تونس-افريكان مانجر
في ظل المشهد السياسي الحالي و بعد مرور اكثر من 1698 يوما من انقضاء الاجال الدستورية لتركيزها، مازالت المحكمة الدستورية تعاني مخاض ولادتها في البرلمان حيث شهدت الجلسة العامة المنعقدة اليوم الخميس 17 جويلية 2020، المخصصة لاستكمال انتخاب اعضاءها تعطيلا بسبب الصراعات السياسية و الحزبية داخل البرلمان.
و يعتبر العديد من الفاعلين السياسين والمراقبين من المجتمع المدني على غرار منظمة البوصلة ان ما يحدث في علاقة بالمحكمة الدستورية هو تلاعب بمسار العدالة الانتقالية و ارتهان للمحكمة للترضيات السياسوية والهيمنة الذكورية التي تتحمل الكتل البرلمانية مسؤوليتها.
مكسب تشريعي
من جانبها القاضية كوثر بن أحمد، في تصريح لافريكان مانجر، اعتبرت ان احداث المحكمة الدستورية يعد مكسبا تشريعيا هاما كرس من خلاله المشرع مبدأ دستورية القوانين حتى لا تتجاوز السلط التي تتكون منها الدولة حدودها و تتغول سلطة على سلطة.
تجاذبات حزبية
و استنادا لما أفادتنا به محدثتنا، فانه للاستفادة من احداث المحكمة الدستورية لا بد من توفير آليات واقعية إلا أنه بالرجوع إلى نص الدستور و القانون الأساسي للمحكمة الدستورية الصادر في 2015 اللذان يعتبران بمثابة مضمون ولادة هاته الهيئة القضائية المستقلة فإن إنشاء و إحداث المحكمة الدستورية بتشكيلتها التي تتكون من نخبة من رجالات القانون يبقى رهينة للتجاذبات الحزبية الفاعلة في المجتمع التونسي مما يشكل عارضا أمام إحداث هذه المحكمة و يبقى هذا المولود بمثابة الفكرة التي لم تتجاوز الورق خصوصا و أن مجلس النواب في تونس قد فشل للمرة السابعة من انتخاب أعضاء المحكمة الدستورية.
واشارت الى انه بالتمعن في محتوى هذه النصوص يتبين انها في ظاهرها تدل على وجود توازن بين السلط الثلاثة التي تتشكل منها الدولة عند تعيين أعضاء المحكمة الدستورية لكن من حيث واقع الحياة السياسية في تونس و في ظل النظام البرلماني التعددي الذي نعيشه الآن فإن مرجعية التعيين بالنسبة للسلط الثلاثة لا يمكن أن تتحقق لأن مجلس النواب يبقى رهينا للتجاذبات الحزبية الفاعلة في المجتمع التونسي و إن هذا التعيين يكاد أن يكون مستحيلا إلا إذا حصل اتفاق بين جميع الأطراف السياسية من أجل الحفاظ على مبادئ الديمقراطية بصفة خاصة و الوطنية بصفة عامة.
وتساءلت بن أحمد عن المرجعية التي يستند إليها كل من مجلس نواب الشعب و المجلس الأعلى للقضاء و رئيس الجمهورية في تقديرهم عند تعيين الأعضاء الأربعة الواجب اقتراحهم .
واعتبرت في هذا السياق، أنه من الثابت عدم وجود اجابة تشريعية واضحة لهذا السؤال ما عدى الخاصية الوحيدة المتعلقة بالاختصاص في القانون. و بذلك, فإن تعيين الأعضاء يبقى خاضعا لاعتبارات أخرى نجهلها تماما إلى حدود هذا التاريخ بما من شأنه أن يفسر الفشل الذريع الذي سجلته الدولة التونسية في محاولتها لتشكيل المحكمة الدستورية بهيئتها المستقلة التي حددها الدستور.
وخلصت كوثر بن أحمد، الى ان اختلاف التوجهات السياسية التي تعيشها تونس داخل و خارج البرلمان يحول دون بعث تلك المحكمة و فتح أبوابها للطعون لصعوبة حصول توافق بين نواب الشعب و الكتل النيابية التي هي في صراع دائم و مستمر دفاعا كلا عن موقفه تمثيلا لحزبه المنتمي إليه و دون الخوض في إثارة إشكاليات أخرى فإن هذا الاختلاف الإيديولوجي يعد سببا كافيا لإعاقة إحداث تلك المحكمة بصفة فعلية زيادة عن ذلك شرط حصول المترشح على أغلبية الثلثين من الأصوات أي 145 صوت من 217 صوت من ممثلي نواب الشعب و هو يعد أمرا مستحيل التحقق.
وبالرغم من اشتراط الفصل 148 من الدستور على أن المحكمة الدستورية يجب أن يتم إحداثها في أجل سنة من تاريخ الانتخابات التشريعية لسنة 2014, إلا أنه إلى حد هذا اليوم لم يتمكن بعد البرلمان من التوصل إلى انتخاب أربعة الأعضاء الذي يتعين عليه اختيارهم من ضمن المترشحين.
و قد طرح كذلك مقترح النزول بأغلبية الأصوات للاقتراع الأربعة أعضاء من قبل المجلس من أغلبية الثلثين أي 145 صوت إلى عتبة الأغلبية المطلقة أي 109 صوت لتلافي التعثر الذي شهده المجلس في الدورات السابقة.
الحلول
و وفق محدثتنا، فانه من الحلول المقترحة للاشكاليات المتعلقة بالمحكمة الدستورية، تكمن في منح الحرية لرؤساء السلط الثلاث في تعيين الأعضاء الأربعة بناء على الاختيار الشخصي لرئيس الجمهورية و رئيس مجلس النواب و رئيس المجلس الأعلى للقضاء باعتبارهم أعلى سلط في الدولة و الذين بدورهم انتخبوا من قبل الشعب مما يفترض و أن الشعب قد منحهم ثقته في توليهم مناصب القيادة و من خلالهم يختار الشعب أعضاء المحكمة الدستورية.
وليتحقق هذا التوجه، فإنه لا بد أن يقع اللجوء إلى تنقيح النص الذي يقتضي و أن تعيين أعضاء المحكمة يكون تباعا من مجلس النواب و رئيس الجمهورية و المجلس الأعلى للقضاء مشيرة الى ان هذه الأولوية التي منحت لمجلس النواب وأثبت الواقع أنها شكلت عائقا إلى حد الآن أمام إمكانية تعيين أعضاء المحكمة الدستورية يجب تجاوزها بتعديل النص من قبل لجنة التشريع.