تم الاعلان في 29فيفري الماضي عن تراجع الحكومة التونسية عن قرار اتخذته حكومة الباجي قائد السبسي في وقت سابق بترشيح كل من رشيد خشانة ورضوان نويصر لمنصبين دوليين في الجامعة العربية .
الإعلامي رشيد خشانة كان مرشحا لمنصب رئيس مركز تونس للجامعة العربية الذي يُغطي منطقة المغرب العربي وينسق العلاقة بين الجامعة العربية والاتحاد المغاربي فيما تم ترشيح كاتب الدولة السابق للشؤون الخارجية رضوان نويصر لمنصب الأمين العام المساعد للجامعة العربية. وذلك وفق اتفاق نقل مقر جامعة الدول العربية من تونس إلى القاهرة في 1990 الذي ينص على تخصيص المنصبين المذكورين لتونس.
وقد أبلغت الملفات الخاصة بالترشيحين إلى مكتب الأمين العام للجامعة العربية الدكتور نبيل العربي منذ فترة طويلة، لكن الحكومة الحالية لم تنتبه للأمر على ما يبدو إلا عشية اجتماع لجنة فرعية في الجامعة كانت ستُقر الترشيحين قبل عرضهما على مجلس الجامعة للمصادقة عليهما في نهاية مارس الجاري ، فما كان منها إلا أن طلبت سحب الملفين ولم تقدم بديلا.
وتساءل المراقبون عن أسباب سحب ترشيح خشانة و نويصر و المقاييس التي ستعتمدها الحكومة الحالية في ترشيح التونسيين للمراكز الدولية، الولاء والتحزب أم الكفاءة ؟ ولم تفصح وزارة الشؤون الخارجية عن أسباب سحب الترشيح ولا المقاييس التي ستعتمد في الاختيار الجديد خصوصا وأن المنصبين يعودان الى تونس دون غيرها .
رشيد خشانة المرشح لمنصب مدير مركز الجامعة في تونس صرح أن السكوت على الملف لدى الأمانة العامة للجامعة طيلة المدة السابقة (منذ شهر أكتوبر 2011على الأقل ) يجعل القرار مفاجئا وغير مبرر . و قدم توضيحات لبعض الصحف فهم منها أنه يستغرب موقف الوزارة وأفاد أنه اتصل بالوزير رفيق عبدالسلام بعيد تعيينه في الوزارة وقد جمعهما سابقا العمل في قناة الجزيرة القطرية وأعلمه بترشيحه من قبل حكومة قائد السبسي واكتفى الوزير بأن وعده خيرا وقال له بالحرف: “ما ثمة حتى مشكلة ” .
وفي تطور لاحق وحين اتصل خشانة بوزارة الخارجية وحسب ما أوردته جريدة “عرابيا” قيل له أن التعيين لم يخضع للتراتيب الدبلوماسية. وعليه، فقد ألغي. وحاول نجيب الشابي زعيم الحزب الديمقراطي التقدمي التدخل لدى وزارة الخارجية، لكنه لم يجد أي تجاوب. بل وجد من يقول له أن هذا المنصب محجوز ويخضع لشروط قد لا تتوفر في السيّد رشيد خشانة. وفق المصدر .
وفي تطورات اعلامية صرح رشيد خشانة لموقع “التونسية ” يوم 11 مارس الجاري شارحا ملابسات سحب ترشيحه بالقول انه ينتظر انعقاد دورة مجلس الجامعة في أواخر الشهر بمناسبة القمة في بغداد مضيفا :”دعنا ننتظر حتى تتضح الصورة ” الا أن ردا ورد على الموقع بتاريخ 18مارس الجاري أيضا من الديبلوماسي أحمد بن مصطفى وتوضيحا تقدمت به زوجته نجاة الزواري حرم بن مصطفى الى موقع “باب نات” يفهم منهما أن ترشيح الديبلوماسي بن مصطفى لمنصب رئيس مركز تونس للجامعة العربية برتبة أمين عام مساعد بوشر منذ أوت 2011(أي قبل ترشيح خشانة) واتخذت اجراءات لعرضه على الدورة 136 لمجلس الجامعة المنعقدة في سبتمبر 2011. ونفذت السفارة الخطوات الأولى للعرض الا أن تعليمات شفوية تلقتها من ديوان الوزير دعتها إلى طلب تأجيل النظر في الموضوع الذي سحب من جدول أعمال لجنة الشؤون الإدارية والمالية التي تمهد لأشغال مجلس الجامعة في سبتمبر 2011.
ولدى استفسار أحمد بن مصطفى من وزير الخارجية المولدي الكافي حول أسباب التأجيل أفاد أنه لم يقع سحب الترشيح بل مجرد ترحيله إلى الدورة المقبلة لمجلس الجامعة المزمع عقدها خلال شهر مارس 2012. إلا أنه علم خلال شهر ديسمبر بتقديم ترشيح السيد رشيد خشانة فقام بإرسال رسالة تظلم إلى رئيس الجمهورية الجديد المنتخب السيد المنصف المرزوقي راجيا منه إنصافه وتثبيته في هذا المنصب ويبدو أن قرار سحب الترشيحين جاء كنتيجة لهذه المساعي .
ومن خلال هذه التطورات يمكن ابداء الملاحظات التالية :
– ان موظفي وزارة الشؤون الخارجية أصبحوا حساسين لتعيين أشخاص من خارج الوزارة لمناصب ديبلوماسية أو في منظمات دولية . ورأينا رد فعلهم على تصريحات الوزير في برنامج تلفزي حين ترك الباب مفتوحا حول امكانية تعيين ديبلوماسيين من خارج الوزارة . وعليه يمكن تفسير سحب الترشيحين بهذه الحقيقة الجديدة في مزاج اطارات وزارة الخارجية . وبهذا المعنى يمكن اعتبار العودة الى ترشيح أحمد بن مصطفى ابن الوزارة تجسيدا لهذه التوجه الجديد .
– قد يكون التظلم الذي بلغ الى رئيس الحكومة ورئيس الدولة أتى أكله حيث أن المسؤولين لا يريدان أن يبدآ عهدهما بتزكية “مظلمة” تعرض لها ديبلوماسي رغم أن رشيد خشانة لا دخل له في هذه المظلمة ان حصلت .
– سبق لرئيس الجمهورية أن ذكر أن عديد التعيينات الديبلوماسية كانت غير موفقة مما يعني أن الاتجاه سيكون نحو مزيد الصرامة في الترشيحات للمنظمات الأممية والتعيينات في المواقع الديبلوماسية . وأن الاعفاءات ستتوالى بمجرد وجود مبرر لها . – الحزب الديمقراطي التقدمي لم يكن له موقف يذكر في الازمة اذا استثنينا مبادرة نجيب الشابي تجاه وزارة الشؤون الخارجية والتي أعلنت عنها “عرابيا” وذكرت سابقا . كما أن رشيد خشانة كان موقفه معتدلا . وترك الباب مفتوحا الى نوع من الأمل حين قال : لننتظر اجتماع مجلس الجامعة قبل القمة في بغداد .وكأنما الحزب لا يريد أن يصعد موقفا أو لديه تطمينات بحل وسط لاحقا ؟
– رشيد خشانة ذكر في حواره مع موقع “التونسية “أن علاقاته جيدة بالنهضة وأورد اشارات من النضالات المشتركة في التسعينات وما بعدها . الا أن علاقات خشانة بالاتجاه الاسلامي قبل ذلك كانت متوترة على ما يبدو باعتبار أن اليساريين والقوميين (الذين ينتسب اليهم خشانة ) كانوا يعتبرون من موقع عقائدي الاتجاهات الدينية عدوا يجب مواجهته .ورشيد خشانة كان مراسلا منذ أواخر السبعينات لعديد الصحف الشرق أوسطية . فضلا عن أن موقف الحزب الديمقراطي التقدمي عاد الى عديد القناعات السابقة التي تشكك في التوجهات الديمقراطية والسلمية للنهضة وأصبح طوال الحملة الانتخابية الخصم الأول للنهضة . فهل يكون ترشيح خشانة طرح جانبا لمثل هذه الأسباب؟