تونس- افريكان مانجر
في ظلّ الإرتفاع القياسي لأسعار الأعلاف وتنامي ظاهرة تفريط المُربين في قطيع الأبقار، أطقت شركة “دليس دانون” مشروعا نموذجيا لزراعة الذرة وتحويلها الى علف أخضر لتغذية المواشي.
وفي بادرة هي الأولى من نوعها، قامت الشركة خلال سنة 2024 بزراعة نحو 75 هكتار من الأراضي بمنطقة العشايشية من معتمدية بوسالم من ولاية جندوبة، بحسب ما أكده عبد الرحمان سعيد ” مدير مشروع حليبنا بشركة “دليس دانون” في حوار مع “افريكان مانجر”، مُشيرا الى أنّه توجد بعض التجارب لزراعة مساحات صغيرة غير أنّ تجربة “دليس” تُعدّ الأولى من نوعها في تونس التي امتدت على هذه المساحة لانتاج سيلاج الذرة ( مستورة، قطانية) ensilage de maïs.
ماهو سيلاج الذرة؟
يتم استخدام النباتات الخضراء في إنتاج ما يعرف بسيلاج الذرة. والذي يتم تقديمه كعلف للمواشي مثل الأبقار الحلوب والعجول والأغنام نظرًا لكونه مصدر مهم للطاقة والبروتين، و يُعتمد السيلاج كطريقة حديثة في الزراعة ويتم استخدامه في كثير من الدول المتقدمة.
وتستخدم الذرة العلفیة کعلف عالی الطاقة للبقر الحلوب، وهي من أهم المحاصيل خاصة في البلدان التي تواجه مشاكل في إنتاج أو شراء منتجات الأعلاف الجافة عالية الجودة.
“ثروة مهدورة”
توجد بعض التجارب لزراعة الذرة أو ما يُعرف بـ “المستورة” في مناطق مختلفة بالبلاد التونسية، غير أنّها “ثروة مهدورة” وغير مستغلة بالشكل المطلوب، وفق إفادة عبد الرحمان سعيّد، لافتا الى أنّ الاثمان المشطة للأعلاف دفعت بالبحث عن بدائل أقلّ تكلفة وأكثر قيمة غذائية.
“خلال زيارة عمل الى أمريكا وأثناء المشاركة في دورات تدريبية تتعلق بتغذية الأبقار المنتجة للألبان أكد كلّ المختصين في الشأن الفلاحي أنّ الذرة العلفية من أهمّ الأعلاف الخشنة المعمول بها في الدول المتقدمة، وهي تلعب دورا كبيرا في توفير حليب ذو جودة عالية”، بحسب ما صرّح به المسؤول بشركة دليس، متابعا أنّ البقرة الهولندية “الهولشتاين” تُعطي سنويا ما بين 9 و10 آلاف لتر من الحليب في البلدان الأوروبية في حين أنّ معدل انتاجها في تونس يتراوح بين 3 و4 آلاف لتر.
وسيلاج الذرة هو من صنع الفارق في الأرقام ومعدلات الإنتاج، “من هنا كانت الفكرة لبعث المشروع في إطار مجمع “حليبنا” مما سيُمكننا من الحصول على حليب عالي الجودة والذي يُستعمل لصناعة “الياغرت” والاجبان…
وقد وقع الاختيار على منطقة بوسالم بما أنّها انطلقت منذ التسعينات في تنفيذ بعض التجارب، التي بقيت محدودة بإعتبار أنّ المعلومة المغلوطة التي تروج هو أنّ زراعة الذرة تستهلك كميات كبيرة من الماء في وقت تشهد فيه البلاد شحا كبيرا من المياه بسبب ضعف الإيرادات من الأمطار، “لكن زراعة الفصة دخلت اليوم في ثقافة الفلاح التونسي وهي من النباتات التي تتطلب الكثير من الماء للسقي أيضا البطيخ والدلاع زراعات تتطلب الماء”، بحسب ما اوضحه لنا عبد الرحمان سعيّد.
التداول الزراعي عملية مربحة
وأفاد أيضا أنّ التجربة انطلقت بزراعة نحو 7 هك، وباستعمال تقنية الريّ قطرة قطرة تمّ التحكم في كمية المياه المستعملة للسقي وتراوحت بين 5 و7 آلاف متر مكعب والحال ان الاعتقاد السائد هو زراعة “المستورة” تتطلب على الأقل 10 الاف متر مكعب.
وأضاف محدثنا أنّ إكتمال نضوح حبوب الذرة لا يتجاوز الـ 90 يوما ولا يتطلب كميات كبيرة من الماء، والذرة من النباتات التي تُزرع بعد حصاد القمح والشعير أي في فترة تكون فيها الأراضي شاغرة و”الأهمّ أنّ مخلفات زراعة المستورة تحسن من خصوبة الأرض باعتبارها موادا عضوية خضراء وبالتالي تكون عملية زراعة القمح بعد الذرة عملية مربحة”، بحسب تعبيره.
وباعتماد عقود انتاج يبرمها مجمع دليس مع الفلاحين الراغبين في الانخراط بالمشروع، بلغ اليوم حجم الأراضي المزروعة 75 هك، وفي مرحلة ثانية يقوم المجمع بقبول المحصول من الذرة بسعر 200 دينار للطن الواحد، علما وأنّ الأسعار المعتمدة في البلدان المجاورة لا تتجاوز 150 دينار.
وشدّد مصدرنا على انه تمّ ضبط اهذه المستويات من الأسعار تشجيعا للاقبال على زراعة الذرة، علما وأنّ سيلاج الذرة يعدّ من أرخص الأعلاف مقارنة بجودته ببقية الاعلاف.
واعتبر أنّ سيلاج الذرة تجارة مربحة جدا “فعلى سبيل المثال وراعة 5 هك من الأراضي ستوفر انتاجا يتراوح بين 25 و30 طنا سيُمكن من عائدات مالية لا تقلّ عن 15 ألف دينار في غضون 3 أشهر فقط”.
امتيازات لفلاحي “دليس”
تعمل حاليا شركة “دليس” على تجربة زراعة 6 شتلات جديدة لمعرفة البذور الأكثر إنتاجية واعتمادها في المستقبل.
وأكد محدثنا على أنّ “الذرة” أفضل أنواع الأعلاف التي تمد البقرة بالطاقة الضرورية سواء لتكوين اللحوم اوالحليب بجودة عالية، وهي تمكن من الضغط على التكاليف وتوفير إنتاجية اكبر.
وقال إنّ الشركة وبهدف الحصول على افضل أنواع الحليب لاستعمالها في منتجاتها المتنوعة، تضع على ذمة الفلاح إمكانية لاقتناء الكميات التي يحاجها من علف “سيلاج الذرة” على أن يقع خلاصها بالتقسيط من خلال الخصم من كميات الحليب التي يبيعها للشركة.
وعبر سعيّد عن امله في إمكانية تعميم التجربة على العديد من الولايات مثل سيدي بوزيد والقيروان…، نظرا لمردوديتها ونجاعتها في الضغط على التكاليف ودفع الفلاح للاحتفاظ بالقطيع وعدم التفريط فيه، علما وأنّ قطيع الابقار في تونس سجل تراجع بنسبة 30 بالمائة خلال الخمس سنوات الأخيرة بسبب الجفاف، ليصل إلى ما يقارب 350 ألف أنثى بقر منتجة، مقابل 600 ألف خلال العشرية الأخيرة.
صحراء خضراء
وقال مصدرنا إنّ العديد من الدول المجاورة شرعت منذ سنوات في انتاج الذرة في المناطق الصحراوية، وقد نجحت في ذلك على غرار الجزائر الشقيقة، مشيرا الى أن تونس تملك تقريبا نفس الخصائص الطبيعية وتوجد بها إمكانيات هامة من المياه الجوفية غير مستغلة.
ودعا في هذا الصدد الى ضرورة الإسراع بوضع استراتيجية خاصة لتنمية الزراعة المناطق بالمناطق الصحراوية واستغلال المخزونات هناك .
وتُجدر الإشارة إلى العديد من التقارير والدراسات، تُؤكد أنّ طبقة المياه الجوفية الألبية هو نظام طبقة مياه جوفية تغطي معظم الصحراء الجزائرية والتونسية ويمتد إلى ليبيا، ويحيط بكامل العرق الشرقي الكبير، وتعد أكبر احتياطي للمياه العذبة في العالم.
وتشير التقديرات ذاتها إلى أن المنطقة المشتركة تتوفر على 60 ألف مليار متر مكعب من المياه الجوفية، منها نحو 40 ألف على التراب الجزائري ويقدر التوزيع الإقليمي 70% للجزائر و20% لليبيا و10% لتونس.