تونس-افريكان مانجر
لعلها المرة الأولى التي يتحدث فيها وزير الشؤون الخارجية التونسي نبيل عمار بصراحة غير معهودة أمام وسائل الاعلام المحلية ، عن الاتهامات التي تتعرض لها وزارته خاصة تلك التي تهم التعطيلات و التأخيرات في أعمال بعثاتهم الديبلوماسية أو دورهم في جلب المستثمرين .
بنبرة حازمة انطلق عمار أمس في ندوة صحفية قائلا :”اليوم لن نضيع وقت بعض في اشياء معلُومة ..لكننا يجب ان نؤكد على ضرورة تحمل كل طرف مسؤوليته وحاولنا في الكثير من المرات تفسير مجال عملنا و حدود اختصاصاتنا بالقانون .”
الوزير تعمد التذكير في عديد المناسبات بأنه لا يتهم أو يقصد طرفا حكوميا معينا بقدر ما و أنه يضع إصبعه على الداء ..إلا ان خفايا كلامه تدل على انه “كاظم للغيظَ” من تقصيرات البعض تاركين التهم تنسب لوزارة الخارجية .
أولى الرسائل كانت بمثابة رد على المنتقدين لأعمال بعثاتهم حيث قال الوزير :”كنا واضحين و قلنا اننا لن نتملص من مسؤولياتنا ..لكننا لن نقبل تحمل اخطاء او تقصيرات الاخرين و أرى اننا الان في الاتجاه الصحيح “.
و في هذا السياق اشار عمار على سبيل الذكر و ليس الحصر مسألة استخراج جوازات السفر للمواطنيين بالخارج فأشار :”طالبنا بمدنا بجوازات السفر « العذراء » في كل مكاتب البعثات الديبلوماسية للتخفيض من فترات الانتظار ..فالبطئ في معالجة الاوراق الرسمية ليست وزارة الخارجية أو بعثاتها هي السبب الرئيسي فيه ..هنالك عدة هياكل اخرى تتولى العملية لكن النقد و التوبيخ من قبل المواطنيين يكون متجها لنا …نحن نريد مصارحة الجميع لبناء علاقة ثقة بين السلك الديبلوماسي و التونسيين بالخارج “.
و أفاد الوزير بأنهم قد قاموا بعرض كل هذه النقاط لدى السلطات المعنية و الهياكل المتداخلة مشددا على وضوحهم في معاملاتهم مضيفا :”ربما في السابق كان الجميع يريد تلطيف الاجواء.. لكن هذا غير مقبول الان لاننا يجب نعترف و تتحدث في حالة وجود مشكلة حقيقة .”
و دعا نبيل عمار التونسيين بالخارج إلى تجنّب بعض التصرفات التي تسيء لصورة تونس على غرار ترك جميع العمليات الادارية الى اخر الاجال، مما يسبب الاكتضاض في بعض القنصليات أو السفارات موضحا بان الوزارة تتجه الى اعتماد تقنية الموعد الرقمي E-Rendez Vous .
الرسالة الثانية في ما يبدو كانت موجهة للبيوقراطية القاتلة للادارات التونسية ، مبينا بأن وزارتهم جهزت ملفا كاملا يهم تحسين أو التفويت في البعض من مقاراتها في الخارج بسبب تقادمها إلا هذه العملية معطلة الى الان رغم ما يمكن ان تجنيه الدولة من ربح من بيع بعضها أو تحسين اخرى و قال :”نحنا كبعثات ديبلوماسية لا علينا سوى نقل اغراضنا بعد استكمال الاجراءات لهذا فان الامر يخرج عن نطاقنا “.
الرسالة الثالثة كانت للمشككين في الدور الاقتصادي للديبلوماسية التونسية ، حيث اوضح وزير الخارجية بان الامر لا يقتصر على جلب المستثمرين فقال :”قمنا بجلب المستثمرين الاجانب و التونسيين بالخارج الا ان المسائل فيما بعد تتجاوزنا حيث سيجد هذا المستثمر قوانينا و بيروقراطية ادارية صادمة “معتبرا و ان الديبلوماسية الاقتصادية لا تقتصر على دور الخارجية بل هنالك تسهيلات و اجراءات اخرى يبحث عنها المستثمر و دورنا يقتصر على ايصال تحفظات هؤلاء الى السلطات المعنية .
و يقول الوزير ايضا انهم يعملون حاليا و بالتعاون مع وزارة الشؤون الاجتماعية على جرد كبير لكل الملحقين الاجتماعيين الموجودين بالقنصليات التونسية بالخارج حيث ثبت تعيين موظفين من ضعفاء الكفاءة معتبرا ذلك اهدارا للمال العام .
وكان لافتا أن وزير الخارجية التونسي قد كرر أكثر من مرة كلمة “تحمل المسؤولية ” دون ان يأتي على ذكر اية جهة معينة أو لوم واضح على طرف معين .
و تأتي هذه التصريحات اللافتة في ندوة صحفية خصصت في الأصل لتقديم الاجراءات الجديدة الخاصة بعودة التونسيين بالخارج مما يستنتج منه و أن نبيل عمار تعمد الحديث عن كل نقاط المذكورة سابقا و هي محل الملامة من طرفه .
و في سياق ذات الحديث لم ينسى عمار التذكير ببعض المواقف الديبلوماسية لتونس حيث اعتبر و أنه من حق تونس أن تبني علاقاتها الخارجية وفق مصالحها وأنها لا تقبل دروساً من أحد.
واوضح ذات المسؤول الحكومي “نحن لا نبتعد عن أي قطب.. والذين لديهم بعض القلق من ذلك هم خائفون على مصالحهم ونحن لم نتدخل في علاقاتهم مع غيرهم”.
وأضاف: “منذ زمن طويل كانت لتونس علاقات جيدة مع روسيا وإيران والصين.. وقد يكون هناك مسؤولون خائفون في تونس من هذه العلاقات.. ونعمل على ربط أكثر ما يمكن من علاقات الصداقة والشراكة ولا دخل لنا في المعارك السياسية في العالم حيث أن مصلحة البلاد في علاقات جيدة مع كل طرف يحترمنا.”
و ترافقت هذه التصريحات مع تصريح منسق السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل، الذي أكد فيه وجود “قلق” لدى الاتحاد الأوروبي من التقارب التونسي مع كل من روسيا والصين وإيران، وهو ما يعني ابتعادها عن المعسكر الغربي.