قال الاستاذ الجامعي والخبير الدولي في الهجرة ,علي لبيب ل”أفريكان مانجر” أن قرار فتح الحدود الذي أعلن عنه الرئيس المرزوقي هو من أخطر القرارات التي اتخذت في فترة الترويكا.
واستغرب علي لبيب من صمت الأحزاب بشأنه لما يمثله هذا القرار من سابقة خطيرة في تونس ولما يعكسه من انفراد للرئيس بالرأي في موضوع مصيري من شأنه أن يحرج شركاءها ويربك دبلوماسيتها المعروفة بالرصانة والتروي…مشيرا الى أن القذافي هو الرئيس الوحيد الذي كان يفتح حدود ليبيا ويغلقها على هواه.
وبصرف النظر عن انعكاساته الاقتصادية والاجتماعية
فإن فتح الحدود يعني ضمنيا وفي جميع الحالات القبول بتنازلات تمس بالسيادة الوطنية. لذلك تبيّن كل تجارب الاندماج والوحدة ضرورة التروي والدراسة المعمقة واستشارة جميع مكونات المجتمع المدني وصولا إلى موافقة البرلمان بل وحتى إلى الاستفتاء. وهو ما يفسر رفض كل من الجزائر وموريطانيا لهذا القرار.
وأشار الخبير الدولي في الهجرة الى أن الجميع يعلم بأن رقيّ دول المغرب العربي يبقى رهين اندماجها ووحدتها وبالتالي فإن مآخذ التونسيين على قرار الرئيس لا تتعلق بمشروع الاتحاد المغاربي وإنما لأن الرئيس لم يستشرهم في أمر مصيري ولأنه يريد “تحضير الحصيرة قبل الجامع” ولأن قراره أحادي وتم على ما يبدواتخاذه دون مراجعة الشركاء المغاربيين.
واستشف على اللبيب من هذا القرار أن الرئيس غير ملمّ بموضوع حرية تنقل الأشخاص وتعقيداتها ولا يدري بأن هذه المسألة لا تتحمل الارتجال ولا الانفراد بالرأي,و أنه لا يجب الخلط بين حرية السفر و حرية تنقل السلع وحرية الاستثمار من ناحية وحرية تنقل الأشخاص وحرية الهجرة للعمل من ناحية أخرى .
ففي مجال حرية الأشخاص أكّد اللبيب أنه باستثناء الاتحاد الأوربي ومجلس التعاون الخليجي لا توجد حرية تنقل الأشخاص وحرية العمل داخل أية مجموعة دول من المجموعات المعروفة, كما أن حرية تنقل الأشخاص والتملك هي المرحلة الأخيرة في اندماج المجموعات . واستشهد الخبير بالتجربة الأوروبية مشيرا الى أن بناء الاتحاد الأوروبي بدأ سنة 1957 ولكن لم يبدأ بحرية تنقل الأشخاص إلا في سنة 1985. وأبرز أن تنقل الأشخاص والهجرة البينية في الاتحاد الأوربي وإلى حد ما في مجلس الخليج العربي مرّ بمراحل دامت عدّة عقودّ قبل الوصول إلى الحرية الكاملة للتنقل. وأضاف أنه مع هذا فإن مواطني بعض دول الاتحاد الأوربي مثل بولونيا ورومانيا لا يتمتعون إلى اليوم بحرية العمل داخل الفضاء الأوربي.
وتساءل علي لبيب كيف يمكن إعلان حرية التنقل في ظل التوترات الداخلية وفي الوقت الذي تم اعلان الجنوب منطقة عسكرية وفي الوقت الذي تفجرت فيه الأوضاع الاقليمية من ليبيا إلى مالي.
و يقول :”على أية حال وفي الوضع الراهن لن تجني دول المغرب العربي من حرية تنقل الأشخاص إلا المتاعب. ولكن هذا لا ينفي وجود مجالات عديدة للتعاون كتنمية التبادل التجاري والاستثمار وحرية تسجيل الطلبة في الجامعات المغاربية… فالأحرى بمسؤولي المغرب العربي هو تحريك المشروع وتجنب القرارات غير المدروسة لأنها تسيئ لبناء المشروع أكثر مما تخدمه.”
الخبير علي اللبيب أكّد أن القاعدة المتبعة في جميع دول العالم بالنسبة لهجرة العمل فهي قاعدة بسيطة وتتلخص في استيراد اليد العاملة كلما اقتضت الحاجة والاستغناء عنها عندما تنتفي تلك الحاجة. أما تونس اليوم فهي لا تحتاج لأيد عاملة إضافية من الخارج مهما كان صنفها. كيف لأن عدد العاطلين عن العمل يقدر بثماني مائة ألف عاطل وأن كثيرا من المنشآت معطلة وتراجع نشاطها بسبب الاحتجاجات والاعتصامات وغيرها. وأضاف الخبير الدولي : لو كان بتونس شغل لما وُجد “حراقة” بعشرات الآلاف ولما حث بعض الوزراء التونسيين على الهجرة إلى ليبيا ولما وعد بعضهم بتشغيلهم بقطر… وطالما أن وضع البلاد وضع استثنائي كان من الأحرى الإعلان عن اجراءات تقيّد أكثر من السابق تشغيل الوافدين مهما كانت أوطانهم. وهذا ليس فقط لاعطاء الأولوية للتونسيين وإنما لأنه من الثابت بأن العمال الأجانب ببلد متأزم يكونون دائما أول ضحايا التوترات التي تحصل بذلك البلد كما أنهم يُحمّلون دائما مسؤولية تفاقم البطالة في صفوف المواطنين الأصليين.
و شدّد علي اللبيب على أن القرار التونسي جاء أحادي الجانب وأن شركاء تونس سوف يحمّلونها مسؤولية ما قد يعرفه الوافدون من مصاعب متأكدة ومختلفة….
واضاف لبيب:” لا ندري إن فكّر الرئيس في تكلفة تلبية حاجات الوافدين من سكن وتغطية اجتماعية وتحويل مدخرات ومدارس لأبنائهم…وهي تكلفة لا أتصور أن تونس قادرة على تحملها إلا إذا اختارت استيراد العمال على الطريقة الخليجية أي “عمال دون حقوق”.
وعن الدخول ببطاقات تعريف وطنية,أشار الى أن السماح بالدخول إلى تونس بهذه الطريقة في الظروف الحالية الداخلية والإقليمية هو إجراء غير مسؤول لأنه يعرّض أمن البلاد إلى الخطر.
ويعلق الخبير الدولي في الهجرة بالقول :”في الأوضاع الراهنة بتونس لا أرى منفعة اقتصادية أو اجتماعية من فتح الحدود أمام أشقائنا المغاربيين. بل سوف يترتب عن قدومهم العشوائي مزيدا من الفوضى ومزيدا من التوترات التي تضر بالجميع.”