أثار قانون المالية التكميلي لهذه السنة العديد من التحفظات والانتقادات من قبل العديد من الأطراف و خاصة منها الخبراء والمختصون في الجباية نظرا لما تضمنه هذا القانون حسب رأيهم من فصول وإجراءات جبائية لا ترتقي إلى متطلبات الاقتصاد الوطني.
وللحديث أكثر عن هذا الموضوع حاورت “اليوم” المستشار الجبائي وعضو الهيئة التنفيذية للحزب الديمقراطي التقدمي, محمد صالح العياري. وفيما يلي نص الحديث.
-ما هو تقييمك بصفة عامة لمشروع قانون المالية التكميلي لسنة 2012 وخاصة فيما يتعلّق بالمنظومة الجبائية وهل لديك مقترحات؟
إثر صدور قانون الماليّة لسنة 2012 وباعتبار أنّه لم يتضمّن أحكاما هامّة تمكّن من خلق مواطن شغل إضافيّة وتساعد على خلق دينامكيّة إقتصاديّة ، وعدت الحكومة المؤقّتة بتدارك الوضع في إطار قانون الماليّة التّكميلي لسنة 2012 .
ولكن وبعد الإطّلاع على مشروع هذا القانون ، تبيّن أنّه لا يتضمّن أحكاما ثوريّة تتماشى وطموحات الشّباب العاطل عن العمل لإيجاد مواطن شغل وإنتظارات المؤسّسات لإعطائها الدّفع اللازم للخروج من الأزمة الخانقة ومع أهداف الثّورة المجيدة.
وقد كنّا نتمنّى فعلا ، كمختصّين في الجباية ، أن يقع سنّ إجراءات جوهريّة لإصلاح المنظومة الجبائيّة وذلك لإرساء العدالة الجبائيّة ولتوزيع العبء على كلّ فئات المجتمع بأكثر إنصاف لتخفيض الضّغط الجبائي على المؤسّسة الإقتصاديّة .
ولكن السيّد وزير الماليّة كان له رأي مخالف باعتباره أكّد بأنّه لا يمكن التّطرق إلى إصلاح المنظومة الجبائيّة في ظلّ حكومة مؤقّتة, الامر الذي جعلنا نتساءل عن الذنب الذي ارتكبه الشّعب التّونسي الّذي أرهقته الحكومات الوقتيّة المتعاقبة حتى يتدنّى مستوى عيشه وتتفاقم البطالة وتتعّقد أكثر من أيّ وقت مضى وضعيّة المؤسّسات الإقتصاديّة ؟
لقد فوّتنا على أنفسنا فرصة ذهبيّة للقيام بإصلاحات جوهريّة تهمّ بالأساس المنظومة الجبائيّة وتتمحور على سبيل المثال حول العناصر التّالية :
– التّخفيض من نسب الضّريبة على الشّركات لإعطاء الدّفع للإستثمار وخلق مواطن الشّغل وذلك بالمقارنة مع العديد من البلدان (مصر : 20 % وتركيا : 20 % وبولونيا : 19 % ورومانيا : 16 % والأردن : 15 % والبرازيل :15 % وإيرلندا الشّماليّة 5،12 % و10 % …إلخ)
– حذف الإعفاءات الواردة بالجدول “أ” الملحق لمجلّة الأداء على القيمة المضافة وذلك للحدّ من التّراكمات الجبائيّة “Rémanences Fiscales” وجعل الأداء على القيمة المضافة محايدا “neutre” بصفة فعليّة لعدم قطع سلسلة الطّرح .
– الحدّ من نسب الأداء على القيمة المضافة وذلك بحذف نسبة 6 % وإخضاع المواد الأساسيّة لنسبة 0 % وإخضاع بقيّة المواد والخدمات إلى نسبة 12 %.
– إعادة النّظر في جدول الضّريبة على الدّخل وذلك بإرساء توزيع عادل للشّرائح والمداخيل الخاضعة للضّريبة . – التّرفيع من مبالغ الطّرح المتعلّقة برئيس العائلة وبالأطفال في الكفالة وبالوالدين في الكفالة الّتي لم يقع التّرفيع فيها منذ سنة 1990 .
– التّرفيع من الشّريحة المعفاة المحدّدة بـ 2500 دينار لأصحاب الأجر الأدنى الصّناعي المضمون (SMIG) وذلك لإعفائهم كليّا من دفع الضّريبة .
2/ ما هو موقفك من مسألة العفو الجبائي خاصة أمام العدد الكبير للمتهرّبين وانعكاسات ذلك على الاقتصاد الوطني؟
إنّ العفو الجبائي سلاح ذو حدّين, حيث انه يساهم في تمكين المطالبين بالضّريبة الّذي لم يصرّحوا بالمداخيل والأرباح وأرقام المعاملات في الآجال القانونيّة أو لم يدفعوا المبالغ المثقلة عليهم لدى قباضات الماليّة من تسهيلات في الدّفع مع التّخلي عن خطايا التّأخير ممّا يسمح لهم بتسوية وضعيّتهم إزاء إدارة الجباية وتمكين خزينة الدّولة من موارد إضافيّة .
– ولكنه ايضا سيف مسلّط على المطالبين بالضّريبة الّذي قاموا بواجبهم الجبائي على أحسن وجه ووجدوا أنفسهم في وضعيّة لا يحسدون عليها لأنّهم سيتحمّلون منافسة غير شريفة بواسطة آليّة العفو الجبائي إزاء الأشخاص الّذين لم يدفعوا الأداءات والضّرائب المناطة بعهدتهم في الآجال القانونيّة لتقع مجازاتهم على ذلك عن طريق العفو الجبائي .
كما ان الأدهى والأمرّ هو أنّ العفو الجبائي أصبح “عادة محمودة” يقع سنّه بصفة دوريّة كما هو الشأن للعفو الجبائي لسنة 2001 ولسنة 2006 ولسنة 2011 ، ممّا سيترك إنطباعا سيّئا جدّا لدى المطالبين بالضّريبة الّذين إحترموا واجبهم الجبائي في الآجال القانونيّة .
وكلّ ما نتمنّاه هو إيقاف نزيف العفو الجبائي بصفة نهائية مع إنتهاء الفترة الصّعبة الّتي عرفها المطالبون بالضّريبة بعد إندلاع الثّورة وذلك لنجعل كلّ المطالبين بالضّريبة على نفس قدم المساواة إزاء الواجب الجبائي .
3/ والنظام الجبائي الخاص بالتمويل الإسلامي : كيف تقيمه؟ إنّ النّظام الجبائي الّذي تمّ سنّه بخصوص التّمويل الإسلامي سيعطي الدّفع اللازم لهذه الآلية حتّى يقع تعميمها أكثر من ذي قبل .
ومن المؤكّد أنّ نظام التّمويل الإسلامي سيفسح المجال للمستثمرين لإختيار الآلية الّتي تتماشي أكثر مع متطلّبات المشروع ومع قناعاتهم الشّخصيّة .
إنّ هذا النّظام يمثل إثراء للسّاحة الماليّة وذلك لخلق المنافسة النّزيهة بين البنوك الإسلاميّة والبنوك التّقليديّة ممّا سيرجع بالفائدة على المؤسّسة الإقتصاديّة بصفة عامّة وعلى المستثمرين بصفة خاصّة . 4/ هناك من اعتبر أن المشروع قد تضمن أحكاما من شأنها أن تزيد في إهدار المال العام من خلال آلية الامتيازات الجبائية. ما رأيك؟
لقد تضمّن بالفعل مشروع قانون الماليّة التّكميلي أحكاما لتشجيع الأشخاص المتهرّبين من دفع الضّرائب على تسوية وضعيّتهم وذلك بالقيام بالإستثمارات في قطاعات منتجة أو بإيداع مبالغ ماليّة في “حساب إدّخار في الأسهم ” أو في ” حساب إدّخار للإستثمار “وهناك من إعتبر أنّ هذا الإجراء من قبيل تبييض الأموال .
ومن جهة أخرى ، تضمّن مشروع قانون الماليّة التّكميلي إجراء يتعلّق بتطبيق نسبة 1 % على المبالغ غير المصرّح بها بعنوان معاليم التّسجيل المتعلّقة بعقارات لم يقع تسجيلها في الآجال القانونيّة .
ولكن الإشكال المطروح يتمثّل في أنّ الأشخاص المتهرّبين كان بإمكانهم مواصلة تهرّبهم من القيام بواجبهم الجبائي إلى حدود إنتهاء فترة التّقادم وذلك دون تعرّضهم إلى أيّ عقوبات جبائيّة
وبالتّالي ، فإنّ الحلّ الجذري يتمثّل في تعزيز دور المراقبة الجبائيّة وذلك بتعزيز إدارة الجباية بالموارد البشريّة وتطوير عملها ووضع على ذمّتها الوسائل الماديّة حتّى يتسنّى لها القيام بعمليّة مسح شاملة لكلّ المخالفين والمتهرّبين وذلك للحدّ من ظاهرة الغشّ والتهرّب الجبائي . شادية الهلالي