تونس-افريكان مانجر
تعتبر الديوانة التونسية من اهم مؤسسات الدولة التي تساهم في المداخيل المباشرة للخزينة العامة للدولة لما لهذا السلك من اهمية في مجال مجابهة التهريب و الحد الاقتصاد الموازي , و توقع عدد من المراقبين ان يكون هذا السلك من اهم الاسلاك التي ستساهم في حال اصلاحه بالنهوض بالاقتصاد المحلي .
الا انه و بالعودة الى واقع هذا القطاع فنجد عديد الاشكاليات التي يعاني منها على غرار نظام التقاعد المعتمد منذ عام 1996 وقرار تسوية المسار المهني الذي تم تنفيذه بطريقة خاطئة سنة 2014 حيث تسببا في فوضى عارمة بكل دواليب هذه المؤسسة .
و في هذا الصدد، تعدً مصالح الديوانة التونسية اليوم نحو 400″ جنرال” وهو ما حوّل هذه الرتبة القيادية إلى رتبة صورية أشبه بألقاب النبلاء حيث أن أغلبهم لا يباشرون أي مهام أو صلاحيات فعلية فيما يضطلع الكثير منهم بمهام لا تتناسب مع هذه الرتبة.
كما أدّت “التخمة” الحاصلة في عدد القيادات إلى إنزلاقات حادة في التسلسل الهرمي لأعوان الديوانة مع إرتفاع نسبة التأطير داخلها بنسبة 70بالمائة ، متجاوزة بذلك مستويات أكبر المجموعات الاقتصادية المتخصصة في التجديد التكنولوجي .
و كنتيجة لذلك تحتوي هيكلة الديوانة التونسية حاليا على سبعة قادة لكل ثلاث أعوان تنفيذ وهو واقع سريالي يتموقع كالسد أمام هدف الاسرع في تعصير هذا الجهاز بما يتلاءم مع التغييرات العميقة التي تشهدها منظومة “الجمارك”على الصعيد العالمي خاصة بتفاقم الجريمة المالية العابرة للحدود وتزايد أهمية الرقابة الفنية في حماية المستهلك ومصالح النسيج الاقتصادي.
و لكن هذه الفوضى المؤسساتية ، والتي تدرك اليوم ذروتها، لم تكن سوى نتيجة حتمية لخطأين فادحين مرّا في صمت أولهما استثناء الديوانة لوحدها من نظام التقاعد الخاص بقوات السلك النشيط ( الأمن والحرس الوطني والحماية المدنية) حيث يضبط السن الإجباري للتقاعد بـ57 عاما وثانيهما التجسيم الخاطئ لقرار تسوية المسار المهني عام 2014 الذي اعتمد الترقيات في الرتب بدل التعويض المالي.
بالاضافة الى ذلك تسبب النظام الحالي للتقاعد في استنزاف كبير لأعوان الديوانة مع ارتفاع معدل فترة العمل إلى 40 عاما مقابل 30 سنة للأمنيين و25 سنة لأستاذة التعليم الابتدائي رغم مشقة العمل في هذا السلك و الذي تشمل دائرة نشاطه كامل التراب الوطني والمياه الإقليمية وتفاقم التهديدات المرتبطة بمكافحة التهريب وتبييض الأموال والغش التجاري إلى جانب تواتر النقل الدورية لأعوان الديوانة من منطلق تكريس النزاهة والشفافية .
و بالعودة الى خصوصيات هذا السلك الحيوي و تعرضه لإغراءات جسيمة باعتبار جسامة الرهان المالي للجريمة الجمركية وبالمحصلة فسيكون من الضروري تصحيح هذا المسار عبر تعميم نظام التقاعد الخاص بقوات السلك النشيط على سلك الديوانة.
و في حال تم القطع مع الوضع الراهن فسيتمكن هذا الجهاز من الحصول على بعض “الاكسجين” مما سيساعده على المضي بنسق أسرع في تشبيب دواليبه و بلوغ نجاعة اكبر تحتاجها تونس اليوم أكثر من أي وقت مضى لا سيما في خضم تعمق أزمة المالية العمومية والمخاطر المحدقة بالدينار التونسي.
ختاما ، يبقى قطاع الديوانة من أكثر القطاعات في تونس تسجيلًا للتجاوزات و للشبهات بحسب عديد التقارير المحلية و الدولية ..ليبقى بذلك في انتظار ارادة سياسية واضحة و نظرة استشرافية و اصلاحية تجعل منه قطاعا فاعلا لا عائقا للاقتصاد المحلي .