تونس-افريكان مانجر
قوانين المالية في تونس أصبحت أداةً للحصول على تمويلات من المؤسسات الاقتصادية ، فضلا عن أن التوجهات الكبرى لهذا القانون تتسّم بالغموض و عدم وضوح الرؤية، ذلك ما أكده المشاركون في لقاء حواري حول توجهات قانون المالية لسنة 2023 نظمه الأربعاء، المعهد العربي لرؤساء المؤسسات.
مفاجآت كبرى في قانون المالية لسنة 2023
وبحسب ما أكده الخبير المحاسب أنيس الوهابي، فان الوضعية الحالية للماليّة العمومية تؤكد أن الدولة تفتقر إلى رؤية طويلة المدى في التسيير، وهو ما يفسّر الضبابية الحاصلة للسنة الحالية و السنة القادمة.
و أشار إلى أن آخر تقرير نشرته وزارة المالية حول ميزانية الدولة و نفقاتها صدر منذ شهر جوان الماضي و لم يتضمن أي إشارة إلى قيمة ديون الدولة الغير مسددة بالنسبة للسنة الحالية.
واعتبر الوهابي، أن عدم نشر وزارة المالية لمعطيات دقيقة في هذا الخصوص يعود إلى حجم الإشكاليات التي تواجهها المالية العمومية و ارتفاع العجز الهيكلي للدولة ولقيمة الديون المتخلدة في ذمتها، وفق تقديره.
و قال، ان الوضعية الحالية تطرح عديد التساؤلات حول كيفية غلق ميزانية الدولة، مشيرا إلى أنه كان من المفترض ان يكون قانون المالية التعديلي جاهز وقد تم إصدار قانون المالية لسنة 2022، لافتا إلى أن عمل المؤسسات الاقتصادية في تونس يتطلب توفير المعلومات اللازمة و الضرورية حتى تتمكن من إعداد ميزانيتها على أسس دقيقة.
و في معرض حديثه عمّا قد يتضمنه مشروع قانون المالية لسنة 2023، قال الوهابي، “نحن ننتظر مفاجئات كبرى في قانون المالية القادم سيّما و انه ما يتم الحديث عنه و تداوله من إجراءات هي مجرد تسريبات و جس نبض، على غرار احتمال إقرار إجراءات لإدخال المنضوين في النظام التقديري ممن يحققون رقم معاملات يقل عن 75 الف دينار في النظام الخاص بالمبادر الذاتي “.
وخلص الى أن الوضع الحالي يفرض تغيير طريقة التمشي و اعتماد مقاربة اقتصادية في اعداد مشروع قانون المالية.
غموض
من جهته الخبير المحاسب فيصل دربال، اعتبر أن الوضع الراهن يتسّم بالغموض، خاصة في ظل عدم تقديم أي معلومات عن ميزانية الدولة منذ شهر جوان الماضي، متسائلا في ذات السياق عن كيفية توصل الحكومة لاتفاق مع صندوق النقد الدولي دون ان يكون قد تم تقديم أرقام عن ميزانية الدولة. وشدد، في ذات السياق على وجود تعتيم كبير عن المعلومة.
وردا عن سؤال يتعلق بما قد يتضمنه مشروع قانون المالية للسنة القادمة من إصلاحات جبائية، بيّن دربال أن الإصلاح الجبائي هو مواصلة لعمليات الإصلاح التي انطلقت منذ سنة 2014 ، حيث تم التوصل إلى 266 إجراء لم يتم تنفيذ منهم سوى 50% .
و اعتبر أن أهم إصلاح لابد من انجازه يتعلق بتبسيط النظام الجبائي وبإصدار مجلة عامة للاداءات في اقرب الآجال بما يتيح تجميع النصوص وتفادي التكرار والتضارب.
ودعا دربال إلى الإفصاح عن إجراءات قانون المالية لسنة 2023، بهدف تشريك الخبراء والأطراف المعنية في اتخاذ الإجراءات و القرارات التي سيتضمنها خاصة ذات الصلة بالجباية.
و في تعليقه عن الإجراء الخاص بإدخال المنضوين في النظام التقديري ممن يحققون رقم معاملات يقل عن 75 الف دينار في النظام الخاص بالمبادر الذاتي، قال دربال انه “من المستحيل” تطبيقه لأن الأوامر التطبيقية لنظام المبادر الذاتي، الذي صدر بمقتضى المرسوم الحكومي عدد 33 المؤرخ في 10 جوان 2020، لم يتم تفعيله بعد.
قوانين المالية تُستعمل لرفع التمويلات
و في ذات السياق، اعتبر رئيس الجمعية التونسية للحوكمة الجبائية، إسكندر السلامي، أن الإشكال الذي أصبح مطروحا بشكل مستمر يتمثل أساسا في قانون المالية التكميلي الذي صار معمول به لإصلاح التصورات التي بُني عليها قانون المالية، وهو ما يؤكد فشل التصور المستقر للميزانية، وفق تقديره.
واعتبر المتحدث، أن الفرضيات التي تنطلق منها الميزانية لا تتضمن معطيات دقيقة و الأسس التي يُعتمد عليها في إعدادها لا يمكن التحكم فيها. و أشار إلى أن هذا التمشي تم اعتماده منذ سنة 2011 حيث أصبح الهدف الأساسي لقانون المالية تعبئة الموارد و تحقيق التوزانات المالية للبلاد، فضلا عن أن من حكموا البلاد طيلة العشرية الماضية يفتقرون إلى رؤية اقتصادية و اعتمدوا مقاربة تقنية بحتة وهو ما اثر على المستوى الاقتصادي.
وفي تعليقه عن الإصلاح الجبائي الذي تم الانطلاق فيه منذ سنة 2014، صرح السلامي، أنه لم تقع صياغته وفق مقاربة تشاركية ووقع التعامل مع المنظومة الجبائية و كأنها مستقلة عن المنظومة الاقتصادية.
ويقول رئيس الجمعية التونسية للحوكمة الجبائية ، ان عدم اعتماد رؤية اقتصادية في إعداد الميزانيات انجر عنه اعتماد حلول تقنية عمقت الأزمة خاصة و أن الحكومة لا تدرس في مرحلة لاحقة الأثر الاقتصادي و الاجتماعي للإجراءات التي اتخذتها.
و ذكر السلامي، على سبيل المثال، الفصل 52 لقانون المالية لسنة 2022، المتعلق بحذف نظام توقيف العمل بالأداء على القيمة المضافة، الذي ضرب مردودية الإدارة و أغرقها في مطالب الاسترجاع على حساب مردودية مصالح مراقبة الاداءات و من ثم ترك مطالب الاسترجاع على حساب المؤسسات، وهو ما يؤكد أن قوانين المالية أصبحت تُستعمل لرفع التمويلات “غصبا عن المؤسسات” وهو ما ولد ديون جبائية للدولة لفائدة الشركات، خاصة و أن الدولة لا تحترم آجال الاسترجاع باعتبار عدم قدرتها على الاستجابة لهذه المطالب، حسب قوله.
وشدد على أن الإدارة و المنظومة تعتمد عقلية عقابية و ليست تحفيزية و لا تأخذ بعين الاعتبار واقع المؤسسة الاقتصادية.
كما اعتبر أن الذهاب لصندوق النقد الدولي للاتفاق معه على برنامج إصلاح اقتصادي هو نوع من ارتهان القرار و الخيار بالنسيبة للتونسيين.
و خلص الى انه بإمكان الحكومة تقديم وعود بإطلاق برامج إصلاح منسجمة مع المعايير الدولية و لكن الاتفاق على برنامج إصلاحات طويلة الأمد دون رؤية اقتصادية تشاركية سيفشل كما فشلت مشاريع سابقة، وفق تعبيره.