يصعب التكهّن بنتائج الأزمة الصحيّة العالميّة على قطاع التأمين لعدة أسباب أولها مرتبط بإستثنائيّة هذه الأزمة التي أثرت وعطلت عمل عديد القطاعات ولا تضاهيها أزمة أخرى من ناحية إنتشارية محلّيا وعالميّا، والسبب الثاني مرتبط بدور قطاع التأمين الذي من دوره إحتساب أقساط تأمين وجمعها بالنظر إلى ظروف عادية أو شبه عادية للإقتصاد والمؤسسات والأفـــــراد.
كما أنه يصعب من جهة أخرى أن تتدّخل مؤسسات التأمين وتتحمّل إلتزامات تفوق تلك المحددة بعقود التأمين مخافة أن تأثّــــر على توازناتها وتهز بشكل كبير أموالها الذاتية والأموال الموظفة والتي هي بشكل كبير أموال مكتتبي العقود.علما وأنّ دورها في إطار التضامن الوطني كان موجود على غرار بقية القطاعات المالية وأفراد المجتمع من خلال مساهمتها من أموالها الذاتية في الصندوق1818 وغيرها من المساهمات الأخرى غير المباشرة.
لا أظنّ أنه يمكن أن نقيّم الآن تأثيرات الأزمة على قطاع التأمين ونحن نعلم أن هذه التأثيرات كما سيأتي لاحقا، لا يمكن أن تظهر على موازنات المؤسسات إلاّ بعد سنوات.>
فضلا عن ذلك فإن تأثير الأزمة لا يمكن أن يقتصر على مؤسسة التأمين ولكن كذلك على جميع المهنيين مثل النواب و السماسرة و الخبــــــراء.
التأثيرات الحينــــــيّة
التأثير الحيني الواضح والذي كان له أثر مباشر مسّ جميع العاملين بالقطاع مؤسسات ومهنيين، وهو تعليق الدّخل أو ضياعه بنسب هامة وذلك خلال فترة الحجر والفترة التي ستليها. عديد أو كل مؤسسات التأمين لم يكن لها دخل خلال هذه الفترة وكذلك جميع المهنيين المرتبطين بالقطاع إنقطع دخلهم بصفة كلية ولو مؤقتا. وقد إلتجأت المؤسسات لمجابهة مصاريفها القارة والتي لا تقل عن 25 بالمائة من الأقساط إستعمال مخزونها من الأموال الموظفة.
– التأثيرات الحينية على الدخـــــل : يمكن أن يتأتى تأثر الدخل سواءا من العقود الجارية والتي ستتأثر بالظروف الخاصة للمؤسسات الإقتصادية والأفراد المتأثرة بدورها من الصعوبات وقلة السيولة وخسارة الأسواق والبطالة، وهو أمر سيؤدي حتما إلى فسخ عديد عقود التأمين والتقليص من الضمانات. وكذلك الشأن بالنسبة للتطور العادي للنشاط وللعقود الجديدة المرتبطة ببعث المشاريع والزيادات في الإستثمار أو الزيادات في الأساطيل ستشهد تقلص يبدو هاما في الفترة القادمة.
نتائج كل هذا لا يمكن أن يدقّق ويقيّم بصفة واضحة حالا، ولو بصفة تقريبية، حيث أننا لا نزال في قلب العاصفة.لا يمكن تقييم ذلك إلا مع نهاية سنة 2020 على أقل تقدير.
جانب آخر ومهّم في توفير دخل المؤسسات والمتمثل في فوائد التوظيفات سواءا منها لدى السوق النقدية أو بالأسهم المدرجة وغير المدرجة بالبورصة.وقد بدأت بوادرها تظهر من الآن حيث تولت المؤسسات البنكية توحيد وتقليص نسب الفائدة الممنوحة للمؤسسات الموظفة وبالتالي فإنّ تجديد التوظيفات خلال السنة سوف لا يكون بنفس النسب السنوات الفارطة.
– التأثيرات على كلفة الحوادث:التأثير المتأتى من الحجر(توقف الحركة الإقتصادية والتنقل): يبدو أن الحوادث في مادة التأمينات على غير الحياة شهدت تقلص، كحوادث السيارات مثلا وكذلك الحوادث المرتبطة بالمؤسسات كالحريق وغيرها. ففي مادة حوادث السيارات تشير إحصائيات الحوادث البدنية إلى نقص هام بما يقارب 45 بالمائة إلى غاية 17 ماي 2020 مقارنة بنفس الفترة لسنة 2019. إلا أن ذلك يجب أن يقرأ بشكل جيد وبإرتباط بمتابعتنا السابقة لهذه الإحصائيات والتي سيتمّ تحيينها وإدراجها في القاعدة لاحقا على غرار الحوادث المتأخرة في قطاع التأمين. فمن الممكن ألا تتجاوز هذه النسبة 15 أو 20 بالمائة فقط. ولا يجب أن يجرنا التحليل بتفكير مبسط خاطئ إلى إعتماد هذا التقليص المحتمل لكامل السنة حيث لا يعدو أن يتعلق إلا بشهر على أقصى تقدير.
هذا الأمر لا يزيح التفكير في المجهودات التضامنية الذي تدعى مؤسسات التأمين للقيام بها مع حرفائها خاصة لأصحاب السيّارات المهنية، بل المطلوب فقط حسن تقييمه.كما يمكن إعتماد سبل أخرى في المنحى التضامني، كتأجيل خلاص القسط لفترات الرجوع إلى النشاط العادي وبصفة مستقرة.
الأمر يختلف كثيرا بالنسبة للمؤسسات الإقتصادية، وإن كانت مؤسسات التأمين تشتهي وترمي إلى القيام بمجهود تجاري لفائدة حرفاءها كالتعويض على الأضرار غير المضمونة حاليا كخسارة الدخل الناتجة عن التوقف عن النشاط فإنّ الأمر يصعب كثيرا بإعتبار الأمر مرتبط في جانبه الهام وشبه الكلي بمعيدي التأمين، والذين هو مرفوض حاليا من قبلهم لتأثيره المالي الكبير على توازنتهم المالية إعتبارا للتأثير الشامل والضخم للجوائج فضلا على أنهم لم يقبضوا أقساط لتغطيتها.
جانب آخر نرى إمكانية تأثّره بهذه الجائحة وارد وهو التأمين على المرض.فرغم أنّ الجائحة تهمّ الصحة إلاّ أنها وبفضل المجهودات المبذولة بقي تأثيرها محدود من جهة، ولكن من جهة ثانية فإنّ عزوف زيارة الأطباء وغياب هؤلاء على العيادات في فترة الحجر الصحي يمكن أن يقلص من كلفة الأمراض العادية المغطاة بالتأمين. فالننتظر الإعلامات المتأخرة للأمراض.
- الأضرار الناتجة عن زيادة الحوادث الوهميّة: فعلى غرار ما تم التفطن إليه إثر سنة 2011 من زيادة في الحوادث الوهمية بإرتباط بغياب الإستقرار مثل حوادث السيارات الوهميّة، يمكن أن تحصل هذه الظاهر من جديد أو تتفاقم، إعتبارا وأنها لم تختفي، وذلك سواءا بالنسبة للحوادث البدنيّة أو المادية. وبصفة خاصة يمكن أن تشهد حوادث السيارات المادية إرتفاعا وذلك في مجال سيارات النقل العمومي، من جراء محاولات الحصول على “دخل” لتعويض التوقف عن النشاط ولو بعد حين.
الحوادث الوهمية ستشمل كذلك المؤسسات إعتبارا وأن توقف وركود النشاط بالنسبة للشركات الإقتصادية تدفعها إلى إفتعال حوادث وهمية للحصول على رأس المال مدفوعين لذلك بالضغوطات التي يتعرضون لها سواءا من الدائنين من بنوك وعمال وصناديق إجتماعية.
التأثيرات المؤجّــــــلة
تأخّر وتواصل الأزمة الصحية على القطاعات الإقتصادية سيأثر حتما على قطاع التأمين.
إذا تأخرت عودة القطاعات إلى سالف نشاطها سيكون له تأثير سلبي على القطاع، رغم أن ذلك يمكن أن يقلّص من خلال برامج المساعدات والدعم التي قامت ولا زالت تقوم به الدولة لفائدة المؤسسات الصغرى و المتوسطة ، إلا أن الركود ولو نسبي، الذي ستشهده الساحة الإقتصاديّة سيكون له إنعكاس سلبي على الأخطار المؤمنة وعلى الأقساط. فالمؤسسات التي ستطلب التأمين في الفترة القادمة ستكون شبه ملزمة بذلك للمحافظة على الأملاك.ومن المنتظر أن يقع حذف والتقليص في عديد الضمانات التي كانت مطلوبة في الظروف العادية نظرا لضعف قدرة المؤسسة الإقتصاديّة.
ولكن التفائل يجب أن يرافق هذه الفترة. يمكن أن نطوّر بعض الضمانات الأخرى المرتبطة بمثل هذه الأزمات، كتوسيع التأمين ليشمل مستقبلا خسارة الدخل الناجم عن التوقف عن النشاط أو خسارة العمل و مورد الرزق إثر الجوائح. والتي من شأن المؤسسات والأفراد طلب تأمينها وعلى القطاع بلورتها وحسن تقييم سعرها وعرضها للعمــــــــوم في الفترة السانحة.
بالنسبة لتأثير كل ذلك على الملاءة المالية لمؤسسات التأمين فلا يجب أن يدفعنا ذلك لتخوفات غير مبررة ومتسرعة لرسملة المؤسسات. أولا لأنّ الأمر مرتبط بجائحة لا يمكن التنبؤ بها وبضخامة تأثيرها وتخرج عن مسؤولية التصرّف.ثمّ يمكن أن تكون ظرفية ومؤقتة ومحدود في الزمن، وعلى كل لا يمكن أن نقيّم نتائجها بصفة فعليّة إلا بعد غلق سنتين على الأقل مــــن النشاط أي في سنة 2021 حتى تتمّ معاينة النتائج الإقتصادية للجائجة الصحية والوقوف على الجهود المبذولة للحد منها للعودة السريعة للأنشطة الإقتصادية، ومن جهة أخرى الحصر الفعلي للحوادث والتعويضات والإسترجاعات الممنوحة في إطار المجهودات التضامنية المطلوبة وفي بعضها بإلحاح، فضلا على أنّ هذه الفترة هي فترة تضامنية وتشاركية بإمتياز للفرد والمؤسسة على حد السواء يجب تأطيرها والتفكير في حلولها بغير المعايير المعتادة.