تونس-افريكان مانجر
يُعد ميناء رادس في تونس أهم ميناء في البلاد حيث يعتبر شريان الاقتصاد الوطني بالنظر إلى حركة الحاويات و حجم المبادلات التجارية فيه من عمليات التصدير و التوريد و يؤمن حوالي 70% من الحجم الجملي للبضائع من كل الموانئ البحرية التجارية.
ويحتوي الميناء على 7 أرصفة تشتغل بصفة فعلية في الميناء وهي موزعة بين 3 أرصفة مخصصة للحاويات تتضمن عمليات التصدير و التوريد و 4 أرصفة مخصصة للمجرورات من السفن.
وتقوم الشركة التونسية للشحن والترصيف “الستام” بتأمين كامل نشاط شحن البضائع و تفريغها من السفن الراسية بالميناء الى جانب تخزين البضائع بالمسطّحات المينائية وحراستها ثم تسليمها إلى أصحابها وذلك في إطار عقد لزمة يُمكنها من التصرف بشكل حصري في ميناء رادس و الذي تم ابرامه منذ سنة 2005 و يتواصل على امتداد 30 سنة.
وعلى الرغم من أهمية نشاط “الستام” ومجالات تدخلها في الميناء المذكور إلا أنها و كغيرها من المؤسسات العمومية تعاني من عديد الصعوبات و المشاكل و النقائص على حد السواء و تنتظر إصلاحات عميقة و جذرية تٌخرجها من الأزمة، وفق تأكيد الرئيس المدير العام للشركة عصام الجواني.
الصعوبات
وفي حوار مطوّل خصّنا به الرئيس المدير العام لشركة الشحن و الترصيف رافقته زيارة ميدانية الى ميناء رادس، أكد عصام الجواني، ان المؤسسة تعرف عديد الصعوبات أهمها المادية والمالية فهي مُلزمة بخلاص الساعات الإضافية التي أصبحت ضرورية بالنسبة لموظفيها حسب ماينص عليه نظام العمل المعمول به منذ تأسيسها.
إلى جانب إشكاليات أخرى متصلة بالبنية التحتية المهترئة للميناء وبعض العوائق التي تتسبب فيها عديد الأطراف المتدخلة في نشاط الشركة بشكل مباشر و غير مباشر.
تغيير القانون الداخلي
وفي معرض حديثه عن الإشكاليات ذات العلاقة بالموظفين والساعات الإضافية التي تتسبب في خسائر مالية هامة، أوضح الجواني انه يتم العمل حاليا على تغيير قانونها الداخلي حيث سيتم التوجه نحو التخلي عن احتساب هذه الساعات في الأجر و تعويضها بمنحة الإنتاج، وفق قوله.
ولفت محدثنا، إلى أن هذا التوجه الجديد للشركة والذي مازال قيد الدرس سيتم العمل عليه بالتنسيق مع الأطراف الاجتماعية بهدف إحداث نظام تأجير جديد يُخفف الضغط على المؤسسة و يكون مربحا للموظف قي آن واحد.
و من بين الإشكاليات الأخرى التي تعمل المؤسسة على تجاوزها و اصلاحها بشكل جذري هي تلك ذات العلاقة بتأخر عمليات التفريغ حيث يكلف التأخير معاليم باهضة فضلا عن كونها تمثل عائقا أمام سيولة الحركة التجارية واللوجستية.
وشدد الجواني، في هذا السياق على انه لا وجود لبواخر راسية أو في الانتظار منذ حوالي 6 أشهر مشيرا إلى ارتفاع مردودية مناولة السفن خلال الثلاثية الأخيرة من سنة 2020 و استقرارها بمعدل 12 حاوية في الساعة و هو ما ساهم في التراجع الكبير لعدد السفن الراسية.
واستنادا الى ما أكده الرئيس المدير العام لشركة الستام، فان ابرز العوائق كذلك التي تعطل و بشكل كبير عمل الشركة بالميناء و تعترض حتى تفعيل منظومة التصرّف الآلي في وحدات الشحن TOS و الأبواب الذكية SMART GATES، هو نقص الإمكانيات المادية و المعدّات على غرار مناضذ الحاويات و النقص المسجل في رافعات الحاويات ذات الهيكل المرتفع (RTG).
وبحسب محدثنا، فانه بالرغم من هذه العراقيل فان منظومة التصرف الآلي تشتغل بنسبة 80% .
تكلفة زهيدة
وعلى صعيد آخر، فان الحرفاء يتسببون كذلك في إشكاليات تعرقل عمل المؤسسة حيث يتعمد البعض التأخير في إخراج بضاعتهم خاصة وأن تكلفة التفريغ و التنزيل تعتبر زهيدة حيث تتراوح بين 50 و 70د.
وأوضح في ذات السياق، ان التأخير يتعلق أحيانا بأسباب أخرى إما استكمال الوثائق الديوانية و الإجراءات وغيرها.
وبسؤال افريكان مانجر، عن أسباب عدم الترفيع في تكلفة التفريغ و التخزين و التنزيل، أشار إلى أن هذه المسألة تتجاوز الشركة التونسية للشحن و الترصيف باعتبار ان إقرار الزيادة يمر عبر عدة مراحل أولها ضرورة تداولها في مجلس وزاري يجمع وزارة النقل والتجارة ثم عرضها على مجلس المنافسة الذي تتدخل فيه عديد الأطراف والتي قد ترفض الترفيع على غرار منظمة الأعراف وقد تعارضه حتى سلطة الإشراف باعتبار أن الوضع الاقتصادي الحالي لا يمكن أن يحتملها فضلا عن أن أي زيادة ستنعكس مباشرة على كلفة عبور البضائع وبالتالي على أسعار المواد الاستهلاكية وسيتحمها في نهاية الأمر المواطن التونسي، وفق تقديره.
السرقات
وفي ما يتعلق بالسرقات التي تتعرض لها البضائع بالميناء، أفاد محدثنا بأن الشركة تتعامل معها حيث تم في إطار حماية السلع خاصة منها التي يمكن أن تكون مستهدفة على غرار السجائر و المشرويات الكحولية تخصيص فضاء كامل لهذه الحاويات الخصوصية و تنصيب حراسة خاصة بها.
وبين أن عملية تامين الميناء كذلك تتجاوز الشركة لتشمل كذلك شرطة الحدود و الديوانة التونسية و ديوان البحرية التجارية و الموانئ باعتبار سلطتهم و تمتعهم بالضابطة العدلية.
نظام تأمين جديد
وتحدث عصام الجواني، في اطار تطوير منظومة التأمين، عن مشروع وصفة بالضخم يجمع كل الأطراف ويهدف إلى توفير و تعميم كاميرات المراقبة في كامل الميناء وقد طلبت الستام بالسماح لها بالتمتع بكل المعطيات التي تتعلق بها مشيرا الى ان هذا المشروع تقدم بنسبة 80%، وفق قوله.
وجدير بالذكر فان عدد الشحنات الموجودة في الوقت الراهن بالميناء تقدر بـحوالي 7الاف طن في حين ان طاقة الاستيعاب القصوى تبلغ 9الاف طن.
البنية التحتية
وأثناء زيارة ميناء رادس رفقة المدير العام للمؤسسة وعدد من إطاراتها اطلعت افريكان مانجر على ظروف العمل اليومية وعاينت البنية التحتية للميناء، التي و دون الاستعانة أو التوضيح من قبل المختصين يتبين أنها مهترئة و متآكلة ويمكن القول أنها غير ملائمة لممارسة النشاط اليومي للشركة بشكل جيّد وتتطلب تدخلا عاجلا وإصلاحا جذريا.
ويُشار الى أن البواخر القادمة إلى تونس لا يمكن أن تتجاوز حمولتها 800 حاوية باعتبار أن عمق المياه لايتجاوز 9 أمتار وهو مايفرض بالتالي حجم معيّن للبواخر.
هبة مشروطة
وقد تفاقم الجدل و كثر الحديث في الآونة الأخيرة عن توسعة ميناء رادس عبر بناء الرصيف 8 و9، و في هذا الخصوص ابرز محدثنا أن ذلك في بداية الأمر يتطلب تفرقة الأنشطة حتى لا تتسبب عملية التوسعة في التزاحم و تداخل الأنشطة و تعطيل العمل.
وبخصوص الهبة الأمريكية المنتظرة لاستكمال بناء الأرصفة المذكورة، فان الإشكال الكبير المطروح اليوم، هو أن الجهة المانحة تشترط وجود شركة أخرى منافسة تعمل بالتزامن مع الشركة التونسية للشحن و الترصيف مشيرا إلى أنها لم تفرض و لم تقترح إلى غاية اليوم أي شركة بعينها.
وبين ان تدخل شركة أخرى بالميناء يتطلب إما أن تُطلق الحكومة عرض طلب خاص بالأرصفة يتم على إثره اختيار شركة تشتغل مع الشركة التونسية للشحن و الترصيف.
أو أن تأخذ الشركة التونسية للشحن والترصيف بعد التفاوض مع كل الأطراف مسؤولية اختيار هذا الشريك.
وأكد انه قد تم الانطلاق في دراسة منذ سنة 2020 لتشخيص الوضع العام للشركة سيتم على ضوءه اختيار مايتماشى مع مصلحة المؤسسة و الميناء.
كما قدمت، وفق محدثنا مؤسسة Mcc صاحبة الهبة المقدرة بـحوالي 150 مليون دولار، دراسة خاصة بكامل المنطقة من الطريق المؤدية إلى الميناء وصولا إلى الأرصفة و محطات التخزين.
وأشار الى انه سيتم اثر تقديم الدراسات عقد مجلس وزاري للتباحث حولها و من ثم إطلاق حوار مع الأطراف الاجتماعية لتحديد القرار النهائي.
وفي صورة استكمال و استيفاء كل المراحل المذكورة، فان مرحلة بناء الأرصفة و الأشغال ستستغرق 4 سنوات.
المؤسسة في الواجهة
وخلص الرئيس المدير العام للشركة التونسية للشحن والترصيف عصام الجواني، إلى أن عديد الإشكاليات تتجاوز الشركة بالرغم من كونها تتحمل مسؤولية بعض النقائص.
وقال، ان عملية الإصلاح تفرض تدخل عديد الأطراف المسؤولة في الدولة التي يجب ان تكون منسجمة مع بعضها البعض و على وعي بكل الصعوبات مشددا على انه في الظاهر تتحمل شركة الشحن و الترصيف مسؤولية الوضعية الحالية للميناء إلا انه في الواقع فان عملية الإصلاح الجذري هي شأن حكومي بالأساس، لافتا إلى أن الأزمة السياسية في البلاد والتي مازالت متواصلة أثرت على عملية الإصلاح و على الاقتصاد الوطني بشكل عام.
مؤشرات إيجابية
كما عبر الجواني عن أمله في تحسن وضعية الشركة في الأشهر القادمة خاصة بعد تراجع خسائرها في الأشهر الستة الماضية واستقرار مردودية مناولة السفن في حدود 12 حاوية ما سيمكن من الترفيع في رقم معاملاتها الذي بلغ السنة الماضية 170 مليون دينار بالرغم من تأثيرات جائحة كورونا التي انجر عنها انخفاض بنسبة 6% على مستوى مناولة البضائع.
وجدير بالذكر، فانه تم الأربعاء 31 مارس 2021، إمضاء البيان المتعلق بالمسار التشاركي في الإصلاحات الخاصة بالمؤسسات والمنشآت العمومية بين الحكومة و الاتحاد العام التونسي للشغل و الذي سينطلق بـ 7 مؤسسات عمومية من بينها الشركة التونسية للشحن والترصيف.