إثر الاستياء الكبير الذي عبرت عنه كل من النقابة الوطنية للصحفيين التونسيين والهيئة الوطنية المستقلة لإصلاح الإعلام والاتصال جراء التعيينات الأخيرة التي أعلنت عنها حكومة الجبالي لمسؤولين على رأس المؤسسات الإعلامية العمومية والذي رأت فيه هذه الأطراف تجاوزا لها ولصلاحياتها ووصفته بالتعيينات “العشوائية” , اتصلت”اليوم” بممثلين عن النقابة الوطنية للصحفيين وكذلك عن الهيئة الوطنية لإصلاح الإعلام لمتابعة مختلف المواقف والآراء.
و يقول هشام السنوسي (الهيئة الوطنية المستقلة لإصلاح الإعلام والاتصال) أنه لم يقع أي اتصال أو تشاور مسبق بين الهيئة والحكومة فيما يخص هذه التعيينات موضحا أن أعضاء الهيئة كانوا منكبين على إعداد التقرير النهائي الذي يتضمّن تشخيصا لمشاكل القطاع ككل كان من المفترض أن يتم عرضه على الحكومة.
وأبرز السنوسي أن هذا التقرير الذي تم إعداده تعرض إلى جملة من النقاط المستعجلة حيث تم ضبط 14 توصية منها التشاور حول التسميات على رأس المؤسسات الإعلامية العمومية لكنهم بوغتوا بالقرار الذي اتخذته الحكومة الجديدة .
ويقول السنوسي:”لقد فوجئنا بهذا القرار الذي يبدو أن الحكومة لم تتشاور فيه معنا نحن فقط بل مع حلفائها أيضا إذ وردت علينا عدة مكالمات هاتفية من الأحزاب المتحالفة مع حركة النهضة لتقول أنه لم يكن لها علم بهذه القرارات .”
ويضيف كذلك أن الإشكال الحقيقي لا يكمن حول الأشخاص الذين تم تعيينهم بل حول الأسلوب المعتمد في ذلك في حد ذاته وهو أسلوب مرفوض ولا يتماشى مع أسس بناء دولة ديمقراطية ,مشيرا الى أن هذه التعيينات لا تتعلق فقط بالمناصب الإدارية بل طالت أيضا التحرير.
وردا على سؤالنا المتعلق باستهداف مؤسسة التلفزة التونسية وعلى وجه أدق مختار الرصاع خاصة وأن مسؤولي الاذاعة قدّموا استقالاتهم وينتظرون تعويضهم لكن التركيز جاء على التلفزة ,أبدى هشام السنوسي استغرابه من هذه المسألة معتبرا أن معظم الاستقالات حتى ولو لم تكن رسمية كانت متأتية فعلا من مؤسسة الإذاعة (حبيب بلعيد),وذكر أن هناك تسجيلا صوتيا لمكالمة هاتفية للرصاع يتحدث فيها عن مضايقات من طرف حزب النهضة تم تداولها عبر مختلف الشبكات والمواقع الالكترونية ,لكنه في المقابل أشار إلى أنهم كهيئة لا تعنيهم هذه المواضيع وأن كل ما يعنيهم هو أن التدخل في الإعلام العمومي مسألة مرفوضة تماما وأن على الحكومة أن تبادر بتفعيل قوانين الهيئة العليا للقطاع السمعي البصري عوضا عن التوجه نحو تصور سياسي يذكرنا بالسياسة القديمة في إدارة المؤسسات الإعلامية.
في سياق متصل اعتبر ناجي البغوري (الهيئة الوطنية لإصلاح الإعلام والاتصال) أن القضية لا تتعلق بعدم التشاور والتحاور بشأن هذه التعيينات بل أرجعها إلى ثقافة حكم استبدادي كانت بالأمس تسمى بثقافة بن علي وأصبحت اليوم متخفية تحت غطاء حركة النهضة حسب تعبيره .
وأشار الى أن راشد الغنوشي رئيس حركة النهضة بدأ منذ أسبوعين بشن حملة ضد الإعلام العمومي ووصفه “بالنوفمبري” ثم قال عن الاعلام رئيس الحكومة الجبالي أنه إعلام حكومي وعليه أن يعكس الرأي الحاكم .
وذكر البغوري أنه اليوم تم التفطن لما كان يقصده رئيس حزب النهضة وهو توجيه الإعلام وتطويعه خاصة مع التصريحات الأخيرة لوزير حقوق الإنسان والعدالة الانتقالية سمير ديلو الذي طلب فيها من الصحفيين أن يستخدموا عبارة حكومة انتقالية وليست مؤقتة,الأمر الذي رأى فيه البغوري تدخلا في شؤون الصحافيين قائلا حرفيا:”لماذا لا يتدخلون أيضا في ماذا نكتب أو لماذا لا يعينون هم بأنفسهم مجمل الصحفيين والمواضيع المسموحة والممنوعة؟”
وفي ختام قوله وصف البغوري ما يحدث بالخطير ووجه نداء إلى الرأي العام ومنظمات حقوق الإنسان والى الأحزاب المتحالفة مع النهضة يعبر فيه عن تخوفه من الانقلاب على المسار الديمقراطي مذكرا أن بن علي بدأ أيضا بالسطو على الإعلام في حين أن الحزب الحاكم اليوم بدأ بوزارة الداخلية فالإعلام…
من جانبه أكد ثامر الزغلامي (النقابة الوطنية للصحفيين التونسيين) أن هذه الخطوة تمت بصفة عمودية في حين أن هناك مرحلتين وجب المرور بهما وهما أن يتم في مرحلة أولى التغيير أو التسمية عن طريق التشاور مع الأطراف المعنية أي مع نقابة الصحفيين والهيئة الوطنية المستقلة لإصلاح الإعلام .
وثانيا أن يتم تفعيل النصوص الترتيبية للهيئة العليا المستقلة للقطاع السمعي البصري لأن الضمان الوحيد لاستقلالية الإعلام العمومي هو تعيين هيئة مستقلة للإشراف عليه تكون تركيبتها متكونة من السلطة التنفيذية ونقابة مديري المؤسسات الإعلامية وقاضيين وممثل عن نقابة الثقافة والإعلام وكذلك نقابة الصحافيين..تتكفل بتسيير الإعلام ولها الصلاحيات التامة للتعيين والتسمية.
وفي رده عن سؤالنا المتعلق بموقف النقابة في صورة عدم تراجع الحكومة عن هذا القرار واعتماد مبدآ التشاور مع الأطراف المعنية, أوضح الزغلامي أنه يستبعد حصول تصادم مع الحكومة لأن قطاع الإعلام يهم الشأن العام و أن أي حكومة شرعية ستسعى إلى المصلحة العامة ولن تتراجع عن إصلاح هذه الخطوة “المتسرعة”.