تونس- افريكان مانجر- وكالات
اعتبرت أسبوعية “ذي إيكونوميست” البريطانية في تقرير لها مؤخرا أن تونس هي الدولة الوحيدة عربيا التي تتبنى نموذجا ديمقراطيا وأن دولا اخرى مثل مصر والجزائر والمغرب والأردن هي “ديمقراطيات مزيفة” ، وفق ما نقلته تقارير إخبارية.
وقال التقرير إن شعوب دول الربيع العربي التي خرجت للمطالبة بإنهاء حكم الفرد الواحد ولترسيخ أنظمة ديموقراطية انتهى بها المطاف إلى استنساخ نماذج مشابهة للتجربة الجزائرية.
ورأى التقرير أن تونس استطاعت أن تتخلى عن الماضي وتتبنى نظاما أكثر انفتاحا، أما في مصر فتصدر الجيش المشهد، وفي العراق وسوريا ترزح البلدان الآن تحت حرب أهلية، يتحكم فيها متشددون من تنظيم “الدولة الإسلامية” في مساحات شاسعة من البلاد فيما يشتري النفط أصوات المعارضين في دول الخليج.
“مأساة العرب”
وسلطت مجلة ذي إيكونوميست البريطانية، الضوء على ما وصفته بمأساة العرب، وقالت إن الحضارة العربية التى قادت العالم فيما مضى فى حالة دمار الآن، ولايستطيع إعادة بنائها إلا العرب أنفسهم.
وزادت الآمال قبل ثلاث سنوات عندما اندلعت ثورات الربيع العربى فى تونس ومصر واليمن وليبيا، وبدأت مطالب التغيير فى أماكن أخرى، أبرزها سوريا، إلا أن ثمار الربيع العربى قد فسدت بعودة الاستبداد والحرب، وكلاهما ولد البؤس والتعصب الذى يهدد العالم اليوم على نطاق واسع.
وتحت عنوان «مأساة العرب»، تحدثت مجلة «إيكونوميست»، البريطانية، عن تراجع الحضارة العربية، قائلة إنها كانت تقود العالم ولكنها باتت في حالة خراب، مؤكدة أنه لن يعيد بنائها سوى شعوب المنطقة.
وأضافت المجلة، في تقرير مطول، نشرته الجمعة، أنه منذ ألف سنة، كانت المدن الكبرى في القاهرة وبغداد ودمشق تنافس العالم الغربي، وكان الإسلام والابتكار وجهان لعملة واحدة، كما كانت الخلافة العربية قوة عظمى، ومنارة للتعلم والتسامح والتجارة، ولكن العرب اليوم في حالة بائسة، مشيرة إلى أنه «حتى آسيا، وأمريكا اللاتينية، وأفريقيا يتقدمون في الوقت الذي يتراجع فيه الشرق الأوسط بسبب الاستبداد والحرب».
فشل ذريع
وأوضحت المجلة أن الآمال ارتفعت قبل 3 سنوات، عندما اندلعت موجة من الاضطرابات في أنحاء المنطقة وأدت إلى الإطاحة بأربعة حكام مستبدين في تونس ومصر وليبيا واليمن، ولكن ثمرة الربيع العربي أصبحت فاسدة بتجدد الاستبداد والحرب من جديد، بحسب المجلة.
وتساءلت المجلة عن سبب «فشل الدول العربية الذريع في تبني الديمقراطية»، قائلة: «ما الذي يجعل المجتمع العربي عرضة لأنظمة دنيئة ومتعصبة عازمة على تدميرها، فالعرب لا يفتقرون إلى الموهبة، ولا يكرهون الديمقراطية، ولكن حتى يستيقظوا من الكابوس الذي يعيشون فيه، فإن هناك تغييرات هائلة لابد أن تحدث».
ورصدت المجلة بعض المشاكل في المنطقة قائلة «سوريا والعراق وما يحدث بهما من قبل تنظيم الدولة الإسلامية في الشام والعراق (داعش)، ووقوع ليبيا تحت حكم الميليشيات العنيفة، ومعاناة اليمن من التمرد والاقتتال الداخلي وتنظيم القاعدة، كما أن فلسطين ما زالت بعيدة عن السلام وإقامة دولة حقيقية».
وتابعت: «وفي مصر عاد الحكم العسكري من جديد، وحتى دول مثل المملكة العربية السعودية والجزائر، الغنيتان بثروات النفط والغاز، والمدعومتان من قبل جهاز أمن دولة حديدي، فإنهما أكثر هشاشة مما تبدوان عليه، ولكن تونس، التي افتتحت محاولة العرب من أجل الحرية قبل 3 سنوات، هي فقط من أصبح لديها ما يؤهلها لديمقراطية حقيقية».
تفسير الأديان
ورأت المجلة أن تفسير البعض للدين الإسلامي هو صميم بعض مشاكل العرب العميقة، موضحة أن الجمع بين روحانيات الدين والسلطة الدنيوية، مع عدم وجود فصل بين الدين والدولة، يؤدي إلى عدم تطور المؤسسات السياسية المستقلة، مشيرة إلى أن هناك أقلية متشددة من المسلمين عالقة في البحث عن الشرعية من خلال تفسيرات متعصبة للقرآن، كما أن هناك مسلمين آخرين لجأوا للانصياع لأفكار المتعصبين تحدت تهديد عنف الميليشيات والحرب الأهلية، معتبرة أن «هذا الشذوذ العنيف عن الإسلام انتشر إلى أماكن بعيدة مثل نيجيريا وشمال انجلترا».
وتابعت: «لكن التطرف الديني هو أحد المسارات التي أدت إلى بؤس العرب، وليس السبب الأساسي له، فبينما تنجح الديمقراطيات الإسلامية في أماكن مثل إندونيسيا، فإن نسيج الدول في العالم العربي ضعيف للغاية، فبعد تراجع الإمبراطورية العثمانية، بعد الحرب العالمية الأولى، جاء الاستعمار البريطاني والفرنسي للعرب، وواصلت القوى الاستعمارية السيطرة أو التأثير على الأحداث حتى الستينيات، ولم ينجح العرب منذ ذلك الحين وحتى الآن في تعزيز المتطلبات المؤسسية للديمقراطية، وإقامة برلمانات فعَالة، وحماية الأقليات، وتحرير المرأة، وحرية الصحافة، واستقلال القضاء، والجامعات والنقابات».
ورأت المجلة أن عدم وجود اقتصاد ليبرالي في العالم العربي هو ما أدى إلى عدم وجود دول ليبرالية، موضحة أنه «بعد الاستقلال، كان التخطيط المركزي، المستوحى من الاتحاد السوفيتي، هو العقيدة السائدة في ذلك الوقت، فخنقت الحكومات العربية اقتصادها بمكافحة السوق، والتجارة، وتبني فكرة المعونات، مما أدى إلى تشديد قبضة الدولة على مقاليد الاقتصاد، خاصة في الدول الغنية بالنفط، حيث تم رفع قيود الاشتراكية، في مرحلة ما بعد الاستعمار، وانتشرت الرأسمالية، والمحسوبية، والخصخصة، وهو ما ظهر جلياً في السنوات الأخيرة من حكم الرئيس السابق، حسني مبارك، فيكاد يكون ليس هناك أسواق حرة في المنطقة».
ومضت تقول: «كل هذه العوامل أدت إلى الركود الاقتصادي، والذي بدوره أدى إلى حالة من الاستياء، فقد دافع الملوك والرؤساء عن أنفسهم من خلال الشرطة، وبعض الأجهزة السرية، وأصبح المسجد هو مصدر الخدمات العامة، وأحد الأماكن القليلة التي يمكن أن يتجمع الناس فيها لسماع الخطب، وهو ما أدى إلى تطرف بعض المسلمين، وفي الوقت نفسه نما عدد كبير من الشباب الغاضب بسبب البطالة، وذلك بفضل وسائل الإعلام الإلكترونية، التي زادت من وعيهم وجعلتهم يخرجون إلى الشوارع للمطالبة بحقوقهم».
تصحيح مسار
وأكدت «إيكونوميست» أنه لا يمكن أن يتم تصحيح مسارات الدول العربية بسهولة وسرعة، فحتى الغزاة والمحتلين لا يمكنهم ببساطة القضاء على الأفكار الجهادية، وفرض الرخاء والديمقراطية، وهو ما يتضح في الغزو الكارثي للعراق في عام 2003«.
وقالت إن العرب فقط هم من يمكنهم إنهاء التراجع الحضاري الذي تعاني منه بلادهم، معتبرة أن أمل حدوث ذلك الآن ضئيل، فالمتطرفين لا يسمحون بالتقدم، و«تعويذة الملوك ورجال الجيش هي كلمة الاستقرار»، بحسب تعبيرها، ولذا فتأييدهم في أوقات الفوضى أمر مفهوم، ولكن القمع والركود الاقتصادي لن يكون الحل، فحتى لو كانت الصحوة العربية انتهت في الوقت الحالي، فإن القوى التي أيقظتها من قبل لا تزال موجودة، ووسائل الإعلام الاجتماعية التي ساهمت في اندلاع الثورات موجودة أيضاً، ولذا فيجب على الرؤساء والملوك في قصورهم، ومؤيديهم في الغرب أن يستوعبوا أن الاستقرار يتطلب الإصلاح، بحسب المجلة.
وتساءلت المجلة عما إذا كان هذا مجرد وهم لن يحدث، قائلة: «صحيح أن الأوضاع الآن دموية، ولكن في النهاية سيلتهم المتعصبون أنفسهم، وفي الوقت نفسه، يجب على العلمانيين السنة الذين يشكلون الغالبية العظمى من العرب المسلمين إسماع صوتهم المعتدل كلما جاءت لهم الفرصة لذلك، وعندما يأتي الوقت المناسب لهم، فإن عليهم تبني القيم التي أسست عظمة العالم العربي في يوم من الأيام، حين كان التعليم نابغاً في الطب والرياضيات والهندسة المعمارية وعلم الفلك، وكانت التجارة متفردة ببضائع رائعة مثل التوابل والحرير، وكان العالم العربي ملاذاً عالمياً لليهود والمسيحيين والمسلمين من العديد من الطوائف، حيث عزز التسامح الإبداع والاختراع».
وختمت المجلة تقريرها قائلة إن «التعددية، والتعليم، والأسواق المفتوحة، كانت القيم العربية سابقاً، ومن الممكن أن تعود من جديد»، مضيفة أنه اليوم، مع تمزيق السنة والشيعة رقاب بعضهم البعض في العراق وسوريا، و«استقرار جنرال الجيش السابق على عرشه الجديد في مصر»، فإن الآفاق تبدو بعيدة ومأساوية، ولكن بالنسبة للشعوب العربية فإن هذه القيم لا تزال تشكل رؤية لمستقبل أفضل.
وتساءلت الصحيفة حول أسباب فشل الدول العربية فى إنشاء الديمقراطية وتوفير السعادة إلى جانب ثروات النفط لمواطنيها، وتساءلت إيكونوميست عما يجعل المجتمع العربى عرضة لأنظمة خسيسة ومتعصبين يريدون تدميره، هم وحلفائهم المزعومين فى الغرب.