تونس-افريكان مانجر
الوضعية البيئية في تونس لا تختلف عن الوضع في بقية دول العالم جراء التغييرات المناخية المتواصلة التي تسببت في شح المياه و الاحتباس الحراري و تلوث الغلاف الجوي، و بدأت انعكاساتها تظهر جليا في كل البلدان.
ويتم العمل حاليا على مجابهة هذه التحولات من خلال الاشتغال على عديد المحاور و المشاريع ذات الصلة، ويمكن القول اننا جاهزون ماديا و تقنيا لتنفيذها، الا أن ذلك لا يقتصر فقط على دور وزارة البيئة وانما يشمل عديد الهياكل الحكومية الأخرى و يتطلب وضع منظومة عمل مشتركة و موحدة، ذلك ما أكدته وزيرة البيئة ليلى الشيخاوي مهداوي في حوار لموقع أفريكان مانجر.
و في ما يلي نص الحوار كاملا مع وزيرة البيئة ليلى الشيخاوي مهداوي:
- بداية، ماهي المحاور التي انطلقت وزارة البيئة في الاشتغال عليها لمجابهة التغييرات المناخية و هل أن تونس جاهزة لمواجهتها؟
الوضع البيئي في تونس يعرف عديد الصعوبات و التحديات من بينها المرتبطة بالواقع المحلي و الوطني و أخرى المتصلة بالتغييرات المناخية التي تشهدها مختلف الدول في العالم و التي تنعكس على البلاد، لذلك فان وزارة البيئة بالنظر الى مهامها انطلقت في العمل على عديد المحاور ذات الأولوية بالشراكة مع الهياكل المتدخلة.
في علاقة بمكافحة التلوث، فإننا نعمل على الحد من مختلف أشكالهعبر انجاز مشاريع كبرى ستعود بالنفع على البلاد.
لكن المؤكد ان تونس جاهزة لمجابهة كل التحديات والتغييرات المناخية وقد التزمنا بعديد الاستراتيجيات، وتحصلنا في اطار الدعم المقدم من صندوق البيئة العالمي FEMعلى تمويلات و تم وضع عدد هام من المشاريع النموذجية في عديد المجالات.
- فيما تتثمل هذه المشاريع؟
من أهم المشاريع الجاري اعدادها و التي استوفت تقريبا مختلف الاجراءات القانونية و التقنية، مشروع اعادة فتح مركز جرادو المختص في معالجة النفايات الصناعية و الخاصة.
تمتأسيس هذا المركز بالتعاون مع الطرف الألماني، وقد دخل حيز النفاذلفترة قصيرة ثم توقف عن العمل في 2013.
وخلال هذه الفترة تم البت في كل الاجراءات المتعلقة به لاستئناف نشاطه في أقرب الآجال، وهو مشروع له مميزات كبرى من شأنه أن يفض اشكاليات التصرف في النفايات.
و أود أن أطمئن المواطنين، في علاقة بهذا المشروع، فهو لن يمثل خطرا على صحة سكان المنطقة، لأنه يستجيب لكل معايير السلامة المعمول بها.
من بين المشاريع الأخرى، التي بصدد التطوير حماية المحميات، حيث تم في اطار اتفاقية برشلونة أو اتفاقية حماية البيئة البحرية والمنطقة الساحلية للبحر المتوسط، احداث 4 محميات طبيعية وهي جالطا و زمبرة ومبرتا و جزر كنايس و قوريا، وتعهدت جمعيات بالتصرف و متابعة هذه المحميات وهو ما يمكن اعتباره ايجابيا خاصة في ظل نقص الامكانيات المادية.
وتعتبر المحمية الواقعة بجزيرة قرقنة استثنائية لكونها تقع في منطقة سكنية وعملية صيانتها و حمايتها تتم بالتوازي مع المحافظة على طبيعة الحياة اليومية للمتساكنين.
كما أن جزيرة قرقنة انخرطت في مشروع ايكولوجي ضخم، و هناك توجه لجعلها أول جزيرة نموذجية للانتقال الايكولوجي، وهو مشروع تم عرضه مؤخرا على رئاسة الحكومة في اطار الاستراتيجية الوطنية للانتقال الايكولوجي.
-ماهي أبرز المحاور أو النقاط التي تتضمنها الاستراتيجية الوطنية للانتقال الايكولوجي، خاصة و أن هذا الخيار انطلقت فيه عديد الدول مبكرا؟
تتضمن هذه الاستراتيجية 5 محاور كبرى:الحوكمة و التمويل و مكافحة التغييرات المناخية و التلوث وحماية الاستهلاك المستدام و التنوع البيولوجي، الى جانب التركيز على العلوم و الثقافة و التربية البيئيةو التحسيس بأهميتها.
كما تحتويهذه الاستراتبجبة على أكثر من 54 اجراءا، متطابقة مع المعاهدات والمواثيق الدولية التي صادقت عليها بلادنا.
وتهدف الاستراتيجية الوطنية للانتقال الايكولوجي بالأساس إلى ضمان ديمومة رأس المال الطبيعي وتحسين كفاءة استعمال الموارد بالإضافة إلى اعتماد حوكمة مؤسساتية واعتماد تنمية محايدة للكربون، تتماشى مع التغيرات المناخية وصامدة امام الكوارث.
- القطاع البيئي، أصبح اليوم من القطاعات الجاذبة و المستقطبة للمشاريع، ماهو دوركم في هذا الصدد؟
ندعم كل من يرغب في بعث المشاريع في القطاع البيئي، و نرحب بكل مقترحات المشاريع و دورنا يتمثل في تقديم الدعم و التوجيه وقد تم احداث خلية صلب الوزارة تُعنى بالراغبين في الانتصاب للحساب الخاص.
كما أن مركز تونس الدولي للتكنولوجيا البيئية CITET، يُقدم تكوينا مجانيا لمن له فكرة مشروع و يرغب في بعثه ووزارة البيئة تلعب دور الوساطة مع بقية الوزارات لتسهيل انجاز المشروع.
وقد تلقينا عديد المقترحات بعضها مرتبط بوزارة الصناعة على غرار مشاريعالطاقة الشمسية.
و من ضمن المقترحات الأخرى مشاريع التشجير في اطار مندمج يجمع بين امتصاص الكربون و انتاج الخشب و الاعتماد على الطاقة الشمسية.
- هل من مشاريع سترى النور قريبا؟
عديدة هي المشاريع، نحن حريصون على استكمال تلك التي تنجزها الهياكل التابعة للوزارة، على غرار مشروع انجاز محطات معالجة مياه الصرف في كامل مناطق الجمهورية و في الجهات التي لايوجد بها قنوات صرف صحي، وهو مشروع بصدد الانجاز من قبل الديوان الوطني للتطهير.
و أيضا مشروع تونسي-ياباني ضخم بالشراكة مع المجمع الكيميائي التونسي لمعالجة المياه الثلاثية سيمكن من اعادة استعمال الماء في الصناعة و الفلاحة، و يهدف للمحافظة على الموارد المائية للبلاد.
ومنذ اشهر دخل مشروع منع استعمال الأكياس البلاستيكية حيز النفاذ، و قد تم منذ غرة سبتمبر 2022 بالاتفاق مع المهنيين، ايقاف انتاج الاكياس البلاستيكية ذات الاستعمال الوحيد و التي تمثل خطرا بيئيا، و أريد أن اشير الى أن الأكياس التي تباع حاليا لدى التجار متأتية من السوق الموازية و القانون يمنع استعمالها و بيعها.
و في علاقة بالبلاستيك، هناك مشروع بتمويل من البنك الدولي لا عادة جمع البلاستيكمن البحر بدأ العمل على انجازه من السنة الماضية و سيشمل كل ولايات الجمهورية انطلاقا من جزيرتي قرقنة و جربة، فضلا عن وجود برنامج نموذجي بالشراكة مع برنامج الأمم المتحدة الانمائي و الوكالة الوطنية للتصرف في النفايات يتمثل في الفرز الانتقائي من المصدر.
كما يمثل الاقتصاد الدائري، احدى أهم المشاريع الحالية للوزارة، حيث ستُصبح كل المشاريع في كل القطاعات مُطالبة بوضع منظومة للتصرف في النفايات و اعادة رسكلتهاCIRCUIT DE RECUPERATION ET DE RECYCLAGE DE DECHETS منذ بداية عملية التصنيع، وهو ما سيجعل عملية الفرز تبدأ مع بداية الانتاج.
و من المؤكد، أن هذا المشروع الذي تتدخل فيه عديد الأطراف يهدف الى التخفيض من انتاج الفضلات و رسكلة أكبر قدر منها.
كما قدمنا الاستراتيجية الوطنية للتنمية ذات الانبعاثات الغازية الضعيفة والمتأقلمة مع التغيرات المناخية لعام 2050، وهي استراتيجية تتدخل فيها وزارات النقل و التجهيز و الصحة و الطاقة و الفلاحة.
وفي اطار الاستراتيجية الوطنية للتصرف المندمج فيالنفايات المنزلية والمشابهة 2020-2035، هناك مشروع للتصرف في فضلات مواد البناء التي تمثل ثروة هامة.
وبالتنسيق مع وزارة التجهيز نعمل على تنفيذ برنامج لإدخال استعمال فضلات مواد البناء “الحصالة” في بناء الطرقات السيارة على غرار الدول الأوروبية.
و من المنتظر أن تتم تجربة المشروع على حوالي 1.5 كلم من طريق الزهراء للنظر في مدى نجاح الفكرة التي ستساهم في تثمين هذا الصنف من النفايات و التخفيض من كلفة الطرقات و خلق مواطن شغل جديدة.
كما نتجه نحو احداث بنايات ايكولوجية، و تقدمنا في الغرضبطلب لاقتناء أرض و بناء وزارة البيئة بطريقة ايكولوجية.
وأريد التذكير، أن القرارات و تواريخ الانتهاء من الانجاز ترتبط بمختلف الهياكل المتدخلة و لا تقتصر فقط عن وزارة البيئة.
- كثيرا ما تؤكدون أن وزارة البيئة دورها تنسيقي فقط… هل هذا ما يعرقل تقدم المشاريع؟
طبعا، الوزارة لا يمكنها العمل لوحدها هي تقدم رؤية واضحة في علاقة بالشأن البيئي، ومهمتنا تكمن في بلورة الاستراتيجيات و طرح المبادرات و التنسيق لكن القرارات النهائية مشتركة مع كل الوزارات و البلديات.
لدينا تصور و استراتيجية عمل واضحة و الامكانيات المادية متوفرة من خلال التمويلات الدولية و وجود الكفاءات البشرية لكن التطبيق صعب لأنه مرتبط بعديد الهياكل.
منظومة العمل هذه تم وضعها من التسعينات ولم يتم تغييرها حتى في مجلة الجماعات المحلية التي تم احداثها سنة 2018.
والفرق بين تونس و بقية دول العالم هو أن كل البلدان تعود فيها عملية الجمع و التصرف في النفايات الى هيكل واحد في حين في تونس ترجع ملكية الفضلات للبلديات و التصرف فيها يدخل في مجال عمل الوكالة الوطنية للتصرف في النفايات، وقد تسبب هذا الانقسام في المهام في تعطيل عديد المشاريع الكبرى، في قابس على سبيل المثال، البنك الألماني قدم تمويلات لتونس لتهيئة وحدة لتثمين و رسكلة النفايات بطريقة علمية شريطة موافقة على الأقل نصف البلديات المقدر عددها 16 بلدية الا أن 7 بلديات فقط أبدت موافقتها وهو ما دفع البنك لاسترجاع أمواله و الغاء المشروع.
كما تتلقى وزارة البيئة عديد التشكيات في علاقة بتراكم الفضلات و “الناموس”، في وقت أن هذه المهام تندرج في اطار عمل البلديات.
وهذا لا يعنى أنه لا دور لنا في مسألة النظافة و لكن الدور مشترك، سيما و أن تدخلنا في المصبات يكون أساسا في المصبات المراقبة.
- ما الحل لتجاوز مثل هذه العراقيل خاصة في ظل الوضع البيئي المتردي؟
في اطار الاعداد لمجلة البيئة التي انطلق تحضيرها بالشراكة مع المجتمع المدني و الخبراء و الوزارات، هناك مقترح بصدد دراسته لتغيير منظومة العمل الحالية.
- هناك عديد الانتقادات التي يُوجهُها المواطنون للوزارة، من بينها تلك المتعلقة بالمساحات الخضراء وحالتها المتردية؟
أبدا، الوزارة تعمل على الصيانة و المحافظة على المساحات الخضراء، هناك 40 مساحة تعهدنا بتهيئتها و تم تحويلها الى ادارة الشؤون المحلية التابعة لوزارة الداخلية و المنضوية تحتها البلديات حسب طبيعة المشروع.
و حاليا، هناك 4 مساحات خضراء بصدد التهيئة تواصل غلقها أكثر من 10 سنوات.
في الواقع نعمل على تحسين الوضع البيئي المتصل بالمرفق العام مع كل الهياكل المعنية وقد خصصنا على موقعنا فضاء خاص بالمواطن لتلقي التشكيات على مدار اليوم.
ومن بين المشاريع التي تندرج في اطار التربية على البيئة و التي ستعود قريبا ” رمز البيئة لبيب” و الذي يهدف للتحسيس بضرورة المحافظة على البيئة.
-أكثر من سنتين مرت على أزمة صفاقس، والى اليوم مازال الوضع ضبابي و يراوح مكانه، ما هي أبرز المستجدات؟
هناك برامج كبرى خاصة بصفاقس لجعلها نموذج يحتذى به في النظافة من خلال احداث شبكة بلديات بالتنسيق مع الوكالة الوطنية للنفايات و تحت اشراف الوزارة .
و في علاقة بأزمة النفايات فان الاشكال يبقى متصلا بالقبول المجتمعي و المواطنيلإحداث وحدة مؤقتة للنفاياتو وحدة معالجة و تثمين unité de traitement et de valorisation (UTV)، وهنا أذكر بالعمل الذي قامت به اللجنة المحدثة بالشراكة مع المجتمع المدني و التي قدمت مقترحات أماكنلتثمين النفايات عوضا عن ردمها خاصة و ان النفايات الان أصبحت مصدرا للطاقة والسلط المعنية تشتغل بصفة متواصلة في الجانب القانوني و الفني.
و يبقىرفع النفايات من مهام البلديات التابعة للشؤون المحليةو هياكلنا تتدخل فقط في المصبات المراقبة للتخفيض من الازعاجات والتلوث البيئي.
والى حد الان لم يتم التوصل الى تحديد مكان وهذا القرار لا يمكن اتخاذه الا في صورة وجود توافق بين مواطنين الجهة، والوزارة جاهزة للتدخل.
- ماهي مستجدات الوضع البيئي في قابس و كيف تتابعون تطورات الأوضاع هناك؟
مؤخرا، تم عقد اجتماع ضم عديد الوزارات الصحة التعليم و التجهيز و الطاقة و الاقتصاد، ورؤساء البلديات و المهنيين، وتم طرح مختلف الاشكاليات التي تشهدها المنطقة و هناك اجماع على ضرورة ايجاد حلول عاجلة و متوسطة و طويلة المدى.
وقد خصصت الجلسة للتداول حول الإشكاليات البيئية العالقة بڨابس ومشاريع رسكلة وتثمين النفايات ومعالجة المياه المستعملة والحد من التلوث الهوائي والمائي الناجم عن الوحدات الصناعية المنتصبة بالجهة مع العمل على الحد من التلوث وحماية صحة المواطنين.
- ما الجديد في قضية السفينة “اكسيلو ” التي غرقت في سواحل قابس خلال شهر أفريل 2022؟
الإجراءات القانونية في علاقة بهذه السفينة متواصلة و قريبا هناك اجتماع للجنة المعنية التي نتراسها و في صورة ثبوت تعمد اغراق السفينة سيتم اتخذ الإجراءات اللازمة وتقديم تعويضات مالية لتونس.
