تونس-أفريكان مانجر
نظمت وزارة المالية استشارة “وطنية” حول “اصلاح المنظومة الجبائية” خلال يومي 12 و13 نوفمبر 2014 لمناقشة ما تمخضت عنه اجتماعات الست لجان المكونة بخصوص موضوع “اصلاح المنظومة الجبائية”، غير أنّ بعض الخبراء الجبائيين اعتبروا اغلب المقترحات المقدمة من قبل الست لجان مقترحات غير وطنيّة ولا تتسم سوى بالمافيوزيّة.
وفي هذا الإطار أكّد لسعد الذّوادي الخبير الجبائي ان تلك الاستشارة اديرت بنفس الاساليب المعتمدة في الاستشارات “اللاوطنية” التي كانت تنظم زمن بن عليّ، مبرزا أنّها اهملت عددا هاما من المسائل الجوهرية كتلك المتعلقة بجعل الموفق الجبائي الذي سيهدر من خلاله المال العام امرا واقعا وباغتصاب مجال تدخل المستشار الجبائي والمحامي من خلال المطالبة باحياء مكاتب الاحاطة والارشاد الجبائي التي اهدر المال العام من خلالها للقضاء على مهنة المحامي والمستشار الجبائي واغتصاب مجال تدخلهما من قبل المتحيلين من ممتهني المحاسبة، علما وان مجلس المنافسة اوصى بادماجها صلب مهنة المستشار الجبائي في رايه الاستشاري الصادر سنة 2005 باعتبار انها تقوم بنفس مهامه باستثناء التمثيل امام المحاكم الجبائية.
السمسرة والفساد في الملفات الجبائية
كما أضاف محدّثنا أنّ الاستشارة لم تتطرق إلى مسألة السمسرة والفساد في الملفات الجبائية من خلال الإصرار على عدم تحوير الفصول 39 و42 و60 من مجلة الحقوق والإجراءات الجبائية التي تنص على خرق للقوانين المهنية على إمكانية أن يستعين المطالب بالضريبة “بمن يختاره” بما في ذلك السماسرة وعصابات الرشوة والفساد والحال ان تلك الاحكام وجب ان تنص على ان يستعين المطالب بالاداء بمستشار من بين الاشخاص المؤهلين قانونا.
وفي سياق متّصل، قال نفس المصدر أنّ الاستشارة لم تشر الى ضرورة حذف لجنة إعادة النظر في قرارات التوظيف الإجباري المحدثة بمقتضى الفصل 30 من قانون المالية لسنة 2011 والتي تعتبر على حدّ تعبيره محكمة خارج إطار المنظومة القضائية وقضاء موازيا مثلما أكد ذلك القضاة والباحثون والمستشارون الجبائيون والمحامون والتي خلفت اللجنة الإستشارية المكلفة بالنظر في عرائض المطالبين بالضريبة المحدثة خارج اطار القانون والتي شطبت الديون الجبائية منذ سنة 1998 دون أن يفتح أي تحقيق جنائي بخصوص اعمالها إلى حد الآن، علما وان تركيبتها على حدّ تعبيره ضمت خبيرين محاسبين في خرق على الاقل للفصل 15 من مجلة الحقوق والاجراءات الجبائية.
الإبقاء على الثغرات
كما بيّن الذاوادي أنّ الاستشارة لم تتطرق إلى مسالة الفساد في المجال الجبائي الذي يكلف الخزينة العامة سنويا آلاف المليارات. فالملاحظ على حدّ تعبيره أن بعض الأطراف تستميت في الإبقاء على الثغرات التي من شانها مساعدة المتحيلين والمتهربين والفاسدين على العبث بالموارد العمومية، مبيّنا أنّه مثلا لم يتم التنصيص صلب مجلة الحقوق والإجراءات الجبائية على إمكانية مراقبة أعمال المراقبين لاحقا داخل المؤسسة وكذلك على فتح آجال التدارك كلما تعلق الأمر بأعمال فساد او تهرب جبائي، علما ان المستشارين الجبائيين قد تقدموا بمقترح تشريعي بهذا الخصوص ايمانا منهم بمبدا المساواة الذي يقتضي ان لا يسقط حق الخزينة العامة بمرور الزمن مثلما هو الشان داخل الولايات المتحدة الامريكية.
من جهة أخرى، ذكر الخبير الجبائي أنّ الاستشارة لم تتطرق لضرورة حذف اكثر من 130 صندوق خزينة “مافياوي” اهدرت في اطارهما عشرات الاف المليارات مثلما هو الشان على سبيل المثال بالنسبة لما يسمى بصندوق التاهيل الشامل دون ان يعلم المواطن اوجه صرفها. تلك الصناديق ساهمت في تخريب القدرات الشرائية للمواطن والقدرات التنافسية للمؤسسة. الاخطر من ذلك ان هناك صناديق اخرى سوداء غير مدرجة بالميزانية مثلما اكدت ذلك دائرة المحاسبات من خلال تقريرها الاخير بخصوص صندوق سرقة الاعراف المحدث بمقتضى الفصلين 57 و58 من قانون المالية لسنة 1975.
خرق للتشريع الجاري به العمل
وحول نفس الموضوع، قال لسعد الذوادي إنّ الاستشارة لم تشر الى ضرورة مكافحة السوق الموازية والتحيل من خلال التنصيص صلب الفصل 14 من مجلة الضريبة على الدخل والضريبة على الشركات على عدم طرح الاعباء بما في ذلك الاستهلاكات المبررة بفواتير صادرة عن اشخاص يباشرون انشطة مهنية وتجارية في خرق للتشريع الجاري به العمل او عن اشخاص مقيمين بجنات ضريبية او بلدان ينتفعون داخلها بانظمة جبائية تفاضلية كالمناطق الحرة بالامارات مثلما فعل ذلك المشرع الكامروني من خلال قانون المالية لسنة 2012 حيث لا يعقل على حدّ تعبيره ان لا تقبل للطرح الخطايا وتقبل الاعباء المبررة بفواتير صادرة عن ممارسي الغش والتحيل.
كما اهملت الاستشارة حسب نفس المصدر الاليات الناجعة المقترحة من قبل المستشارين الجبائيين منذ سنوات والتي من شانها مكافحة التهرب الجبائي وتكريس العدالة والمساواة والحياد كوضع ميثاق جبائي لا تدفع الضريبة على اساسه وإحداث سجل وطني للمتحيلين وممارسي الغش والسماسرة والمهربين وحرمان المتهربين من دفع الضريبة من الانتفاع بالمرافق والمساعدات العمومية والمشاركة في الصفقات العمومية وتحوير الفصل 101 من مجلة الحقوق والإجراءات الجبائية الذي لم يعد بصفة واسعة اعمال التحيل الجبائي وفتح اجال التدارك كلما تعلق الامر باعمال تهرب او فساد في المجال الجبائي مثلما هو الشأن داخل امريكا ورفع السر المهني وإحداث ادارة متخصصة تعنى بمكافحة التحيل الجبائي مثلما هو الشأن داخل البلدان المتطورة التي نخص بالذكر منها المانيا وفرنسا وايطاليا.
وفي ختام حديثه تساءل الخبير الجبائي هل بإمكان حكومة القادمة ان تصدر قانونا مشابها للقانون الفرنسي عدد 1117 لسنة 2013 والمتعلق بمكافحة الفساد والتهرب الجبائي والذي احدث خطة وكيل جمهورية مالي ؟ مع الإشارة الى ان الاتحاد الاوروبي اعتبر التهرب الجبائي ماسا بأمنه القومي.
هدى