بقلم: عائشة بن محمود
أجواء الارتياح السائدة في المشهد السياسي التونسي حاليا منذ المصادقة الأحد الماضي على الدستور التونسي، و”الابتسامات العريضة” التي تملأ محيا السياسيين في تونس، وبصفة غير مسبوقة، منذ تسلم مهدي جمعة اليوم مقاليد الحكم في تونس خلفا لعلي العريض، لا يمكن لها أن تحجب واقعا غير مريح تترجمه مؤشرات اقتصادية خطيرة كان يفترض أن تسرّع منذ مدة بتشكيل “حكومة طوارئ” مصغّرة تأخذ بعين الاعتبار الأزمة المتصاعدة التي يمر بها الاقتصاد التونسي منذ الإطاحة بالرئيس الأسبق يوم 14 جانفي 2011، لتصبح تونس على حافة انفجار اجتماعي بسبب انتشار الفقر وغلاء الأسعار.
ولا يُخفى على كل مراقب ملمّ بالشؤون الاقتصادية عملية “سحب البساط” التي قامت بها حكومة علي العريض، عشية مغادرتها الحكم، من خلال تراجعها عن فرض ضرائب إضافية كانت أقرتها لتمويل ميزانية الدولة للعام 2014 على السيارات الخاصة وملاحقة المتهربين من دفع الضرائب، من اصحاب مهن صغيرة وفلاحين، وسدّ باب التهرب الضريبي أمامهم.
وهي اجراءات أشعلت فتيل الاحتجاجات الاجتماعية في تونس لتسارع حكومة العريض بالتراجع عنها بعد أن تأكد لها خروجها من الحكم، وما سيؤدي إلى نقص في ميزانية الدولة لهذا العام بنحو 69 مليون دينار على الأقل، بحسب تقدير وزير المالية السابق إلياس فخفاخ.
ولم يقتصر الأمر على حد التّراجع عن هذه الضرائب فحسب بل ذهب إلى حد تعليق حكومة علي العريض لقرارات كان سيتم اتّخاذها بشأن إلغاء دعم مواد استهلاكية وأساسا المحروقات ومواد غذائية، وهو إجراء تشترطه في حقيقة الأمر مؤسستا “النقد الدولي” و”البنك العالمي” منذ تسعينات القرن الماضي مقابل تسهيلات مالية وعدت بها، وما انصاعت إليه حكومة علي العريض بالكامل.
ومن المهم الإشارة هنا إلى أن مهدي جمعة عندما كان وزيرا للصناعة في حكومة علي العريض، عبر بالكامل أيضا عن تأييده لإجراءات زيادة أسعار المحروقات التي لا تلقى شعبية في تونس.
تجدر الملاحظة أيضا أن علي العريض كان أقرّ أيضا قبل مغادرته رئاسة الحكومة ترسانة من المساعدات لفائدة فئات اجتماعية ضعيفة، ليخرج بوجه “المنقذ” للمواطن محدود الدخل الذي يمثل أكثر من ثلاثة أرباع المجتمع التونسي.
وانطلاقا من هذا المعادلات الاجتماعية والحسابات السياسية، يبدو أن مهدي جمعة سيعوّل في خطوة أولى على المساندة الأجنبية التي حظى بها سياسيا منذ البداية والتي كانت وراء تكليفه لرئاسة الحكومة في واقع الأمر مثلما كشفه تقرير لجريدة “لوموند” الفرنسية، إلا أن هذه المساندة سوف تكون بالتأكيد بمقابل، وبحسب المصلحة “الاستراتيجية” للطرف المساند.
أيضا، سيعوّل مهدي جمعة على مساعدات مؤسستي “النقد الدولي” و”البنك العالمي” التي حتما ستكون وفق شروط “حازمة” ستضع حكومة مهدي جمعة في مواجهة صعبة مع المواطن التونسي الذي أنهكه ارتفاع تكلفة المعيشة في ظل انتشار الفقر في تونس وضربه الطبقة المتوسطة في الصميم واستمرار البطالة وركود المشاريع.
سياسيا، يحظى مهدي جمعة بمساندة “الأقوى” والمتمثل في حركة النهضة صاحبة أكثرية المقاعد في المجلس الوطني التأسيسي، كما نجح جمعة وبفضل “نفوذ” سياسي يتمتع به ولم يكشف عن أوراقه، في إسكات أصوات نواب كانوا يسعون لمساءلته علنا حول شبهة فساد تحوم حوله في وزارة الصناعة التي كان يشرف عليها.
وانطلاقا من هذه الأرضية السياسية المريحة التي يتمتع بها مهدي جمعة، فإنه من المغالطات الحديث عن أي ضغط سياسي قد يتعرض له هذا الأخير وما قد يؤدي إلى فشله في تسيير هذه المرحلة الانتقالية، لأن فشله، وفي حال عجزه عن اقناع مسانديه “الأجانب” على ضخ أموال في خزينة بلاده، سيحسمه في واقع الأمر الشارع الذي سيرفض أي رجوع للمربع الأول عبر فرض ضرائب سهلة التحصيل، على المواطن والزيادة في الأسعار، وهو خيار في المقابل، لا مفر منه لتفادي إفلاس الدولة إلى حين انتعاش الاقتصاد التونسي وعودة ثقة المستثمرين بعد سنوات وليس أشهر مثلما يقع ترويجه من مغالطات.