تونس-افريكان مانجر
مثلت الأحداث الأخيرة التي عاشتها ولاية سليانة منعرجا خطيرا أجّج فتيل النيران بين حكومة تمسّكت الى اخر اللحظات بخياراتها السياسية وبين محتجّين رفضوا الانصياع إلى ما أسموه “تعيينات مسقطة وحزبيّة” لم تخدم قطّ مطالبهم الاجتماعية.
وكانت تعيين المعتمد الأول بسليانة مكان الوالي بصفة وقتية بعد عمليات الكر والفر وسقوط عدد من الجرحى معطى جديدا كان له الأثر على تهدئة الوضع.
في هذا السياق التقى “أفريكان مانجر” عضو المكتب السياسيي للحزب الجمهوري،محمد صالح العياري وأصيل ولاية سليانة الذي كشف لنا أن زعيم حزب الجمهوري محمد نجيب الشابي حاول اقناع وزير الدفاع بتدخل الجيش في سليانة كما اعتبر إنّ دعوة رئيس الجمهورية المؤقت إلى تكوين حكومة مصغّرة من الكفاءات الوطنية لإخراج تونس من أزمتها هي مجرّد مناورة سياسية. وفي ما يلي الحوار:
بعد أحداث دامية عاشتها ولاية سليانة وسقوط العديد من الجرحى،تمت إبعاد الوالي إلى حد الآن عن ساحة الصراعات. حسب رأيك هل كان من المفروض أن تنتظر الحكومة كل هذه الخسائر في صفوف الجرحى لتعلن مثل هذا القرار؟ ثم هل تعتقد أن المعالجة السيئة لهذا الملف دليل على تجاذبات داخل حركة النهضة نفسها فيما يخص قرار إقالة الوالي؟
نعم لقد عاشت ولاية سليانة بالفعل خلال الفترة الأخيرة أيام رعب حقيقية و لقد كانت المسيرة في البداية مسيرة سلمية ٬و أبدى أبناء سليانة تصرّفا حضاريا يشرّف كلّ التونسيين و شرّفني أنا شخصيا باعتباري أصيل مدينة سليانة و لكن أعوان الأمن بادروا باستعمال القنابل المسيلة للدّموع ٬ثمّ إستعمال الذّخيرة الحيّة وبما يطلق عليه “بالرّشّ” ليرتفع عدد الجرحى و خاصّة المتضرّرين في عيونهم بسرعة كبيرة. وعوض أن تتّخذ الحكومة إجراءات سريعة لوقف النزيف ٬طلع علينا السّيد رئيس الحكومة ليضع
سمعته في الميزان و ليصرّح علانية بأن إستقالته ستكون قبل إقالة والي سليانة و ذلك دون مراعا ة المأساة الحقيقية آلّتي عاشها أهالي سليانة ممّا زاد الطّين بلّة و عمّق جرح كّل أبناء الولاية لتندلع الإحتجاجات بكل معتمديات سليانة تعبيرا عن غضبهم و سخطهم لما سمّوه “بالحقرة” و عدم الإهتمام بمشاغلهم و بمعاناتهم اليومية للحصول على لقمة العيش. وأقلّ ما يمكن أن يقال حول هذه الوضعية هو أن الحكومة كانت حكومة هاوية و أن المشرفين على تسير دواليب الدّولة كانت تنقصهم الخبرة الكافية و طغت عليهم نزعتهم الحزبية فارتكبوا أخطاء فادحة أدّت إلى هذا الوضع المتردّي .
أمّا بخصوص التّجاذبات داخل حركة النّهضة نفسها فهذا مؤكّد و ذلك باعتبار التّصريحات المتضاربة و المواقف المتباينة ممّا أربك الحكومة و على رأسها حزب النّهضة ليصبح رئيس الحكومة في موقف محرج بعد تأكيده على عدم إقالة الوالي.
في الوقت الذي تحدّثت فيه عناصر حكومية عن فتحها لأبواب الحوار مع الاتحاد العام التونسي للشغل للنظر في أهم المطالب الاجتماعية، سعت بعض الأطراف الأخرى من داخل الحكومة نفسها إلى غلقه وتوجيه تهم إلى الاتحاد بالضلوع في الأحداث الأخيرة. ما رأيك؟
من الغريب حقّا أن تنتهج الحكومة المؤقتة هذا المنهج العدائي إزاء الإتحاد العامّ التّونسي للشّغل الّذي كان رافدا حقيقيا لإجلاء الإستعمار و عنصرا فاعلا لإنجاح ثورة 14 جانفي المباركة ممّا يؤكّد عدم خبرة هذه الحكومة الّتي وضعت نفسها في وضع مواجهة مع كلّ مكوّنات المجتمع من أحزاب معارضة و صحافيين و قضاة و الإتحاد العامّ التّونسي للشغل. إنّ التضارب في المواقف بين عناصر حكومية ٬ جعل مواقف الحكومة متذبذبة ممّا أدّى بها إلى إتخاذ قرارات سطحية لا تخدم مصلحة الشّعب التّونسي الّذي كان ينتظر الكثير من حكومة “شرعية” أغدقت على التّونسين بالعديد من الوعود دون أن تتمكّن من تحقيق الحدّ الأدنى منها .
لو عدنا قليلا إلى هذه الأحداث ما هو موقف حزبكم منها و ما هي أهم الأسباب التي زادت من توتير الوضع في نظركم؟ ثم هل كانت اتهامات السلطة القائمة لبعض الأطراف في محلّها؟
لقد بادر الحزب الجمهوري بإرسال وفد هامّ إلى مدينة سليانة منذ يوم الإربعاء الفارط أي منذ إندلاع الإحتجاجات متكوّن من الأستاذ أحمد نجيب الشّابي و السّادة ياسين إبراهيم و عصام الشّابي و الشّاذلي الفارح و سليم العزّابي و أنا شخصيا ٬ و ذلك للإطلاع على الوضع عن كثب و محاولة إطفاء فتيل هذه الإنتفاضة .و لقد إكتشفنا هول الفاجعة عند زيارتنا للمستشفى الجهوي بسليانة أين وقفنا على مأساة حقيقية تتمثل في عدد هائل من الجرحى و أجسام خرّبها الرّشّ و عيون دامية أصبح أصحابها مهدّدين بالعمى .
وقام الأستاذ الشّابي بالإتّصال بالسّيد وزير الدّفاع الوطني ليعطيه فكرة حقيقية على الوضع الأمني المتدهور بمدينة سليانة و لإقناعه بتدخّل الجيش لإيقاف المأساة و للحدّ من سقوط ضحايا جدد.وفي اليوم نفسه ٬ قام الحزب الجمهوري يعقد ندوة صحفية بمقرّ جريدة الموقف ليقدم أعضاء الوفد الّذين زاروا مدينة سليانة فكرة حقيقية حول معاناة أهالي سليانة.
أمّا عن إتّهامات السّلطة لبعض الأطراف لتحريض شباب سليانة على العصيان و التّمرّد و بمدّهم بمبالغ مالية ٬فهذا من نسيج الخيال.
إنّ أبناء الفلاحين الشّرفاء الّذين تربّوا على الأنفة و الإعتزاز بالنفس ٬ إن أولاد العون و أولاد عيّار الّذين كان له دور فعّال في الحركة الوطنية أيام الكفاح ضدّ المستعمر و معركة برقو الشهيرة أكبردليل على ذلك ٬ إنّ أبناء علي بن غذاهم الّذي إنطلق بثورته الّتي هزّت عرش الباي من العروسة بولاية سليانة لا يمدوا أيديهم لبعض الفتات للرّمي بأنفسهم إلى التّهلكة .
أمّا السّبب الحقيقي , فهو إحساسهم بالظّلم و الحرمان و التّهميش و تأييدهم للقضية العادلة عدد 206 التي تتعلّق بالعديد من شباب الجهة الّذين تم الزّج بهم في السّجن منذ شهرأفريل2011 و لم تقع محاكمتهم إلى حدّ الآن و انتظارهم الطّويل لشغل قد يأتي أو لا يأتي.أمّا تلك التّرهات الّتي ألقاها جزافا بعض قيادي النّهضة فهي لذرّ الرّماد في العيون و لتشويه الصّورة الناصعة لحركة إحتجاجيّة عبّر فيها أصحابها عن نفاذ صبرهم من وعود زائفة لم تحقق لهم و لو جزء ضئيل من طموحاتهم .
لاحظنا تضاربا في تصريحات بعض الأطراف المكونة للحزب الحائز على الأغلبية في الحكم “النهضة” بشأن أحزاب سليانة، فهل يعكس هذا نوعا من التصدّع داخل الحركة؟
إنّ التّصريحات المتضاربة لبعض الأطراف المكوّنة لحزب النّهضة يؤكّد بصفة بديهية نوعا من التّصدع داخل الحركة. ولكن الأهمّ من ذلك ٬هو أن الحركة تحرس على عدم تسريب مثل هذه التّصدعات ممّا جعل العديد من التّونسيين يصفون قيادي النّهضة وبالخصوص النّواب داخل المجلس التأسيسي “بالقطيع” لأنّهم يطبّقون الأوامر حتّى في صورة عدم إقتناعهم في بعض الأحيان ببعض المواقف الّتي لا تتماشى مع قناعاتهم الشّخصية .
و لعلّ هذه الحالة من الغليان داخل حزب النّهضة يمكن أن يكون لها تأثير سيئ على بقية مشوار الحزب عملا بالمثل القائل “إنّ الضّغط يولّد الإنفجار”
دعا الرئيس المؤقت،محمد المنصف المرزوقي إلى تكوين حكومة مصغّرة لإخراج تونس من أزمتها بخصوص حوادث سليانة وهو ذات المقترح الذي طالبت به أحزاب المعارضة وتم تجاهله سابقا، في المقابل اعتبر مراقبون هذه الخطوة محاولة من المرزوقي لاستغلال هذا الوضع المتأزم لتلميع صورته في الانتخابات المقبلة. ما رأيك؟
إنّ دعوة السّيد رئيس الجمهورية المؤقت إلى تكوين حكومة مصغّرة من الكفاءات الوطنية لإخراج تونس من أزمتها هي مجرّد مناورة سياسية لفك العزلة عنه باعتباره بقي بين جدران قصر قرطاج بدون صلاحيات ممّا أدّى إلى تفكّك حزبه و جعل أغلب التّونسيين يسحبون ثقتهم منه. لقد كان من الأفضل للسّيد المنصف المرزوقي أن يعبّر عن مساندته لمبادرة الحزب الجمهوري منذ إنعقاد ندوته الصّحفية يوم 28 ماي 2012 لتكوين حكومة من الكفاءات الوطنية لتواصل المشوار في تسيير شؤون البلاد حتّى في صورة عدم المشاركة فيها و ذلك إجتنابا للتجاذبات السّياسية و يجعل مصلحة الوطن فوق كلّ إعتبار .
ما هو موقفكم مما يحدث من تجاذبات داخل المجلس الوطني التأسيسي وخاصة مما وصف ب”التباطؤ” في عمل اللجان وظاهرة الغيابات المتكرّرة؟
لقد أصبح المجلس التّأسيسي مهزلة حقيقية و ذلك للأسباب التّالية:
– عدم إتمام الدّستور في ظرف سنة و هو الهدف الأسمى الّذي تم تكوينه من أجله و الّذي إلتزم على أساسه إحدى عشر حزبا و هو التزام أخلاقي يفوق كلّ المراجع القانونية الأخرى.
– لقد تعوّد أغلبية أعضاء هذا المجلس على راتب شهريا لم يكونوا يحلموا به و أصبحوا يطمحون إلى إطالة المدّة النّيابية حتّى ينعموا بهذا النّعيم لأطول مدّة ممكنة.
– إكتشفت الترويكا الحاكمة متعة كرسي الحكم٬فتناست هموم الشّعب المسكين الذّي منحها ثقته لإعداد الدستور في ظرف سنة وإتمام هذه المرحلة الدّقيقة في أسرع وقت ممكن للوصول به إلى برّ الأمان و إعداد إنتخابات حرّة و نزيهة في أحسن الظّروف.
– تعدّدت التّجاذبات السّياسية لحسابات حزبية ضيّقة ليصبح المجلس التأسيسي مسرحا لحملة إنتخابيّة قبل الأوان .
-عدم النّضج السّياسي لعديد نواب المجلس التأسيسي و ضعف التّكوين لبعض النّواب الأخريين جعلهم غير قادرين على الإضطلاع بمهامّهم على أحسن وجه.
شادية هلالي