تونس-افريكان مانجر
أصبح من الواضح و الجليّ ان توجه رئيس الجمهورية مختلف تماما عن كل سابقية و عن كل المحيطيين به، و لا يمكن لأي كان أن ينفي ان رئيس الدولة قيس سعيد يريد إرساء نظام معيّن في البلاد دون تشاركية و دون أخذ بعين الاعتبار لكل المقترحات المقدمة له من قبل أعضاء الهيئة الاستشارية من أجل دستور جديد كان قد وضعها هو بنفسه وذلك على أساس أنه صاحب القول الفصل.
وقد أثار مشروع الدستور الجديد الذي أصدره رئيس الدولة، جدلا واسعا خاصة عقب تأكيد رئيس الهيئة الاستشارية الصادق بلعيد أن هذا المشروع مختلف عن المشروع الذي تم إعداده وهو بريئ منه.
نقاط اختلاف
ووصف بلعيد في تصريح إعلامي سابق المشروع الرئاسي للدستور بالخطير و يوجد اختلاف كبير بين النصين سيّما فيما يتعلق بالهوية الوطنية و الجانب الاقتصادي، حيث خصص “دستور بلعيد” الباب الأول للجانب الاقتصادي التنموي للدولة في حين خصص مشروع سعيّد الأجزاء الأولى لهوية الشعب والدولة والجوانب السياسية والقانونية لتنظيمها، كما حذف بشكل كامل الباب الاقتصادي الذي ورد في نسخة الهيئة.
كما تضمن مشروع بلعيد بابا للسلطة التشريعية في حين أن قيس سعيد يعتبر أن السلطات الثلاث هي مجرد وظائف ولا سلطة إلا للشعب.
و يتجه مشروع دستور سعيد إلى تركيز السلطات وحصرها لدى رئيس الجمهورية، مقابل توجه بلعيد نحو تركيز ديمقراطية تشاركية.
ولم يحدد مشروع رئيس الدولة طبيعة انتخاب أعضاء مجلس النواب و اقتصر فقط على طريقة انتخاب الرئيس، في حين نص مشروع بلعيد على أن انتخاب أعضاء مجلس النواب يكون “عاما وحرا ومباشرا وسريا”.
ويمكّن مشروع بلعيد مجلس النواب من إسقاط الحكومة عبر لائحة لوم تستوجب إمضاء ثلث أعضاء مجلس النواب لتقديمها والأغلبية المطلقة لأعضاء مجلس النواب للمصادقة عليها، فيما ترتفع هذه الأغلبية في مشروع سعيّد إلى نصف أعضاء مجلس نواب الشعب ونصف أعضاء المجلس الوطني للجهات والأقاليم لقبول عرضها، بواقع أغلبية الثلثين لأعضاء المجلسين مجتمعين للمصادقة عليها.
استبداد السلطة
وقال رئيس اللجنة الاستشارية المكلفة بصياغة الدستور العميد الصادق بلعيد، ان مشروع قيس سعيد يتميز بـ”الميل إلى استبداد السلطة” و “هناك خطر إقامة نوع من الدكتاتورية المطلقة في البلاد لصالح الرئيس الحالي”.
وأضاف ، في حوار مع صحيفة “لوموند” وترجمة “تليغراف” : “أنا ببساطة أطلب منه إلغاء مشروعه الذي له قيمة مؤسفة يجب أن نعيد فتح حوار حقيقي داخل النخبة ثم عرضه لموافقة مجمل المجموعة الوطنية”.
وتابع”من الناحية الأيديولوجية نموذج قيس سعيد رجعي وعفا عليه الزمن لسوء الحظ الأيديولوجيا في السلطة اليوم مع سعيد وهذا أمر سيئ”.
واكد بلعيد ان رئيس الجمهورية قيس سعيد قبل نشر نسخة الدستور لم يستشر أعضاء الهيئة و لم يتصل بهم.
و في هذا السياق، نشر أستاذ القانون الدستوري نوفل سعيد الأحد تدوينة على صفحته فايسبوك، أكد فيها ان الهيئة الوطنية الاستشارية من أجل جمهورية جديدة، على علم منذ البداية ان القول الفصل لرئيس الجمهورية و ان مشروع الدستور الذي سيتم نشره هو الذي وضعه الرئيس قيس سعيد.
الباب الاقتصادي…و النظام القاعدي
وتحت عنوان المجلس الوطني للجهات و الأقاليم ورد القسم الثاني من مشروع “دستور سعيد”، يبدو ان هذا القسم هو الذي عوض الباب الاقتصادي لدستور بلعيد.
و بحسب الفصل الحادي و الثمانون، فان المجلس الوطني للجهات و الأقاليم سيتكون من نواب منتخبين عن الجهات و الأقاليم و ينص الفصل الرابع و الثمانون على أنه تعرض وجوبا على المجلس الوطني للجهات و الأقاليم المشاريع المتعلقة بميزانية الدولة و مخططات التنمية الجهوية و الاقليمية و الوطنية لضمان التوازن بين الجهات و الاقاليم.
و لا يمكن المصادقة على قانون المالية و مخططات التنمية إلا بالأغلبية المطلقة لكل من المجلسين.
كما يمارس مجلس الجهات و الأقاليم صلاحيات الرقابة و المساءلة في مختلف المسائل المتعلقة بتنفيذ الميزانية و مخططات التنمية.
و بحسب نص الدستور فانه سيتم وضع قانون ينظم العلاقات بين المجلسين.
و في هذا الخصوص، يرى اساتذة القانون الدستوري، أن حذف الباب الاقتصادي من الدستور سببه توجه رئيس الجمهورية نحو إرساء نظام قاعدي بطريقة غير صريحة و ذلك عبر سحب الوكالة من النواب و إحداث مجلس الجهات و الأقاليم عوضا عن المجلس الاقتصادي و الاجتماعي الذي اقترحته الهيئة الاستشارية من أجل جمهورية جديدة و السكوت عن طريقة انتخاب النواب و عدم توضيحها.
وفي قراء لما سبق ذكره، يبدو أن رئيس الجمهورية سيتجه تدريجيا نحو إلغاء الانتخابات التشريعية حتى يتم تعويضها بانتخابات محليّة و يتم التصعيد من المجالس المحلية إلى الجهوية ثم الى البرلمان، وهو ما أكده في تصريح سابق لصحيفة الشارع المغاربي جوان 2019.
و يشار الى ان الدستور الجديد موضوع استفتاء 25 جويلية 2022، لم يذكر الانتخابات التشريعية و طريقة انتخاب النواب.
كما يبقى التساؤل قائما حول كيفية التعامل مستقبلا مع الأحزاب السياسية.