تونس-أفريكان مانجر
ثمّنت اليوم 03 جانفي 2014 كل من البوصلة، ومنظمة العفو الدولية ، وهيومن رايتس ووتش، قبل سويعات قليلة على انطلاق مناقشة مشروع دستور الجمهورية التونسية، المجهود الذي بذلته “لجنة التوافقات” لتتفادي العراقيل قبل بداية التصويت في الجلسة العامة ولتجنب أيّ تأخير أثناء المناقشات، مبرزة أنّ العديد من التوصيات التي قدمتها اللجنة قد تساعد في تعزيز الحماية التي يوفرها الدستور للحقوق والحريات، رغم أنّ بعض هذه التوصيات بقيت غير عميقة، كما بقيت العديد من القضايا الأساسية دون معالجة.
وفي هذا الإطار، دعت هذه المنظّمات المجلس التأسيسي إلى معالجة الثغرات الموجودة في المشروع الدستور الجديد، والنظر في التوصيات التي لم يتم اقتراح مراجعتها من طرف “لجنة التوافقات” ومن ذلك اعادة النظر في عقوبة الإعدام في الدستور الجديد، حيث تنص المادة 21 من مشروع الدستور على أن “الحق في الحياة مقدس، لا يجوز المساس به إلا في حالات قصوى يضبطها القانون”، دون أن تحدد الحالات التي تشرع انتهاك الحق في الحياة، وتحت أية ظروف يتم هذا الانتهاك.
دعوة الى معالجة الثّغرات الموجودة في الدّستور
كما دعت المنظّمات الأربعة الى تعديل عبارة “مبادئ حقوق الإنسان الكونية السامية” الواردة في التوطئة بحذف كلمة “السامية” التي قد يتم تأويلها على أنها تقر بوجود ترتيب تفاضلي لحقوق الإنسان العالمية، بينما تعتبر الإشارة إلى حقوق الإنسان الكونية في التوطئة تحسنًا، إلا أن كلمة “السامية” من شأنها إعادة إدراج معنى النسبية، وإضعاف المعنى الأصلي لحقوق الإنسان العالمية التي هي بطبيعتها غير قابلة للتجزئة، وهي مترابطة ومتصلة ببعضها البعض.
من جهة أخرى شدّدت هذه المنظّمات على مبدأ المساواة بين الرجل والمرأة في جميع المجالات، على أن ينصّ الدستور على أن الرجل والمرأة متساويين ويتمتعان بالمساواة التامة أمام القانون وعلى أرض الواقع، وبفرص متساوية في جميع مناحي الحياة، سواء كانت مدنية أو ثقافية أو اقتصادية أو اجتماعية، وكما تحددها المعايير الدولية لحقوق الإنسان. كما دعت المنظّمات الى ضرورة أن ينص الفصل 45 على تساوي الفرص والحقوق بين الرجل والمرأة وذلك بتعديل عبارة “تتخذ الدولة التدابير الكفيلة بالقضاء على العنف ضدّ المرأة” لتضمين “جميع أشكال التمييز والعنف”، علاوة على ضرورة تنصيص قانوني يدفع الدولة إلى تبني إجراءات ايجابية في جميع المجالات لتحقيق تمكين المرأة بشكل فعال ومتساو، هذا الى جانب المطالبة بمعالجة جملة من الثغرات الأخرى في مشروع الدّستور.
المطالبة بإلغاء القيود المفرطة المفروضة على الحقوق والحريات
وتجدر الإشارة الى أنّ هذه المنظمات لم تكتفي بالمطالبة بمعالجة جملة من الثّغرات، بل طالبت أيضا المجلس الوطني التأسيسي بأن يتبنى في نص المشروع الصياغة التي اقترحتها لجنة التوافقات لإلغاء القيود المفرطة المفروضة على الحقوق والحريات في معظم الأحكام القانونية، بما في ذلك حرية التنقل والتعبير والإعلام، الى جانب تعزيز نص الفصل 48 (فصل متعلق بقيود عامة على الحقوق والحريات)، علما وأنّ الصياغة التي اقترحتها اللجنة تعكس بشكل أفضل الالتزامات القانونية الدولية لتونس من خلال التأكيد على أن أي قيود تُفرض على الحقوق والحريات يجب أن تكون فقط “ضرورية ومتناسبة لتحقيق هدف مشروع”.
وفي ذات السّياق طالبت أيضا هذه المنظّمات بضرورة تبني الصياغة التي قدمتها اللجنة في ما يتعلق بالأحكام الانتقالية بما يمنح للمحكمة الدستورية مباشرة بعد إنشائها خلال السنة الموالية للانتخابات التشريعية، السلطة الكاملة للنظر في دستورية القوانين الحالية والقوانين المقترحة، وإلغاء القوانين وفصول القوانين التي تنتهك أحكام الدستور (الباب العاشر)، وتوسيع الحقّ في الطعن في دستورية القوانين ليشمل رئيس الحكومة 30 عضوا من مجلس نواب الشعب، إضافة إلى رئيس الجمهورية (الفصل 117).
موافقة الأغلبيّة أو استفتاء وطني
المطالبة بمعالجة جملة من الثغرات في مشروع الدّستور والدّعوة الى ضرورة تبني الصياغة التي قدمتها “لجنة التّوافقات” كلّها توصيات أساسية تتعلق بتعزيز حقوق الإنسان والحريات في الدستور، وان لم يتمّ تفعيلها يمكن أن لا يحظى مشروع الدّستور بموافقة أغلبية الثلثين، ممّا يستوجب طرحه مرّة أخرى على التصويت بنفس الأغلبية، وإذا لم تحصل موافقة الأغلبيّة، يتمّ عرض المشروع على استفتاء وطني، فهل يعاد السيناريو المصري في تونس، ويعرض مشروع الدّستور على استفتاء وطني ؟ أم أنّ التّصويت سيحظى بموافقة الأغلبيّة ونكون بذلك تجاوزنا مصير غامض ؟.