مواطن الخلل التي يشكو منها المنوال التنموي في العهد السابق والبحث عن فرص أخرى للتمويل خاصة بعد أن أثبتت المصادر القديمة محدوديتها والتساؤل أيضا عن ملامح المنوال التنموي البديل الذي سيستجيب لتحديات الاقتصاد التونسي .. أسئلة طرحناها على الخبير الاقتصادي محمد بن رمضان فكان الحوار التالي.
سؤال :ما هي أبرز الاخطاء التي وقع فيها منوال التنمية في عهد النظام السابق وكيف يمكن تفاديها في حكومة ما بعد التأسيسي؟
-هناك عديد التحديات التي لم يستجب لها منوال التنمية السابق خاصة المتعلقة منها بالتشغيل وعدم التوازن بين الجهات وغياب العدالة الاجتماعية بين الفئات وكذلك غياب الحوكمة الرشيدة التي تقودنا الى الحديث عن خلل في المنظومة القيمية لذلك المنوال .
هناك ايضا تحديات مرتبطة بالتمويل وبكلفته العالية وشح مصادره وهي مجموعة من العوامل جعلت مستويات التنمية لا تواكب حاجيات الاقتصاد و كانت مؤشرا واضحا على فشل المنوال السابق الذي جعلنا نفكر في بديل له يرتكز على البعد التشاركي .
فاليوم نحن قادمون على مرحلة جديدة تتشكل فيها الساحة السياسية والأطراف المرشحة لتكون مؤثرة على المدى المتوسط أو البعيد وقد اطلعت على منوال التنمية المقترح الان والمرشح لحكم الاقتصاد مستقبلا إذ هو يسعى إلى توسيع المجال الجيوستراتيجي أي أن يدعو للانفتاح على أسواق جديدة دون القطع مع الأسواق التقليدية ودعمها .كما انه يأخذ بعين الاعتبار المنظومة القيمية ويتعاطى معها بصفة جدية .
سؤال: ما هو موقفك من العلاقة الاقتصادية لتونس بالاتحاد الأوروبي خاصة بعد اعتماد عدة دول سياسة تقشف قد يكون لها اثر مباشر على الاقتصاد التونسي؟
-لا أعتقد ان الازمة التي تمر بها دول الاتحاد الاوروبي ستستمر لعشرات السنين كما أن منوال التنمية الجديد مرشح ليؤطر الاقتصاد على مدى بعيد جدا وذلك لمراهنته على الأسواق الأخرى والانفتاح عليها . لكن هذا لا يعني القطع مع الشريك التقليدي خاصة انه لا تزال لدينا الفرصة للارتقاء إلى مرحلة الشريك المتقدم والذي يعد مكسبا لاقتصادنا التونسي يجب العمل عليه.
نحن اليوم لا نستطيع الحديث عن تنويع للإنتاج إلا إذا توفرت لنا فضاءات واسعة واختيارات كأن نستهدف بصفة مباشرة الفضاء المغاربي الذي أصبح بعد ثورات الربيع العربي يشكل فرصا حقيقية وكذلك الأسواق الإفريقية التي هناك من سبقنا إليها مثل المغرب وما توفره من إمكانيات كبيرة للعمالة والموارد والأسواق القابلة لترويج منتجاتنا فضلا عن الدول العربية التي يجب كذلك العمل على تدعيم العلاقات الثنائية معها وتدعيم اتفاقيات التبادل التجاري معها وتفعيلها و التوجه أكثر نحو الاقتصاديات الصاعدة في اسيا .
وفي هذا الإطار أريد أن أشير إلى أننا مطالبون بالاستثمار في رصيدنا البشري الضخم و تكوين جاليات في هذه الاسواق تكون قاعدة متقدمة تساعد على التصدير وكذلك تساعد في عملية التشغيل.
سؤال: ما هي حسب رأيك ابرز القطاعات الجديدة التي يمكن التعويل عليها في المرحلة المقبلة للتصدي لمشكل البطالة؟
-بصفة عامة يمكن التعويل على القطاعات ذات القيمة المضافة العالية على غرار قطاع الميكانيك و الكهرباء وتكنولوجيات الاتصال والبرامج المعلوماتية .حيث يكفي ان تتجه الإرادة السياسية نحو هذه القطاعات الواعدة وان تكون لدينا دبلوماسية نشطة وأن تفعل العلاقة بين الدولة والقطاع الخاص حتى نتمكن من تطويرها وكذلك تطوير قطاع الاقتصاد الاجتماعي التضامني الذي لا يمثل اليوم في الناتج الداخلي الخام الا صفر بالمائة في حين انه في الدول المتقدمة يمثل 10 بالمائة ( في فرنسا يشغل حوالي مليوني عامل).فالدولة لا يجب ان تكتفي مستقبلا بدور التشريع او المراقبة بل لا بد ان تكون مصاحبة وهذا لا يعني بالضرورة أن تتورط في الانشطة التنافسية .
كما انه لابد للقطاع العام ان يضع ثقله ولو لمدة قصيرة في الجهات الداخلية حتى ينهض بها خاصة بعد أن تبين سابقا أن القطاع الخاص عجز عن القيام بذلك و إنه على الديبلوماسية التونسية الخارجية كذلك أن تصبح نشطة أكثر وفي خدمة التجارة والصناعة والاقتصاد لأنها كانت سابقا دبلوماسية تكتفي بمراقبة الجالية وتقصي أثرها. ويجب ايضا العمل على لا مركزية التنمية لتصبح الجهات هي الوحيدة التي تختار من يمثلها وينوبها ويشرف على تنفيذ برامج التنمية بها ويجتهد في توفير الامكانيات التشريعية واللوجستية والمالية للمشاريع.
سؤال: تحدثت منذ قليل عن شح في مصادر التمويل فما هي في اعتقادك مصادر التمويل الجديدة المقترحة؟
هناك اليوم إمكانيات ضخمة يوفرها التمويل الإسلامي وهي إمكانيات تنتظر توفير التشريعات والإطار القانوني الملائم.فهناك مستثمرون يريدون التعامل بالصيرفة الإسلامية وإذا ما توفرت التشريعات سيكون لذلك تأثير ايجابي على المديونية وعلى العجز والتوازنات المالية فمثلا نجد أن منتجا مثل الصكوك الاسلامية يستطيع تمويل عدة مشاريع كما بالإمكان أن يقع حتى تصكيك ممتلكات الدولة على غرار ما وقع في البحرين .أضف إلى ذلك أن هذه التمويلات بالنسبة للدولة لا تدرج في بند التداين وإنما تدرج في بند المساهمات وبالتالي أتصور ولو نظريا أن نسبة التداين والعجز ستنخفضان تدريجيا حتى نتمكن من تحقيق فائض بالنسبة للميزانية وهذا الفائض يعد مؤشرا هاما على أساسه تسند العلامات السيادية التي يعتمد عليها المستثمرون لاتخاذ قراراتهم في مجال الاستثمار و بالتالي تصبح حظوظنا في جلب الاستثمار الخارجي أوفر .
– إن المقصود هنا ليس القضاء على مكانة البنوك التقليدية بل بالعكس ستصبح هذه الموارد الإسلامية موارد إضافية منافسة ومكملة لها.
في ذات السياق أريد أن أشير إلى أن هناك استقطابا إيديولوجيا مفتعلا ومتناقضا بين الإسلام والمعاصرة والحداثة وهذا لا يخدم مشروع التنمية لان مشروع التنمية يجب أن ينطلق من قيم حضارية.
سؤال: ما هو تعليقك على المقترحات المطالبة بإدراج نص في الدستور الجديد يضبط شروط ومقاييس التداين الخارجي؟
– أعتقد أن هذا الموضوع لا يتطلب التنصيص عليه في الدستور أو إفراده ببند خاص فهو في نظري أمر يحتاج إلى مجرد توافقات لان الدستور ليس وثيقة نستطيع أن ندون فيها كل ما نريد وفي المقابل أرى انه من الأنسب أن نقوم بإعداد أو صياغة ميثاق تنموي بين جل الأطراف الفاعلة ندرس فيه على سبيل المثال مثل هذه النقاط.