تونس-افريكان مانجر
“السكوت عن ظاهرة التيار السلفي وخاصة التيار الجهادي هو اكبر هفوة ارتكبتها حركة النهضة منذ توليها الحكم فهي الضربة الموجعة التي قصمت ظهرها وشوّهت صورتها في الداخل والخارج على حدّ سواء…وقطر هي الاقدر على مساعدة تونس في إنجاح مسارها الانتقالي ..كما ان هناك العديد من الاطراف الخارجية التي تحاول ارباك الوضع في البلاد.”
هذا ابرز ما صرّح به مدير مركز الاسلام والديمقراطية، رضوان المصمودي ل”أفريكان مانجر” حيث أكد على انه لا يزال متفائلا بنجاح المسار الانتقالي في تونس على الرغم من التعثّر الذي بدأ يشهده هذا المسار.
هل تعتقد أن الربيع العربي الذي تولّته الايادي الاسلامية بعد حالة المدّ والجزر التي شهدته تلك المنطقة سيجلب النماء والرخاء لتلك البلدان؟
لم أزل متفائلا أن الربيع العربي الذي بدأ بالانتقال الديمقراطي سيسير نحو المسار الصحيح، فالكل يجب ان يدرك أن هذا الانتقال الديمقراطي هو مرحلة صعبة ويتطلب الكثير من الوقت، كما أنني على يقين من ان هذا الانتقال لو نجح ستشهد المنطقة تنمية حقيقة ورخاء وكرامة.
إن نجاح الانتقال الديمقراطي يتطلب تضافر جهود الجميع ليس فقط الحركات الاسلامية و حركة النهضة على وجه أخص بل كافة الاحزاب السياسية الأخرى والمنظمات التي تعمل من أجل المصلحة العليا للوطن.
وماذا عن المخاوف التي أصبحت تشعر بها أمريكا بوصفها راعيا لإدماج التيارات الاسلامية في الحياة السياسية في المنطقة العربية خاصة بعد أحداث سفارتها في كل من تونس وليبيا؟
لا أعتقد أن نظرة الطرف الامريكي للحركات الاسلامية قد تأثر بهذه الاحداث .وإن وجدت بعض المخاوف فهي طبيعية ،كما أن هذه الاخطاء طبيعية ايضا ويجب أن نستفيد منها ونتعلم منها الدروس . فطبيعي ان نخطئ لكن الذي يمكن اعتباره غير طبيعي هو أن تتكرّر هذه الاخطاء ،فالمطلوب منا جميعا هو ان نتعلّم من هذه الهفوات كي نطوّر ونحسّن من الأداء الحكومي وحتى من أداء المجتمع المدني.
ماهي في اعتقادك الهفوات التي ارتكبتها حركة النهضة وما هو تقييمك لأدائها الى حدّ الان؟
لعلّ أكبر هفوة ارتكبتها حركة النهضة هو السكوت عن ظاهرة التيار السلفي و خاصة التيار الجهادي الذي يؤمن بالعنف ويشرّعه ويدعو الى التكفير والتخوين. وهو كذلك خطأ كبير لكونه يضر بالعنصر الامني وبفكر النهضة نفسها وبشعبيتها وصورتها داخل البلاد وخارجها حيث من المفروض أن تكون حركة معتدلة تؤمن بالحرية والديمقراطية .
سمعنا انباء عن ترشيحك الى احد المناصب السياسية قريبا فهل هذا صحيح؟
لم يعرض علي اي منصب الى حدّ اليوم وأنا لا أطمح أصلا في ذلك كما اني اعتقد ان دور المجتمع المدني مهم جدا في عملية الانتقال الديمقراطي والمناصب لا تهمّني ولا أرى منها فائدة.
لكنك اردت في السابق الترشح لمنصب سفير؟
وقع فقط ترشيحي لمنصب سفير في واشنطن ولكن بلغني أن رئيس الجمهورية المؤقت، محمد المنصف المرزوقي أبدى اعتراضا على تعييني كسفير
وماذا عن ردّة فعلك حينها؟
لقد اكتفيت بالقول حينذاك أنه ليس بهذه الطريقة تدار شؤون الدولة ،فالمفروض أن يكون هناك أولا دراسة جادّة للملفات والاعتماد على صفة الكفاءة كما قلت ايضا أنه إذا ثبت وجود من لديه كفاءة أكثر مني سأكون سعيدا ومقتنعا.
كثر في الآونة الاخيرة الحديث عن سحب الثقة من رئيس الجمهورية المؤقت فما تعليقك؟
المفروض في إطار الترويكا أن تدار الخلافات داخليا وليس خارجيا والخطاب الذي ألقاه المرزوقي مؤخرا يضر بسمعة الترويكا و بسمعة البلاد بصفة عامة والاستقرار الذي لم نزل ننشده ،فإذا كانت له خلافات وهي طبيعية مع حركة النهضة أو أعضاء الترويكا كان من الافضل ان تناقش داخل الترويكا وليس في خطاب تلفزي يهدّد بالتأكيد التلاحم الموجود والمفروض أن يوجد داخل الترويكا الذي هو شرط استقرار الحكومة .
ومن الطبيعي أن ترد النهضة على مثل هذا الخطاب و تنظر في تكوين تحالفات أخرى لأن المرزوقي تهجّم عليها وهي ليست المرة الاولى .كما ان حركة النهضة لن تسكت على هذه الانتقادات المؤلمة لأنها صادرة عن حليف.
علاقة النهضة بقطر أصبحت محور انتقادات واسعة .فأية مصالح يمكن ان تجمع تونس بتلك الدولة؟
أهم مصلحة هو أن قطر قادرة على مساعدة تونس ماديا واقتصاديا في هذه المرحلة الصعبة والدقيقة، خاصة مع تنامي المطالب الاجتماعية والاقتصادية الملحّة ،كما أنه من أهم شروط نجاح الانتقال الديمقراطي توفير دعم اقتصادي حقيقي ولذلك صرّحت وفي عديد المناسبات بأن تونس تحتاج الى دعم دولي لدعم الانتقال الديمقراطي على غرار قطر التي تعتبر من أغنى الدول رغم صغر حجمها، فتونس في حاجة الى دعم اقتصادي مهما كانت الحكومة التي تقودها سواء كانت حركة النهضة او غيرها وذلك حتى تتمكن من الوقوف مجدّدا وحتى ينجح الانتقال الديمقراطي كذلك.
نفهم من كلامك هذا أن الانتقال الديمقراطي في تونس مرتبط أشد ارتباط بدولة قطر؟
لا انا لم اقل هذا ولكن نحن في حاجة الى دعم اقتصادي دولي من قطر أو من غيرها من البلدان كالولايات المتحدة الامريكية و الاتحاد الاوروبي و تركيا و السعودية … ومن كل الدول التي من مصلحتها ان ينجح الانتقال الديمقراطي في تونس و الذي من شأنه ان يوفر الاستقرار في المنطقة .و إذا فشلت عملية الانتقال الديمقراطي في تونس باعتبار ما تتوفّر عليه من شروط النجاح فإن هذه التجربة ستفشل كذلك في بقية البلدان العربية الأخرى التي تعيش تجارب مماثلة .
أنت قلت أن العديد من البلدان لها مصلحة في نجاح الانتقال الديمقراطي، ألا يمكن ان يكون العكس وتصبح بعض هذه الدول وخاصة دول الخليج هي الاكثر خوفا من انتقال “العدوى” اليها؟
فعلا هذا صحيح أيضا . فهناك من يتخوّف من هذه الثورات التي قلبت أنظمة الاستبداد وهناك ايضا من يرحّب بها ومستعد لدعمها لأنه مقتنع أن الاستقرار لا يأتي الا بالديمقراطية فالأغلبية اصبحت تؤمن اليوم ان العالم العربي ليس بإمكانه ان يستمر في جو الاستبداد الذي هو ميكنة لإنتاج التطرف و العنف والارهاب.
في تصريح سابق قلت انك متفائل بما سيحدث بعد انتخابات 23 اكتوبر وان تونس تسير نحو الأنموذج التركي وليس الايراني هل ما زلت تحمل نفس التفاؤل؟
نعم ولكن بدرجة أقل لأننا لا يجب ان ننسى ان الانتقال الديمقراطي في تركيا له من العمر تقريبا ثلاثون سنة أو اكثر وأن نجاحه في تونس كذلك سيستغرق على الاقل خمس سنوات أو أكثر وهنا أريد أن أشير إلى بعض المخاوف التي تنتابني خاصة مع وجود أطراف على غرار العناصر السلفية وفلول النظام السابق وبعض الأطراف الاجنبية التي لا تريد للديمقراطية ان تنجح في تونس.
شادية هلالي