تونس- افريكان مانجر
لم تتمكن تونس على مدى العشرية الماضية من التحكم في كتلة الأجور التي بلغت اليوم اكثر من 20 مليار دينار، وهي بذلك قد تضاعفت 3 مرات مقارنة بسنة 2010 حيث لم تكن لتتجاوز 6 مليار دينار.
وقد حثّ صندوق النقد الدولي في بيانه الأخير، تونس على السيطرة على الأجور التي تعدّ من أعلى الكتل في العالم، متوقعا أن يكون عجز المالية العامة قد ارتفع إلى 11,5% من إجمالي الناتج المحلي… لكن هل تلجأ الدولة الى تخفيض أجور موظفي القطاع العام؟
الوضع العام لا يسمح بالتخفيض
حول هذا السؤال، يقول وزير المالية الأسبق حسين الديماسي إنّ الظروف الاقتصادية والاجتماعية والسياسية التي تعيش على وقعها تونس “لا تسمح بالمرّة بتطبيق هذا الإجراء”، وفق تصريحه.
وأضاف الديماسي في تصريح لـ “افريكان مانجر” الاثنين غرة فيفري 2021، أنّ الإقدام على التقليص من رواتب حوالي 700 الف موظف “سوف تزيد الطين بلة”، وستُؤدي الى مزيد تعكر الأوضاع سيما في ظلّ تردي المعيشة مع تواصل انتشار جائحة كورونا وما رافقها من إجراءات تسببت في شلل اقتصادي شبه تام للعديد من القطاعات جراء الحجر الصحي الشامل وغيرها من القرارات التي تم إتخاذها لتطويق الفيروس.
في المقابل، شدّد الديماسي على ان انقاذ الاقتصاد التونسي واخراجه من الازمة التي يتخبط فيها ” يستوجب بالفعل السيطرة على الأجور وإصلاح منظومة الدعم وتوجيهها نحو مستحقيها فضلا عن وضع خطة لاصلاح مؤسسات قطاع العام”، غير ان محدّثنا يُشدّد على ان الوضع الراهن لا يسمح بتطبيق هذه الخيارات متابعا أنّ “عملية التقليص من الرواتب ليست مسألة سهلة”.
وأكد ان الإعلان عن قرارات بتلك الشاكلة يتطلب “حكومة قوية مدعومة بحزام سياسي واسع وقوي وهو امر لا يتوفر في الحكومات التي تعاقبت على تونس خلال السنوات الأخيرة”، بحسب إفادته.
الوزير يُلمح
وكان وزير الاقتصاد والمالية علي الكعلي قد قدم في حوار مع وكالة “رويترز” امس الاحد، ملامح “الاصلاحات” التي تعتزم الحكومة الانطلاق فيها لانقاذ الاقتصاد كاشفا ان الحكومة تعتزم التفويت في حصصها في بعض المؤسسات العمومية والبنوك والى عادة النظر في كتلة الاجور وفي الدعم.
ولفت الى ان الحكومة ستتحول الى الدعم الموجه خلال الاشهر القادمة وانها ستعلن عن خطة لاعادة هيكلة المؤسسات العمومية .
وعن كتلة الاجور، اعتبر أن رواتب الموظفين وصلت إلى “الحد الأقصى” مضيفا أن الحكومة ستدرس خياراتها لاحتواء الأجور.
وقال الكعلي إنه يدرس سبلا شتى لاحتواء كتلة الأجور ، مثل تقليص محدود لأجور الراغبين في ساعات عمل أقل.
وتابع “طرق السيطرة على كتلة الأجور يمكن أن تكون مختلفة، وسيكون ذلك محور نقاش وتمعن”.
الاتحاد يرفض
وعقب هذه التصريحات، وجهت انتقادات عديدة لوزير الاقتصاد والمالية بما انه كشف عن “مخطط تقشف صارم” قد تنتهجه الحكومة في المستقبل”.
وقد اعلن الاتحاد العام التونسي للشغل رفضه مسألة التقليص من الأجور، حيث قال الأمين العام المساعد للمنظمة الشغيلة سامي الطاهري في تدوينة بصفحته الخاصة على الفايس بوك اليوم الاثنين، “كي أنت تلميذ نجيب عند الصناديق الدولية علاش ما طبّقتش تعليماتها بخصوص إصلاح المنظومة الجبائية الجائرة”.
هذا وتواجه تونس خلال سنة 2021، معضلة جديدة في توفير أجور آلاف الموظفين ، وذلك بعد تسجيل زيادة بـ 217 مليون دينار، ما رفع من حجم التوقعات لبلوغ نفقات الأجور معدل 17 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد.
دعوة لتغيير المنوال التنموي
وفي السياق ذاته، اعتبر رئيس المنظمة التونسية لارشاد المستهلك لطفي الرياحي ان التخفيض في الأجور “مسألة مرفوضة وغير منطقية”، مشيرا الى انه في حال اقراره رسميا سيُؤدي الى ارتفاع نسب الفقر، والتي تقدر بحسب اخر المؤشرات الإحصائية الصادرة عن وزارة الشؤون الاجتماعية بـ 24 % كما سيتسبب في ارتفاع معدلات البطالة.
ولفت محدثنا الى ان تدهور المقدرة الشرائية وارتفاع أسعار المواد الاستهلاكية بشكل كبير، يحول دون إمكانية تطبيق اجراء بهذه الطريقة.
وقال الرياحي في تصريح لـ “افريكان مانجر” ان تحسين معيشة التونسي والحد من تدهور المقدرة الشرائية تستوجب تحديد أعلى سقف لهامش الربح ، لافتا الى انه “من غير المعقول ان يصل هامش الربح للمساحات التجارية الكبرى الى 70 %”، وفق تأكيده.
وأضاف ان خروج تونس من الازمة المالية والاجتمالية يتطلب تغيير المنوال التنموي والاقتصادي.
هذا ما طالب به النقد الدولي
جدير بالذكر ان صندوق النقد الدولي، حث تونس في بيانه الصادر جانفي الماضي على ضبط كتلة الأجور ودعم المخصص للطاقة والتحويلات إلى الشركات العامة محذرا من أن العجز في الميزانية قد يرتفع الى أكثر من 9% من الناتج المحلي الإجمالي.
وتعاني المالية العامة التونسية من وضع صعب، حيث يتوقع أن يبلغ العجز المالي 11,5% من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2020، وهو الأعلى منذ حوالي أربعة عقود.
وتهدف ميزانية 2021 إلى خفض العجز المالي إلى 6,6%، لكن صندوق النقد الدولي قال في بيان عقب زيارة لتونس إن هناك حاجة إلى إجراءات محددة لدعم هذا الهدف.
وتضاعفت فاتورة الأجور في تونس لتصل إلى نحو 20 مليار دينار في 2021، من 7,6 مليار في 2010.