“لم نكن أبدا ضد صعود الحركات الإسلامية للحكم في تونس ولم نشعر قط أننا غرباء أو مهدّدون في بلادنا سواء قبل الثورة أو بعدها” هكذا تحدث إلينا البعض من يهود تونس المقيمين في مدينتي جربة وجرجيس.
فمع تصاعد وتيرة الأحداث الأخيرة والتهديدات الصريحة والمباشرة التي وجهتها بعض المجموعات السلفية لليهود المقيمين في تونس, بدأ الحديث حول مدى صحة هذه التهديدات وتأثيرها على سير حياة يهود تونس وأمنهم يتصدّر الاهتمام خاصة مع اقتراب موعد الحج بالغريبة.
“الحارة الصغيرة” و”الحارة الكبيرة”وزنقة اليهود”..كلها أماكن ارتبطت بهم وكانت مرابض لهم ولعائلاتهم,حجّر في زمن النظام السابق على كل “المتطفلين” دخولها أو الاقتراب منها.
ليوادافيد ,أصيل منطقة الحارة الصغيرة الرياض جربة (صاحب محل لبيع مواد البناء) عاد بنا إلى تاريخ حلول عائلته بتونس والذي يعود إلى مئات السنين واستعرض علينا طفولته التي قضّاها هنا إلى جانب باقي التونسيين ,فهو وكما ذكر لم يشعر ولو لوهلة واحدة أنه غريب عن المكان أو عن المقيمين فيه, كما أنه لم يتعرّض لأي سوء باستثناء حادثة “بسيطة” وقعت له زمن الصّغر وخيّر أن لا يتحدث عنها قائلا” هي حكاية تعود إلى الصغر عندما كنت في المدرسة ولا أريد أن أجعلها مقياسا لأنها صدرت عن أطفال صغار لا نستطيع لومهم.”
الموضوع بالنسبة إليه لم يتغير أبدا بعد الثورة وحتى بعد التهديدات التي تعرّضوا لها من قبل المجموعات السلفية, فالعلاقة التي جمعتهم بالتونسيين المسلمين بمختلف جوانبها تجارية كانت أم إنسانية هي علاقة طيبة يشوبها الاحترام المتبادل والتسامح وخاصة التضامن الذي لمسوه من التونسيين المسلمين خاصة أثناء ثورة 14 جانفي وأثناء الانفلات الأمني الذي شهدته البلاد.
وفي هذا الإطار يقول ليوادافيد:”عندما حدث الانفلات الأمني هرع مختلف الجيران لحمايتنا والسهر على ضمان أمننا وتلبية مختلف حاجياتنا فكنا ننام مرتاحي البال متيقنين من أن هناك عيون ساهرة لتحمينا وتبعد كل ما قد يلحق بنا الأذى,كما أنه ورغم الاعتداءات التي تعرّضت لها العديد من الشركات والمؤسسات والمحلات لم يلحق بأعمالنا شيئا ولم نتعرّض إلى أي اعتداء يذكر.”
أما عن صعود الحركات الإسلامية للحكم والتهديدات الأخيرة, فقد أكد ليوادافيد أن وصول النهضة للحكم لا يقلقهم ولا يخيفهم, لكنه فيما يتعلق بالتهديدات لم يخف تخوّفه من أن يتحوّل هذا الكلام إلى فعل واعتبر أن هناك أطرافا أخرى تقف وراء هذه المجموعات وتدعمهم وتحرّضهم لأن التونسيين وحسب قوله متسامحون ولا يمكن أن يفكّروا في إيذاء أحد.
وبالنسبة للتخوّف من هجمات مرتقبة خلال موسم الحج في الغريبة لهذه السنة ومدى الإقبال عليها في ظل الأوضاع الراهنة ,ذكّر ليوادافيد بحادثة الغريبة التي وقعت منذ 10 سنوات ,كما ذكّر أيضا بالمجهودات التي قام بها اليهود المقيمون في فرنسا وإيطاليا ومختلف الدول الأخرى في سبيل الحث على المجيء إلى تونس وترك المخاوف جانبا.
وكشف ليواداافيد أن ما ينقصنا في تونس هو الحوار الذي يعد الحلقة المفقودة مع هذه الجماعات,كما اعتبر أن الأمور ستسير على أحسن وجه خلال هذه السنة,خاصة مع تضامن أهالي المنطقة التي تجمعهم بهم روابط متينة.
من جانبه ,أكد يوناتان(20 سنة) أن الشعور بالخوف أثناء الثورة لم ينتب التونسيين اليهود فقط بل جميع التونسيين وقال أن تصريحات المجموعات السلفية أقلقتهم ,لكنهم في جربة وجرجيس يشعرون بالأمان والطمأنينة.
كما قال دانيال:”الوضع ليس كما تصوّره بعض وسائل الإعلام فنحن متعايشون ومتضامنون ولا خوف علينا من هذه المجموعات التي هي أقلية لا تمثل كل الشعب التونسي الذي تربطنا به علاقات جيدة ومتماسكة.
نحن أيضا لسنا ضد النهضة ولا يمكننا كذلك أن نجزم أن احتفالات الغريبة لهذه السنة ستمر بسلام فالاحتياط والحذر يبقيان واجبين.”
هو أيضا تونسي يهودي وعلى الرغم من إلحاحه على أن يستقبلنا في بيته إلا أنه رفض أن يفصح عن اسمه.
قال انه يشعر بالأمان في كل المنطقة المحيطة به على الرغم من الخوف الذي انتابه بادئ الأمر و أن المجموعات السلفية لا تمثل خطرا عليهم وحدهم بل على المسلمين أيضا وذلك من خلال الاختلاف والتصادم الذي وصل في بعض الأحيان إلى العنف على غرار حادثة منوبة.
لم يرد أن يجزم بان احتفالات الغربية ستتم في أفضل الظروف لكنه تمنى أن تعود الحياة إلى ما كانت عليه بما تتسم به من تضامن وتعايش واحترام.
أما عن دعوة إسرائيل اليهود التونسيين للعودة خوفا عليهم من أي اعتداءات تذكر,أبرز محدثنا أنهم تونسيون أصيلون وان تونس لها سيادتها ومكانتها كما انه من غير المعقول أن يتركوا ممتلكاتهم و يغادروا أصدقاءهم لبلد لم يعرفه الكثير منهم حتى .
ماعرابي(18 سنة) لم يخف قلقه كذلك من المجموعات السلفية لكنه اعتبر المساندة التي يلقونها من جيرانهم وأصدقائهم الذين هرعوا لحراستهم أثناء الثورة خير دليل على روح التسامح التي يتمتع بها التونسيون وقدرتهم على التعايش مع مختلف الديانات.
في الأثناء أشار ماعرابي أن الصورة الأولى التي نقلها الشارع إليهم عن حزب حركة النهضة كان هدفها تخويفهم في حين أنه لا داعي لذلك خاصة وأنه لم تصدر منها أي قرارات معادية.
وفيما يتعلق بالغريبة فقد أوضح أن احتفالات هذه السنة لن تكون مشابهة للسنوات السابقة ولن تحمل نفس الإشعاع,مشيرا إلى انه لا مجال للخوف آو الهلع.
شادية الهلالي