تونس-افريكان مانجر
أمام تضارب التصريحات الرسمية بشأن حقيقة ما يعرف ب”جهاد النكاح”،فإن الجدل مازال قائما بين من اعتبرها مجرد زوبعة وكذبة مفتعلة لخدمة أجندا سياسية و بين من أكد صحتها استنادا إلى تحقيقات ميدانية أنجزت في هذا الغرض.
ويعزى هذا الجدل إلى تكذيب رئيس الحكومة المؤقتة علي العريض وزير الداخلية لطفي بن جدو الذي كشف في جلسة مساءلة أمام نواب المجلس الوطني التأسيسي يوم 20 سبتمبر الماضي عن سفر عشرات التونسيات إلى سوريا في إطار ما يعرف بـ”جهاد النكاح”.
آخر التحقيقات تلك التي بثتها مؤخرا “شبكة بي بي سي ” الناطقة بالانجليزية،قدمت خلالها شهادات حيّة تؤكد صحة ممارسة تونسيات”جهاد النكاح” و هذه المرة داخل حدود الوطن و تحديدا بجبل الشعانبي الحدودي مع الجزائر، حيث يقاتل الجيش مسلحين مرتبطين بتنظيم القاعدة.
غموض متواصل
“أطلب من وزير الداخلية لطفي بن جدو إطلاق سراح ابنتي ذات السبعة عشر ربيعا و المعتقلة رفقة 20 فتاة منذ أكثر من شهرين بعد أن ألقي عليها القبض ضمن خلية لممارسة “جهاد النكاح” مناصرة للجهاديين”، تلك شهادة أمّ تقول فيها إن ابنتها تعرضت إلى عملية غسيل مخ و أنها كانت تنوي السفر إلى سوريا لتؤكد في المقابل على حد ما ورد في تحقيق شبكة الأخبار” بي بي سي”حقيقة وجود الظاهرة في الشعانبي.
و كان المدير العام لجهاز الأمن القومي مصطفى بن عمر قد أعلن في وقت سابق تفكيك خلية ل”جهاد النكاح” في جبل الشعانبي الذي يتحصن فيه مسلحون مرتبطون بتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي.
و رغم كثرة الشهادات المتأتية من هنا و هناك فإن موضوع “جهاد النكاح” يظل أبرز مواضيع الساعة المثيرة للجدل، و هو ما جعل مختلف وسائل الإعلام تكثف جهودها و تجند صحافييها للبحث عن نساء”جهاد النكاح” و الظفر منهن بتصريح لرفع اللبس عن قضية أحدثت انشقاقا بين رئيس الحكومة و وزيره للداخلية.
فبعض التقارير الإخبارية تقول إن مئات التونسيات سافرن إلى سوريا لممارسة جهاد النكاح قد عدن إلى تونس حوامل، فيما نشرت بعض وكالات الأنباء على لسان مصدر مسؤول من الداخلية أن عدد اللواتي مارسن ما يسمى ب”جهاد النكاح” في سوريا مع إسلاميين يقاتلون النظام السوري محدود و لا يتعدى 15 تونسية.
و بقطع النظر عن الأرقام و المؤشرات الإحصائية فإن رجال الدين في تونس استنكروا الظاهرة وأكدوا أنها لا تمت إلى الدين بصلة بل تستند إلى فتوى ميدانية. و في هذا السياق يقول رئيس جمعية دار الحديث الزيتونية الشيخ فريد الباجي إن ظاهرة جهاد النكاح هي بمثابة شبكة دعارة مقننة باسم الإسلام و هي تزييف للدين و تدمير لمعاني الإسلام الدينية مشيرا إلى أن جهاد النكاح لا يوجد لا في الكتاب و لا في السنة و لم يقل به عالم واحد بحسب تعبيره . مبرزا أن هذه الفتوى كانت على أساس الضرورات تبيح المحظورات.
أين اختفت مجاهدات النكاح؟
تصريحات وزير الداخلية لطفي بن جدو حول جهاد النكاح في سوريا وجبل الشعانبي حول ما تعرضت له بعض الفتيات التونسيات المغرر بهنّ من استغلال فاحش من طرف مجموعات سلفية جهادية جعلت مختلف مكونات المجتمع المدني و السياسي تتحرك لتندد بالظاهرة على اعتبار أنها جريمة لا تغتفر ضد من شجع و أرسل نساء تونس إلى سوريا.
و باتصال مع عدد من الجمعيات الحقوقية أكدوا ل”افريكان مانجر” أنه لم تلتحق أو تتصل بهم و لو حالة واحدة و أن كل الأخبار لديهم متأتية من الشهادات و التصريحات الصادرة في مختلف وسائل الإعلام المحلية و الدولية.
وفي هذا السياق تعتبر رئيسة الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات أحلام بالحاج أن جهاد النكاح هو شكل من أشكال الاتّجار بالبشر وان زج النساء والفتيات المراهقات في مثل هذه النزاعات لاستغلال أجسادهن وممارسة العنف الجنسي عليهن يعتبر جريمة في حق الإنسانية.
وبناء على قرارات الأمم المتحدة 1325 و1820 وغيرها التي صادقت عليها الدولة التونسية والتي تبرز أن العنف الجنسي في حالات النزاع يشكّل جريمة حرب فإن الحكومة التونسية و على حد قول رئيسة الجمعية مطالبة بتطبيق هذه القرارات وتتبع وملاحقة ومعاقبة كل من شجع وساهم وسفّر هؤلاء النساء. و في ظل تأكيد البعض و تكذيب البعض الأخر، فإن الشارع التونسي مازال في انتظار تصريح حكومي واضح هذه المرة يرفع اللبس عن موضوع “جهاد النكاح”.
بسمة معلاوي