تونس- افريكان مانجر
ما إنفكت ظاهرة الانتصاب الفوضوي والتجارة الموازية بالأنهج الرئيسية لوسط العاصمة تتفاقم يوما بعد يوم، وباتت تكتسح اليوم مختلف الشوارع سواء نهج اسبانبا او اثينا او شارل ديغول او شارع باريس وجمال عبد الناصر… ولا يكاد يخلو أي شارع من الباعة المتجولين الذي “احتلوا الأرصفة واكتسحوا الطرق العام”.
خسائر فادحة
ورغم أنّ أغلبية الباعة يُعللون لجوؤهم للانتصاب الفوضوي بـ “الظروف الاجتماعية الصعبة والفقر والخصاصة”، فإنّ قراءات أخرى تُؤكد أنّ نسبة هامة منهم في وضع مادي جيّد ويرفضون من تلقاء انفسهم الانخراط في الاقتصاد المنظم، وبين هذا وذلك تبقى التجارة الموازية والتهريب ظواهر و”آفات” تُكبد الاقتصاد الوطني خسائر جبائية للدولة تقدر بنحو 1,2 مليار دينار في السنة منها 500 مليون دينار معاليم ديوانية.
ووفق نتائج أحدث دراسة انجزها حديثا المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية حول “سوق نهج إسبانيا او منهج الاقتصاد الشارعي في تونس”، فان أغلبية الباعة هم أصيلوا ولاية القصرين، 62 بالمائة يعتبرون عملهم غير ضار بالاقتصاد ويفكر نحو 84 بالمائة منهم في الهجرة غير النظامية، كما بينت الدراسة ان 33 بالمائة من المستجوبين يعتقدون ان التجارة الموازية مفيدة للاقتصاد المنظم فيما يرى 62 بالمائة ان تجارتهم لا تضر الأنشطة التجارية المهيكلة، في المقابل فان 97 % من الباعة المتجولين لا يتمتعون بالضمان الاجتماعي و82 % ليس لهم حسابات بنكية فيما عبرت 55 بالمائة من العينة المستجوبة عن تشاؤمها من تحسن وضعيتهم في المستقبل.
وفي ظلّ تنامي الاقتصاد الموازي، دعا رئيس المنظمة التونسية لإرشاد المستهلك لطفي الرياحي الى الإسراع بإيجاد حلول عاجلة واليات تسمح بإدماج الباعة المتجولين في الاقتصاد المنظم، وقال إنّ الهياكل الرسمية مطالبة بالتدخل للحدّ من انتشار ظاهرة الانتصاب الفوضوي.
وأشار الى الى ان الدولة مطالبة بتجفيف المنابع التي تُغذي السوق الموزاية وفرض مراقبة على عمليات التوريد.
الاقتصاد الموازي في ارقام
وبالعودة الى تقرير نشره البنك العالمي حول “مشهد التشغيل في تونس” خلال شهر ديسمبر الماضي، فإنّ نصف اليد العاملة في تونس تشتغل في القطاع الموازي، مشيرا الى انه من بين 2,8 مليون مشتغل في القطاع الخاص، يشتغل 1,55 مليون شخص في القطاع الموازي اي بنسبة تقارب 43,9 بالمائة، وذلك استنادا الى احصائيات 2019.
واعتبر التقرير ان اكثر من نصف السكان النشيطين ليس لديهم موطن شغل، إذ ان نسبة 47 بالمائة، فقط من السكان النشيطين الذين تتجاوز اعمارهم 15 سنة والمقدرة ب8,7 مليون نسمة، ينشطون في سوق الشغل في حين ان البقية اي 53 بالمائة (4,6 مليون شخص) لا يشتغلون وليسوا في وضع البحث عن شغل.
وذكر البنك العالمي في تقريره ان نسبة المشاركة في سوق الشغل في تونس تبقى مرتفعة مقارنة بمنطقة الشرق الاوسط وشمال افريقيا والتي تقدر ب43,2 بالمائة في سنة 2017 وذلك دون اعتبار البلدان ذات الدخل المرتفع، لكنها تعد ضعيفة مقارنة بالبلدان ذات الدخل المتوسط في العالم (64,9 في سنة 2017) ولدى تطرقه الى نسبة المشاركة النساء في سوق الشغل كشف التقرير أنها ضعيفة اذ لا تتجاوز 26,5 بالمائة مقابل 41,8 بالنسبة للرجال.
وتعد نسبة مشاركة النساء غير المتعلمات ضعيفة جدا ولا تتجاوز 8,7 بالمائة (سنة 2017) مقابل نسبة 14,2 سنة 2014.
سياسات اجتماعية
ويعتبر رمضان بن عمر الناطق الرسمي باسم المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعي أنّ الذين ينشطون في التجارة الموازية هم أشخاص أقصاهم الاقتصاد المنظم و”الدولة حاولت معالجة الازمة بالاعتماد على مقاربة التجارة المنظمة وهي مسألة غير ممكنة فباءت كل المحاولات بالفشل”، مؤكدا أنّ “هذه الظواهر يقف وراءها عجز الدولة عن خلق سياسات اجتماعية تحقق الاندماج لمختلف الفئات”.
وتابع المصدر ذاته في تصريح سابق لـ “افريكان مانجر” أنّه يجب التعامل إيجابيا مع الملف المطروح وليس بالمنطق الزجري، حيث اثبتت التجارب أنّ “القمع والعصا” وسائل لا تحلّ المشكلة ويجب فتح أطر للنقاش مع هؤلاء لإيجاد حلول تُرضي جميع الأطراف.
الحلول
وفي مسعى لايجاد حلول لهذه الظاهرة المقلقة، قال والي تونس كمال الفقي، ان الانتصاب الفوضوي، خاصّة في شوارع العاصمة، أصبح “ظاهرة مقلقة” و تتطلب إعادة النظر في كيفيّة التصرّف في الأسواق.
وكشف في تصريح ادلى به مؤخرا لاذاعة موزاييك اف ام، أنّ النقاش انطلق مع الولاية وباقي بلديات تونس العاصمة (8 بلديات) لإيجاد خطّة تصرّف في الأسواق.
ومن بين التصوّرات المقترحة هي تخصيص مساحات للتّجار وتنظيم طرق التصرّف فيها، كما سيكون التاجر مطالب بدفع مساهمة ماليّة بحوالي 22 دينارا و التي ستغطي له أعباء السوق وتغطيته الاجتماعيّة وأعباء أدائه وكراء المساحة في يومه، ليجد التاجر نفسه طيلة السنة قد دفع مستحقات صندوق الضمان الاجتماعي وأدائه ودفع أيضا مساهمة للبلدية.
وأكّد المتحدّث، أنّ هذا التصوّر سيكون فيه نقاشات مع مصالح بلديات العاصمة، وسيتمّ إعداده كنموذج، وسيكون قابلا للتطبيق خلال 6 أشهر قادمة، وشدّد الوالي على أنّه وجب إدماح “التّجار الجدد” بطريقة منظّمة.