يعتبر قطاع النقل الجوي في ليبيا أكثر القطاعات تضررا من إنعكاسات قراري مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة.
ويشكل فرض حظر الطيران على ليبيا -حيث يشمل الإجراء أيضا النقل الجوي المدني- مصدر تهديدات كبيرة لقطاع الطيران في البلاد الذي كان قد بدأ في إستعادة عافيته بعد أقل من عقد من الحصار الذي فرضته الأمم المتحدة على البلاد بين سنتي 1999 و2003 بضغط من الولايات المتحدة الأمريكية.
وعملت ليبيا بكد وجهد كبير وقدمت تضحيات ضخمة لتدارك تأخرها الناجم عن حصار 1999 الجوي الذي جعل الطائرات رابضة في المطارات ما ألحق خسائر جسيمة بالقطاع سواء على المستويات الفنية أو المادية أو البشرية.
وتبنت ليبيا في غمرة نهوضها من تداعيات حصار 1999 الجوي سياسة تحرير الإقتصاد وإنفتاح على السوق احتل فيها قطاع النقل الجوي مكانة هامة مع تأسيس عدة شركات خاصة وعامة بينها الخطوط الجوية الليبية والخطوط الإفريقية والبراق وشركات خاصة محلية أخرى.
ورفعت هذه السياسة الجريئة على سبيل المثال الخطوط الإفريقية ذات التوجه القاري إلى مصاف الشركات العالمية حيث تمكنت من تسير رحلات بين القارة الإفريقية وباقي أنحاء العالم.
وتخصصت شركة الخطوط الإفريقية في الربط بين العواصم الإفريقية والأوروبية إذ كانت تسير حتى ماض قريب رحلات نحو 72 وجهة حول العالم عبورا بطرابلس.
وتمثلت الدول الإفريقية التي كانت تغطيها الشركة في كل من جنوب إفريقيا وتشاد وبوركينا فاسو وبنين والكونغو الديمقراطية وإفريقيا الوسطى والكاميرون ومصر وغانا والسودان والكوت ديفوار ومالي والتوغو والنيجر والسنغال.
أما في أوروبا وباقي أرجاء العالم فكانت شركة الخطوط الإفريقية تسير رحلات بإتجاه فرنسا وبلجيكا وإيطاليا وبريطانيا والدانمارك والإمارات العربية المتحدة والصين وبنغلادش.
ويتمثل توجه الخطوط الجوية الإفريقية -التي تأسست في سياق إفلاس شركة “إير أفريك” خلال سنة 2002 والتي اختارت 9-9-99 كشعار لها تخليدا لذكرى إطلاق الإتحاد الإفريقي على ضفاف خليج سرت بليبيا- في رؤية إستراتيجية تجعل منها أداة للإندماج الإفريقي بأسعار تتحدى أية منافسة.
واستلمت الخطوط الجوية الإفريقية مع نهاية 2010 عاشر طائرة لها من شركة إيرباص بموجب إتفاق مع هذه الشركة الأوروبية يتعلق بشراء 23 طائرة من مختلف الأنواع التي تصنعها إيرباص في إطار تحديث أسطولها الجوي.
وبالتالي فإن إعلان الإتحاد الأوروبي مؤخرا تجميد أصول شركة الخطوط الجوية الإفريقية في إطار العقوبات ضد ليبيا بإعتبارها فرعا لمحفظة ليبيا إفريقيا للإستثمار سيزيد فقط في تفتقم وضع قطاع النقل الجوي الذي سيسجل المزيد من التأخر سواء في مجالات التطور التكنولوجي والتدريب المهني أو من حيث الخسائر المادية بسبب فقدان الأسواق.
وفيما ارتفعت تسعيرات النقل البري الحضري وبين المدن الليبية ب5 و10 أضعاف أدى فرض “منطقة حظر للطيران” بدوره إلى حصار جوي جعل الطائرات رابضة على الأرض. ولم يعد بالتالي بالإمكان حصر الخسائر المسجلة منذ تبني قراري مجلس الأمن الدولي.
ويشتكى العديد من المواطنين من الوضع الجديد الذي فرضه عليهم هذا الحصار الجوي الذي قيد حرية تنقلهم.
وقال الحاج محمد الهادي وهو رجل أعمال ليبي يسافر بإنتظام إلى الخارج إن “التوجه إلى القاهرة بمصر على سبيل المثال أصبح يتطلب زمنا يتراوح من ثمانية إلى خمسة عشر يوما بينما تستغرق الرحلة بالطائرة ثلاث ساعات على أكثر تقدير”.
وأوضح أنه “من أجل السفر الآن إلى القاهرة يجب مغادرة طرابلس بإتجاه تونس العاصمة برا (يوم من السفر على الأقل) والتوجه في اليوم الموالي إلى مكاتب شركتي الخطوط الجوية التونسية أو مصر للطيران دون التأكد من الحصول على مقعد في الرحلة القادمة بإعتبار أن الإمكانية الوحيدة المتاحة تتمثل في الحجز قبل موعد السفر ب 15 يوما على الأقل لضمان الحصول على مقعد في الطائرة”.
ومن جانبه أعرب أحمد عبد المالك وهو طالب بمصر عن أسفه لأنه بات الآن على المرء “الحضور شخصيا ودفع قيمة التذكرة نقدا دون ذكر مصاريف الفندق والأكل والنقل بسيارة الأجرة من طرابلس إلى تونس بالإضافة إلى مصاريف الرحلة”.
ويحق للمواطنين الليبيين الذين يتكبدون كل هذه المعاناة التساؤل بالتالي عما إذا كان هدف قرار الأمم المتحدة نابع من الحرص على حماية المدنيين أم يتمثل على العكس من ذلك في السعي للتضييق على المدنيين.
ويجب أن يستوقف هذا الواقع الأمم المتحدة ومجلس الأمن ومنظمة حلف شمال الأطلسي (النيتو) والمجتمع الدولي لكي يدركوا إنعكاسات القرارين الأممين على السكان المدنيين والتحرك لإعادة النظر فيهما حتى لا يتحول نفس المدنيين الذين تم إدعاء الحرص على حمايتهم “إلى رهائن” قبل أن ينكشف بعد فوات الأوان مع الأسف أنه تم إتخاذ القرارين لتنفيذ أجندات سياسية