تونس-افريكان مانجر
بات من الواضح ان تونس دخلت مرحلة جديدة يعتبرها مراقبون للشأن السياسي مرحلة تأسيسية عادت بنا الى ما بعد 14 جانفي 2011، إلا أنها مرحلة تضمنت فوارق متعددة على كل الأصعدة سواء السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية و يرى فيها البعض ان الرئيس هو صاحب السلطة الواحدة و القرار الأوحد.
و قد استند رئيس الجمهورية قيس سعيد في بداية هذه المرحلة الاستثنائية الى الفصل 80 من الدستور و التي على أساسها أصدر في 25 جويلية الماضي قرارات تم بمقتضاها إقالة رئيس الحكومة هشام المشيشي و تجميد جميع اختصاصات البرلمان.
وهي إجراءات عارضها تقريبا كل السياسيين باستثناء بعض قياديي حركة الشعب الذين أكدوا في عديد المناسبات مساندتهم لهذه القرارات، في المقابل و في قراءة دستورية لهذه الإجراءات اعتبر أساتذة القانون الدستوري أن رئيس الجمهورية تعسف على الدستور في ما يتعلق بتجميد البرلمان حيث ينص الفصل 80 على ضرورة بقاء مجلس نواب الشعب في حالة انعقاد دائم.
أوامر
و في مرحلة أخرى و في ساعة متأخرة من ليلة الاثنين 24 أوت 2021، أعلن رئيس الدولة عن قرار التمديد في التدابير الاستثنائية إلى إشعار آخر . ثم وفي 20 سبتمبر الجاري، وفي خطاب استثنائي مباشر من ولاية سيدي بوزيد، أعلن سعيد مواصلة العمل بالإجراءات الاستثنائية ولكن مع وضع أحكام انتقالية تجسدت خلال يومين في أوامر صدرت بالرائد الرسمي تمثلت في مواصلة تعليق جميع اختصاصات مجلس نواب الشعب، ومواصلة رفع الحصانة البرلمانية عن جميع أعضائه، ووضع حد لكافة المنح والامتيازات المسندة لرئيس مجلس نواب الشعب وأعضائه.
أما الباب الثاني، فقد ورد في 4 فصول، وتعلّق بالتدابير الخاصّة بممارسة السلطة التشريعيّة، حيث نصّ في الفصل الرابع على أنّ إصدار النصوص ذات الصبغة التشريعية يتمّ في شكل مراسيم يختمها رئيس الجمهورية، ويأذن بنشرها بالرائد الرسمي وذلك بعد مداولة مجلس الوزراء.
ووفق الفصل الخامس من هذا الباب، فإنّ النصوص التي تتخذ شكل مراسيم، تتعلّق بالموافقة على المعاهدات، وتنظيم العدالة والقضاء، وتنظيم الإعلام والصحافة والنشر، وتنظيم الأحزاب والنقابات والجمعيات والمنظمات والهيئات المهنية وتمويلها، إضافة إلى تنظيم الجيش وقوات الأمن الداخلي والديوانة، والقانون الانتخابي، والحريات وحقوق الإنسان، والأحوال الشخصية، والأساليب العامّة لتطبيق الدستور.
وفي ما يتعلّق بالسلطة التنفيذية،فقد نصّ الفصل الأول على أن يتولى رئيس الجمهورية تمثيل الدولة وضبط سياستها العامة
واختياراتها الأساسية، وعلى أن يسهر على تنفيذ القوانين ويمارس السلطة الترتيبية العامة. وله أن يفوض كامل هذه السلطة أو جزءا منها إلى رئيس الحكومة.
كما نصّ على ممارسة رئيس الجمهورية لجملة من الوظائف، على غرار القيادة العليا للقوات المسلحة وإشهار الحرب وإبرام السلم بعد مداولة مجلس الوزراء، وإحداث وتعديل وحذف المؤسسات والمنشآت العمومية والمصالح الإدارية وضبط اختصاصاتها وصلاحياتها.
أما القسم الثاني من الامر المتعلق بالسلطة التشريعية، و النقطة التي أثارت الجدل، فقد تطرّق إلى تكوين الحكومة من رئيس وزراء وكتاب دولة يعينهم رئيس الجمهورية، على أن تسهر على تنفيذ السياسة العامة للدولة طبق التوجهات والاختيارات التي يضبطها رئيس الجمهورية.
و في علاقة بالدستور، قرر سعيد، مواصلة العمل بتوطئة الدستور وبالبابين الأول والثاني منه وبجميع الأحكام الدستورية التي لا تتعارض مع هذه التدابير الاستثنائية فضلا عن إلغاء الهيئة الوقتية لمراقبة دستورية القوانين.
ردود فعل قانونية
كل هذه الأوامر و التدابير، أثارت ردود فعل مختلفة و متباينة لأساتذة القانون الدستوري، حيث اعتبرت أستاذة القانون الدستوري منى كريم الدريري، أن الأوامر الصادرة عن رئاسة الجمهورية تؤسس إلى دكتاتورية يأتم معنى الكلمة، وفق تعبيرها.
وقالت كريم، “استولى الرئيس على السلطة التشريعية وكامل السلطة التنفيذية وقراراته غير قابلة للطعن بالإلغاء و من شارك في إعداد هذا الأمر يتحمل مسؤوليته أمام التاريخ والتاريخ لا يرحم”.
وتابعت، لقد خرجنا من حالة الاستثناء ودخلنا في حالة الإعتباط.
من جهته، أستاذ القانون الدستوري جوهر بن مبارك، اعتبر في تدوينة له على صفحته فايسبوك مساء امس، أن ما أعلن عنه رئيس الجمهورية قيس سعيد لا يعدّ نظاما رئاسيا ولا هو رئاسوي و لا هو نظام يوصف أو يصنّف، مشددا على أن ما أعلن عنه هو نظام الحكم المطلق الغاشم و غير المسبوق، وفق تعبيره.
مواقف سياسية
ويبدو انه امام اجراءات و اوامر و قرارات رئيس الجمهورية، اصبحت المواقف الحزبية مشتركة او ربما موحدة، حيث أعلنت أربعة أحزاب كل من الاتحاد الشعبي الجمهوري، حراك تونس الإرادة، حزب الإرادة الشعبية وحركة وفاء عن تشكيل “الجبهة الديمقراطية وهي إسم للإطار السياسي الذي اختارت هذه الأحزاب أن تعتمده لتنسيق جهودها في مواجهة ما وصفوه بانقلاب قيس سعيد.
وجاء في نص البلاغ، أن هذه الجبهة ستكون مفتوحة لجميع القوى السياسية والشخصيات الوطنية التي تعارض الإنقلاب في إطار الدستور والقانون وبالوسائل السلمية وحدها لا غير.
كما اعتبر، كل من التيار الديمقراطي وافاق تونس والتكتل والجمهوري، اليوم الخميس 23 سبتمبر 2021، ان رئيس الجمهورية قيس سعيد فاقد لشرعيته بخروجه عن الدستور وأن كل ما بني على هذا الأساس باطل ولا يمثل الدولة وشعبها و مؤسساتها” محملة اياه “مسؤولية كل التداعيات الممكنة لهذه الخطوة الخطيرة”.
وأكدت هذه الأحزاب في بيان مشترك، انها “تعتبر الامر الرئاسي ليوم أمس “خروجا على الشرعية وانقلابا على الدستور الذي اقسم رئيس الجمهورية على حمايته ودفعا بالبلاد نحو المجهول”.
وأعربت عن رفضها “استغلال رئيس الجمهورية الإجراءات الاستثنائية في مغالطة للتونسيات والتونسيين وفرض خياراته السياسية الفردية كأمر واقع وذلك على حساب الأولويات الحقيقية وعلى رأسها مقاومة الفساد ومجابهة التحديات الاجتماعية والاقتصادية والمالية والصحية”.
اما حركة النهضة، المعارض الاول و الابرز للرئيس او ربما كذلك اكثر المتضررين من قرارات رئيس الجمهورية باعتبار ان رئيسها هو رئيس البرلمان، اعتبرت كل ماحدث انقلاب، وقال الغنوشي في تصريح لوكالة “رويترز”، إن خطوة رئيس الجمهورية قيس سعيد بشأن تدابير استثنائية جديدة تشمل البرلمان “هي إلغاء للدستور ونحن لا نوافق على هذا”.
في قراءة لكل هذه الأحداث، فانه من الممكن القول ان ما قام به رئيس الجمهورية يعتبر في عديد من الجوانب توجه نحو تغيير وجهة المنظومة السياسية الحالية وهو انفراد بالحكم ليكون هو الحاكم بأمره.
كما يراها البعض مراوحة بين انقلاب عن الشرعية و تعسف عن الدستور و هو خروج عن المسار الديمقراطي، الا انه يبقى كذلك في بعض جوانبه استجابة من رئيس الدولة قيس سعيد لفئة من الشعب او بالأصح لناخبيه “2.7 مليون صوت”، الذين رفعوا في عديد المناسبات شعارات تطالب بحل البرلمان و تغيير النظام.
ولايخفى عن الجميع كذلك ان النخبة السياسية التي حكمت البلاد طيلة السنوات العشر الماضية و التي استفادت بشكل او بآخر من الوضع السياسي ما قبل 25 جويلية 2021، تتحمل نتيجة ما آلت إليه الأوضاع فهي في الواقع هي التي أجهضت المسار الديمقراطي، من الجانب السياسي عبر رفض تعديل القانون الانتخابي و عدم استكمال إرساء المحكمة الدستورية فضلا عن برلمان اقرب ما يكون الى حلبة صراع بعيدة كل البعد عن الواقع التونسي ومن ناحية اقتصادية عبر تراجع نسب الاستثمار و ارتفاع نسب الدين الخارجي ونسب المديونية التي تجاوزت 100%; علاوة على نسب النمو السلبية التي بلغت في الثلاثي الأول للسنة الحالية 3%. وما خفي أكيد أكثر خطورة.
جدير بالذكر، فان الرئيس قيس سعيد هو سابع رئيس للجمهورية التونسية و هو الرئيس المنتخب الثاني بعد الراحل الباجي قائد السبسي.