بقلم: عائشة بن محمود
تشير التقديرات الأولية إلى فوز حزب “نداء تونس” الوسطي بأكثرية مقاعد البرلمان التونسي في الانتخابات التشريعية أمام حركة النهضة الاسلامية المحسوبة على اليمين المحافظ.
وبغض النظر عن النتائج بلغة الأرقام، فإن ما حصل في الانتخابات التشريعية لم يكن مستبعدا ولم يكن مفاجئا بما أن المؤشرات كانت تلمّح إلى فوز هذين الحزبين بالمراتب الأولى في الانتخابات، لكن في المقابل تكمن المفاجأة في أن هذه المؤشرات والتوقعات تحققت بطريقة معكوسة وبـ”المقلوب”، بتقدم كبير لـ “نداء تونس” على نظيره “اللّدود” “النهضة”.
ويبقى السؤال الأكبر لماذا انقلب الأمر فجأة وما أدى إلى “صدمة مفاجئة” للمعنيين وهما “النهضة” و “النداء” ؟
بعيدا عن التحليلات والتأويلات حول أسباب تأخر النهضة عن الرّكب، ومن دون الرجوع إلى عوامل فشلها في الحكم وخروجها منه في المقابل بطريقة “ذكية” وإلى علاقاتها المشبوهة مع القطريين والأتراك والأميركان وإلى تورطها في ارسال مقاتلين من تونس إلى سوريا وفي انتشار التكفيريين في تونس وإلى عدم ثقتها بالتونسيين غير “النهضاويين” واختيارها العزلة بدافع الريبة والشك والى استغفالها الناخبين عبر خطابها الديني المستقطب ووعودها بصكوك الجنة واستدراجها لكل من “هب ودب” تحت غطاء المصالحة.. كل هذه العوامل وغيرها حول تقهقر النهضة تبقى قابلة للنقاش والتأويل.
ثلاثة أسباب
لكن هناك ثلاثة أسباب رئيسية هي وراء هذه النتيجة المفاجأة خاصة وأن الناخب التونسي بقي مترددا وحائرا حتى في الساعات الأخيرة قبل التصويت، وفق تقارير عديدة وأبرزها تقرير لوكالة “أسيوشياتد براس” الأميركية الذي أظهر أن 60% من التونسيين على الأقل لم يحسموا عشية الانتخابات اختياراتهم.
هذه الأسباب تتمثل أولا في اتقان نداء تونس وعلى رأسه قائده الباجي قايد السبسي لتقمص الدور البورقيبي نسبة للزعيم الحبيب بورقيبة وهي الشخصية التي مازالت تستأثر باحترام أغلب التونسيين رغم محاولات الأنظمة التي تلتها لمحوه من الذاكرة الشعبية التونسية وتشويه صورته، وإلى درجة نعت زعيم حركة النهضة راشد الغنوشي له بـ”المقبور” .
العامل الثاني يتمثل في العملية الأمنية الأخيرة التي وقعت مؤخرا في وادي الليل بالعاصمة تونس والتي أدت إلى مقتل 6 “ارهابيين” واستشهاد العون بالحرس الوطني الشاب أشرف بن عزيزة، وهي حادثة دفعت الناخبين في تونس بقوة للإسراع إلى صناديق الاقتراع خوفا من محاولات المتشددين افتكاك الحكم في تونس على غرار ما يقع حاليا في سوريا والعراق وليبيا ومؤخرا لبنان.
تجدر الإشارة هنا إلى أن كثيرين في تونس استاءوا من تنظيم النهضة احتفالات بشارع “الحبيب بورقيبة”، بالتزامن مع انشغال تونسيين بدفن “شهيد الوطن” أشرف بن عزيزة.
أما العامل الثالث فيتمثل في لجوء من اختار الانتخاب إلى اختيار “أهون الشرين” وأقل الأحزاب ضررا أو ما اصطلح على تسميته بقوة في أوساط الناخبين “الحزب الأقل سوءا” الذي قد يُخرج تونس من حالة ركودها بعد فشل النهضة في ادارة البلاد بعد انتخابات اكتوبر 2011.
هذه العوامل الثلاثة التي اثبتت أنها كانت مفصلية في انتخابات 26 أكتوبر 2014، وأدت في الوقت الضائع إلى ترنّح النهضة لكن بضربة غير قاضية على ما يبدو.