تونس-افريكان مانجر
تعددت الاختلافات و تباينت الأراء حول مشروع الدستور الجديد موضوع استفتاء 25 جويلية 2022 الذي تم نشرها بالرائد الرسمي مساء الخميس 30 جوان 2022.
و بعيدا عن القراءات و المواقف السياسية من مشروع الدستور الجديد، فقد أجمع أغلب أساتذة القانون الدستوري، بأن هذا المشروع متضارب في بعض فصوله و يمهد لنظام غير متوازن يؤسس لحكم المستبد العادل.
دستور 2022… حمّـال أوجه
مضامين مشروع الدستور الجديد، حمالة أوجه و ما بني على باطل يبقي باطل، ذلك ما أكده سليم اللغماني رئيس الجمعية التونسية للقانون الدستوري.
وذكّر اللغماني، خلال يوم دراسي بكلية العلوم القانونية و السياسية و الاجتماعية بتونس اليوم الاثنين، خصص لتقديم قراءة لفصول المشروع الجديد، بالركائز القانونية التي بنيّ على أساسها الدستور الجديد و التي وصفها بغير الدستورية و الباطلة على اعتبار أن الأمر 117 المؤرخ في 22 سبتمبر 2021 خارج عن القانون الدستوري بالتالي فهو باطل و يجب كذلك اعتبار الأمر الرئاسي 578 المؤرخ في 30 جوان 2022 بدوره باطلا و الاستفتاء المزمع تنفيذه كذلك، وفق تقديره.
وشدد على أن كل ما بني على باطل فهو باطل، مشيرا إلى أنه في كثير من الأحيان فان بعض ما يبني على باطل يصبح واقعا لذلك لا يمكن غضّ الطرف عنه و لا بد من قراءة معمقة لكل فصول الدستور.
و أبرز اللغماني، أن المتعارف عليه فان الدستور هو نص يحمل تصور الدولة لهوياتها و لاختياراتها السياسية و هو نص يضمن الحقوق و الحريات و يرسي نظاما سياسيا يضمن علوية الدستور و دولة القانون، إلا أن محتوى الدستور المعروض و الذي سيتم الاستفتاء بشأنه مغاير لمحتوى الدساتير الديمقراطية.
وقدم أستاذ القانون الدستوري، قراءة لأغلب فصول الدستور الجديد، منطلقا بالفصل المتعلق بتغيير عبارة السلطة بالوظيفة، متسائلا في هذا السياق هل يكفي أن نتجنب استعمال كلمة سلطة كي ننفي السلطة؟.
و أضاف قائلا، “قطعا لا…السلطة هي هيكل له صلاحيات مستمدة من الدستور و في هذا المشروع وقع اختيار كلمة وظيفة عوضا عن السلطة في حين أن الوظيفة هي ممارسة سلطة لاختصاصاتها”.
و تابع، “لاشك أن هذا المشروع ينظم سلطات وعلاقات بين السلط و الأهم من ذلك هو تحقيق التوازن بين السلط إلا أن التوازن في هذا النص مختل لأبعد الحدود”.
و في باب الدولة و تحديدا الفصل 5 الذي ينص على أن تونس جزء من الأمة الإسلامية و على الدولة أن تعمل على تحقيق مقاصد الإسلام، اعتبر اللغماني أن هذا المعنى يؤسس لدولة دينية بينما دستور 2014 أسس لدين دولة و الفرق كبير بين دولة دينية و دين الدولة، فضلا عن أن هذا المشروع لم ينص على أن الدولة مدنية كما ورد بالفصل 2 في دستور 2014.
و عن باب الحقوق و الحريات، قال المختص في القانون الدستوري، أن هذا الباب رغم أنه دون مستوى دستور 2014 إلا أنه يُعد أفضل ما ورد في المشروع خاصة و أن قراءة معمقة للفصل 28 تبين انه قيّد حرية القيام بالشعائر الدينية و اشترط فيها عدم الإخلال بالأمن العام وهو مفهوم ضبابي و غير واضح.
و خلص المتحدث إلى أن الدستور الجديد لم يخرج من تذبذب دستور 2014 وهو نص حمال أوجه، وفق تقديره.
طبيعة النظام
وفي ذات السياق، تطرق اللغماني إلى طبيعة النظام الذي يسعى رئيس الدولة عبر الدستور الجديد لإرسائه، مؤكدا أن هذا النظام سيقوي موقع الرئيس أمام كل هياكل الدولة، سيّما و أن النظام الرئاسوي هو ذلك الذي يأخذ من البرلمان و الرئاسة كل ما من شأنه أن يعزز موقع الرئيس، بالإضافة إلى أن الرئيس في هذا المشروع غير مسؤول لا سياسيا و لا جزائيا وحالة الاستثناء فيه دون حد أو قيد.
هذا الى جانب التأسيس و التمهيد إلى النظام القاعدي عبر سحب الوكالة و مجلس الجهات و الأقاليم عوضا عن المجلس الاقتصادي و الاجتماعي الذي اقترحته الهيئة الاستشارية من أجل جمهورية جديدة و السكوت عن طريقة انتخاب النواب و عدم توضيحها.
و أوضح اللغماني، أن حذف الباب الاقتصادي و الاجتماعي في المشروع الذي تم نشره بالرائد الرسمي، سببه أن المجال الاقتصادي و الاجتماعي في النظام القاعدي متأت من الشعب ووضع باب محدد و خاص بهذا الجانب سيلغي إمكانية السلطة للقواعد، وفق قوله.
ولفت إلى أن رئيس الجمهورية في هذا المشروع اخذ حق الاستفتاء التشريعي المباشر و الدستوري المباشر أي أن تغيير الدستور يتم دون المرور عبر البرلمان، وهو ما لا يطبق في أي دولة ديمقراطية.
كما أشار إلى أن الحكومة التي ستعمل في إطار الدستور القادم في حال بقي على حاله دون تغيير وبعد مروره بالاستفتاء، فإنها ستكون رهينة إرادة رئيس الدولة و ستكون محصنة إزاء البرلمان.
القضاء
و استنادا للقراءة التي قدمها أستاذ القانون الدستوري بالجامعة التونسية، فان هذا الدستور فيه نسف لضمانات استقلال القضاء حيث ينص الفصل 120 على أن تعيينهم يتم من قبل رئيس الجمهورية على أساس الترشيح بينما ينص الفصل 106 من دستور 2014 على انهم يعينون على أساس رأي مطابق.
و ينص الفصل 121 على أنه لا تتم نقلة أي قاض دون رضاه أو إعفاءه أو تسليط عقوبة عليه إلا في الحالات التي يضبطها القانون، وهو ما يمكن اعتباره عودة لدستور 1959 .
و بخصوص المحكمة الدستورية، فانه يمكن اعتبار قرارات المحكمة الدستورية في المشروع الجديد غير ملزمة باعتبار أن الفصل 129 يقول ان قرارات المحكمة الدستورية ملزمة لجميع السلطات في حين لا وجود لسلطات في هذا الدستور.
وخلص سليم اللغماني، إلى أن كل من يعتبر أن الحكم الأفضل هو ذلك الحكم الذي يرتب الأمور ترتيبا تجعل السلطة تحدّ من السلطة، فان هذا المشروع متأخر عن دستور 2014 و بالنسبة لمن يعتبر أن الحكم الأفضل هو حكم المستبد العادل فان هذا الدستور هو أحسن من دستور 2014.
و بالنسبة لمن يعتبر انه سوف يقترع يوم 25 جويلية لصاحب المشروع أو ضد صاحب المشروع فان هذا النص لا يتعدى أن يكون حبرا على ورق.