونس قدّمت برنامجها لصندوق النقد الدولي ويتم حاليا التعمّق في آليات التنفيذ، أصدروا بيانا يوضح هذا التناقض في العمل بين رئاسة الجمهورية الرافضة لاصلاحات النقد الدولي و العمل الحكومي الذي فاوض و اعلن في عديد المناسبات أنه يبحث اليات التنفيذ.
وعلى الرغم من تمسك رئيس الدولة بشعار *الشعب يُريد*، ورفضه للاصلاحات التي أبرزها تتعلق باصلاح منظومة الدعم و الترفيع الشهري في أسعار المحروقات، الا أن الجميع على وعي بخطورة الوضع و ما قد تؤول اليه هذه التصريحات و المواقف، و يبقى التساؤل قائما عما اذا حسم رئيس الجمهورية بهذا الموقف الأمر مع هذه المؤسسة الدولية وقد قًضي الأمرُ، أم ان ذلك يُعدُ وسيلة ضغط للحصول على تمويلات أوروبية بالتزامن مع تطمينات جزائرية بمنح تونس تمويلات تُساعدها على الخروج من الأزمة و تٌحافظ على استقرار هذا البلاد الشقيق.