بقلم: عائشة بن محمود
تسرّبت الشهر الماضي معلومات مهمّة عن عزل كوادر أمنية بوزارة الداخلية التونسية بعد انكشاف أمر تورّطهم مع ارهابيين في تنظيم “أنصار الشريعة” المحظور.
وكان مصدر مسؤول من وزارة الداخلية، طلب من “أفريكان مانجر” عدم الكشف عن هويته، أكّد أن خمسة كوادر أمنية تم عزلهم، نافيا أن يكون عددهم 120 مسؤولا أمنيا مثلما أوردته سابقا “الشروق” التونسية، فيما اعتبر أنه “من العادي أن تسجيل مثل هذه الحالات”، وفق تعبيره في محاولة منه للتقليل من شأن هذه الحادثة التي تنطوي في واقع الأمر على أسرار عديدة وعلى رأسها لغز “الارهاب” في تونس !
في المقابل، يلاحظ أن هذا الأمر، وعلى خطورته، مرّ مرور الكرام لدى السياسيين “الحاكمين” منهم و”المعارضين”، ومن دون ضجيج، ولم يكشف حتى عن أسماء المورطين، بغضّ النظر عن عددهم الحقيقي الذي يبقي محلّ شكّ في ظل عدم الكشف عن هويات “المعزولين” وعن مناصبهم ومهامهم بوزارة الداخلية.
وللتذكير، فإن الكاتب العام المساعد للنقابة الوطنية لقوات الأمن الداخلي رياض الرزقي أكد بدوره لـ “أفريكان مانجر” منذ 23 ديسمبر 2013، أنّ وزارة الداخلية قامت بالفعل مؤخرا بعزل مجموعة من الأمنيين على خلفية الاشتباه في تورطهم في تسهيل مهمة عمل عناصر سلفية تنتمي إلى تنظيم تيار أنصار الشريعة المحظور.
وعلى خلاف عادتها، تعمّدت وزارة الداخلية هذه المرة الصمت والاقتصار على الرد في سياق توضيحات فردية بدل من اصدار بيان للرأي العام التونسي، للإعلان رسميا عن حادثة عزل هؤلاء الأمنيين وعن مصيرهم والملفات التي تورطوا فيها مثلما يقتضيه الأمر، خاصة وأن هؤلاء تورطوا مباشرة فيما يحدث في منطقة “جبل الشعانبي” من ارهاب دولة ومسّ بالأمن القومي، وتشويه للسيادة التونسية بذبح حاميها.
ونطرح هنا أكثر من تساؤل، لماذا كل هذا التكتّم والتعتيم والسرية؟ هل يتعلق الأمر بأطراف سياسية بعينها أو جهات خارجية أو شخصيات بعينها نافذة في تونس؟
وهل أن الأمنيين “المعزولين” هم ذاتهم المورطين في مقتل جنود تونسيين وأعوان من الحرس الوطني في مواجهات مسلحة؟ وبالخصوص هل لهم يد في ذبح جنودنا واستباحة السيادة تونسية في أبشع الصور؟
وهل لهؤلاء علاقة مع جريمة اغتيال المعارضين شكري بلعيد ومحمد البراهمي؟ وما دورهم في شبكات تسفير مقاتلين إلى سوريا؟
وكيف كانت طريقة تخابرهم مع “الارهابيين”؟ وما شكل المساعدات التي قدموها للإرهابيين؟ وهل كان الأمر بمقابل من باب “الارتزاق” ليصنفوا “مرتزقة” أم من باب الانتماء إلى تنظيم بعينه؟ وهل هذا التنظيم هو التونسي”أنصار الشريعة” الذي يتزعمه المكنى بأبي عياض أم “أنصار الشريعة” الإقليمي؟
مجموعة من الأسئلة آثرت وزارة الداخلية التكتّم عنها والتعتيم عن حيثياتها، متجاهلة أن الأمر يمس جنودا “ذبحوا” وقتلوا شرّ قتلة وهم بصدد الدفاع عن وطنهم.
ومما لا شك فيه، كان من المفترض أن يكون حدث عزل هؤلاء حدثا وطنيا تهتز له كل البلاد، وأن يكون بالأساس بتحريك من مؤيدي الحكومة ومعارضيها على حد السواء، إلا أن هذا الصمت المطبق، وبغض النظر عن ملابساته، يؤكد فرضية أن “الارهاب” في تونس لغز يصعب فكّ طلاسمه بعد أن تبيّن حرب شهداءنا هي في واقع الأمر مواجهة مع أشباح مثلما وصفها أحدهم ذات مواجهة مع “ارهابيين” في سيدي علي بن عون بولاية سيدي بوزيد، “ملهمة الثورة التونسية”.