تونس ـ افريكان مانجر
مازالت عملية إيقاف المدون الاستقصائي ماهر الزيد وهو صحافي متعاون وموظف بالمحكمة الابتدائية، في الثامن من نوفمبر الجاري تثير عدة تساؤلات خاصة و أنّ القضاء وجه له تهمة حيازة وثائق إدارية تتعلق بقضايا الإرهاب، و الحال أنّه ليس الوحيد أو الاستثناء في المجال الإعلامي الذي يقوم بنشر ملفات أمنية.
فرغم أنّ التشريعات التونسية تمنع ربما هذا الأمر إلا أننا نرى و بصفة تكاد تكون يومية محاضر تحقيق و مستندات سرية تنشر في الصحف و القنوات التلفزية و الإذاعية من دون ملاحقات قضائية.فلماذا ماهر الزيد بالذات؟
محاولة تقييد لحرية الإعلام
“إيقاف ماهر الزيد على خلفية استعماله محاضر عدلية و ملفات ذات صبغة إرهابية في موضوع إعلامي هو رسالة إلى الإعلاميين و المواطنين بان يُلجموا أفواههم و هي محاولة جديدة من السلطة لترهيب الإعلاميين”، بحسب ما صرّح به اليوم الثلاثاء 19 نوفمبر 2013 عضو المكتب التنفيذي لنقابة الصحفيين منجي الخضراوي لـ”افريكان مانجر”مشيرا إلى انه و بمقتضى المرسومين عدد 115 و 116 فإنه من حق المواطن النفاذ إلى المعلومة،ومن حق أي ناشط في المجال الإعلامي التحصل على المعلومة لكشف الحقيقة و رفع اللبس عن أي موضوع.
و أضاف المصدر ذاته أن استمرار حملة الاعتقالات في صفوف الصحفيين هي مسّ من حرية الصحافة.
و ردّا على سؤال يتعلق بتحرّك النقابة تجاه هذا الموضوع قال منجي الخضراوي إن نقابة أعوان العدلية مُطالبة بالتحرك لمساندة ماهر زيد ونقابة الصحفيين ستساند أي تحرك في هذا الإطار، وفق تعبيره.
عملية مدبّرة
إجابة الخضراوي لم تُقنع كثيرا محامي الدفاع أنور أولاد علي التي اعتبرها في تصريح ل”افريكان مانجر”محاولة من النقابة للتنّصل من مسؤوليتها تجاه الموقوف،و الحال أنه يملك وثائق تثبت إتنمائه للقطاع وقد انقطع عن عمله بالمحكمة منذ أشهر.
وأضاف أن التحركات المشروطة تمسّ بمصداقية العمل النقابي أو الجمعياتي. و من هذا المنطلق اعتبر الأستاذ أولاد علي أن نقابة الصحفيين تتعامل بسياسة المكيالين مع الصحافيين، و لأنّ ماهر زيد على حدّ قوله لا تقف وراءه أحزاب و منظمات حقوقية ظل إلى اليوم رهن الإيقاف على خلاف غيره من الصحافيين والمدونين الذين أُطلق سراحهم في نفس اليوم الذي استمع إليهم فيه قاضي التحقيق.
و بيّن محامي الدفاع أن إيقاف ماهر الزيد يُعدّ سابقة خطيرة في تونس لأنه المرة الأولى التي يحاكم فيها صحفي بمقتضى قانون الإرهاب.
و في سياق متصل قال إن عملية الإيقاف موضوع مدبر حتى قبل ظهوره في قناة المتوسط حيث تحدث عن تورط بعض المسؤولين الأمنيين في قضايا فساد و لم تكن وليدة الصدفة.كما اعتبر أنّ إيقاف ماهر الزيد محاولة لترهيب الإعلاميين و رسالة تحذيرية لكل من يحاول إثارة مثل هذه المواضيع.
و في السياق ذاته قال الكاتب العام المساعد لمركز تونس لحرية الصحافة سليم بوخذير ل”افريكان مانجر”إن اعتقال ماهر الزيد ضرب جديد لحرية الصحافة خاصة و أن المعايير الدولية توجب للصحفي الاحتفاظ بمصادر معلوماته، مضيفا أنه لا يجوز محاكمة أي صحفي على خلفية قضايا نشر. و أكد سليم بوخذير عن مساندة مركز تونس لحرية الصحافة لماهر الزيد ومطالبته بالإفراج عنه و احترام حقه في التعاطي مع المعلومة.
الزيد منتفع بالعفو التشريعي العام
وكان ماهر الزيد قد ظهر في قناة المتوسط يوم 3 أكتوبر الماضي و صرّح خلالها بوجود خروقات في الأجهزة الأمنية التي وعد بالكشف عن المزيد من المعلومات حول المتورطين في قضية اغتيال الشهيد شكري بلعيد.
و قد تمّ إيقافه مثلما سبق و ذكرنا في الثامن من شهر نوفمبر الجاري بطريقة فجئية في ساعة مبكرة جدا و دون أن يتم إعلام عائلته بأسباب الإيقاف، وقد رجحت بعض الأطراف وقتها أن يكون الاعتقال سببه قضية تقدم بها ضده يوم 4 أكتوبر الماضي كلّ من المدونان الاستقصائيان رمزي بالطيبي و ألفة الرياحي ضده على خلفية تصريحات اتهمهما فيها بالتآمر على امن الدولة و تقديم وثائق و معلومات مغلوطة، ومثلت هذه القضية مسار الملاحقة القضائية ضده.
و ماهر الزيد ليس الاستثناء في القطاع الإعلامي الذي يتم إيقافه لكنه و بحسب تصريحات سابقة للمحامي أنور أولاد علي فإنه و عقب اغتيال شكري بلعيد في 6 فيفري 2013 خرج على حدّ قوله” قرابة ثلاثة صحفيين على الأقل منهم زياد الهاني ورمزي بالطيبي وسفيان بن فرحات وكلهم قالوا إن عندهم معلومات في القضية من مصادر أمنية وتم استدعاهم من طرف قاضي التحقيق للإصغاء إلى شهاداتهم كشهود وليس كمتهمين ولأول مرة حضر محامون مع المستدعين كشهود وهذا أمر غريب لأنه في الأصل المحامي لا يحضر إلاّ مع المظنون فيه أو ذو الشبهة ولا يحضر مع الشهود لأنهم ليسوا في حاجة للدفاع عنهم”، وفق تعبيره.
يشار إلى أن مدونين آخرين عرفوا بنشاطهم الالكتروني قاموا أيضا بالكشف عن وثائق أمنية حساسة إلى أنه لم يتم ايقافهم والتحقيق معهم على غرار ما وقع مع الإعلامي ماهر الزيد الذي لم يحظى في المقابل بهبة النشطاء الالكترونيين والمدونين للدفاع عنه على غرار ما وقع لزملائه.
و في انتظار ما ستكشف عنه القضية في قادم الأيام نُشير إلى أنّ الصحفي الاستقصائي وكاتب المحكمة ماهر زيد تم اعتقاله في عهد النظام السابق بموجب قانون الإرهاب وذلك على خلفية انتمائه لتيار السلفية الجهادية، ليتمّ انتدابه مؤخرا بالمحكمة الابتدائية بتونس العاصمة في إطار برنامج المنتفعين بالعفو التشريعي العام، وهو العامل الأساسي ربما وراء إحجام الناشطين عن الدفاع عنه..