تونس- أفريكان مانجير
نفى اليوم الأربعاء 1 أوت 2012 متحدث باسم وزارة التجارة التونسية تقارير إعلامية حول خطة الحكومة لإيقاف توريد مواد استهلاكية قريبا ومن بينها الموز بسبب تقلص احتياطي تونس من العملة الأجنبية، في وقت أكد فيه مصدر مطلع أن تونس قد تلجأ لهذه السياسية العام المقبل.
وصرح محمد علي فرشيشي، المتحدث باسم الوزراة لـ “أفريكان مانجير” أن وزير التجارة أبلغه “أنه لا علم له بهذه الخطة الحكومية كما أنه لا يمكن لتونس القيام بهذه الإجراء في ظل اتفاقات التجارة الحرة التي تُلزمها مع منظمة التجارة العالمية”.
في المقابل، صرح مصدر رسمي مطلع لـ”أفريكان مانجير” فضل عدم الكشف عن هويته أن هذه الخطة الحكومية “وارد تنفيذها من خلال ميزانية 2013 لترشيد الاستهلاك وتوريد المواد الاستهلاكية اللازمة فقط والاستغناء لفترة عن تلك المواد الاستهلاكية غير الضرورية”، من دون الكشف عن تفاصيل قائمة هذه المواد، مكتفيا بالقول إن الظرف الاقتصادي الحالي لتونس يحتم على المسؤولين اللجوء إلى هذا البديل.
وحسب تقارير إعلامية نشرت اليوم في تونس نقلا عن يومية “المغرب” فإن الحكومة بصدد ضبط قائمة بالمواد الاستهلاكية وغيرها غير الضرورية والتي سيتم ايقاف استيرادها في الأسابيع المقبلة وسيكون الموز ضمن هذه القائمة.
ويفيد ذات المصدر أن “هذا الإجراء المؤقت يأتي بعد تفاقم الاستيراد العشوائي لمواد ومنتجات هي بصدد استنزاف احتياطي البلاد من العملة الأجنبية”.
وتتزامن هذه التقارير مع نفي وزير التجارة والصناعات التقليدية بشير زعفوري يوم أمس نية استقالته من منصبه على خلفية تعرضه لضغوطات من الحكومة. واعتبر وزير التجارة التابع لحزب النهضة رئيس الائتلاف الحاكم، أن الاستقالة في الوقت الحالي تخاذل أمام الواجب الوطني”.
صعوبات ظرفية
وتشهد تونس حاليا صعوبات اقتصادية ظرفية تتمثل في ارتفاع قياسي للأسعار حيث يقدر حاليا معدل التضخم 5.4% وتدني قيمة الدينار أمام الدولار ليناهز حاليا 1.62 مقابل 1.38 في نفس الفترة من العام الماضي وهو ما سيؤدي إلى ارتفاع كلفة الاستيراد.
كما تراجع احتياطي تونس من العملة الأجنبية إلى نحو 10.2 مليارات دينار مقابل ما يعادل 13.1 مليار دينار في ديسمبر 2010 وقبل الإطاحة برأس النظام السابق يوم 14 جانفي 2011.
وتواجه تونس وتيرة متسارعة للتوريد (14.8%) مقابل تباطؤ في نمو التصدير (4.5%) في النصف الأول من السنة الحالية، وهو ما يؤشر الى عبء إضافي للدولة التونسية خاصة وأن عجز الميزان التجاري بلغ مستوى غير مسبوق وهو 5.5 مليارات دينار تقريبا وما يعادل نصف احتياطيها الحالي من العملة الأجنبية لدى البنك المركزي التونسي. وتعد نسبة ارتفاع المواد الغذائية هي الأعلى (48%) مقارنة بإجمالي الواردات.
قنبلة من العيار الثقيل
في هذه الأثناء، فجّر مسؤول من الاتحاد التونسي للفلاحة والصيد البحري قنبلة خبرية من العيار الثقيل حول تراجع محصول الحبوب للموسم الحالي والذي يقدر بنحو 1 مليون طن مقابل تقديرات حكومية محيّنة بـ2.2 مليون طن هذا الموسم (ما يعادل 22مليون قنطار). علما وأن احتياجات تونس من استهلاك الحبوب تقدر بنحو 2.5 مليون طن سنويا.
وقد كشف شكري الرزقي رئيس الاتحاد الجهوي للفلاحة والصيد البحري (فرع باجة) مؤخرا أن محصول الحبوب لهذا الموسم سيكون أقل من العام الماضي بعد انتهاء عملية التجميع. وقال ذات المصدر أن المحصول بلغ 0.97 مليون طن (ما يعادل 9.7 مليون قنطار) على المستوى الوطني مقابل 1.17 مليون طن في الموسم الماضي، منها 2.25 مليون قنطار تم تحصيله في باجة إحدى أبرز المساحات الزراعية المنتجة للحبوب. في المقابل، كشفت مؤخرا وزارة الفلاحة عن محصول حبوب يقدر بنحو 2.25 مليون طن.
وينتقد مراقبون اقتصاديون هذا التضارب الصارخ في الأرقام من طرف مصادر رسمية، محذرين من خطر هذه الظاهرة التي ستحول دون رجوع البلاد التونسية إلى استقرارها وهو ما سيعمل على تشويه صورتها أمام شركائها ومموليها الأجانب.
وفي صورة تم الإقرار بتراجع محصول الحبوب لهذا الموسم فإنه يتوقع أن يرتفع عجز الميزان التجاري وما يعنيه من تقلص احتياطي تونس من العملة الأجنبية ولجوئها المتزايد للتداين الخارجي.
سياسة ترشيد التوريد
ولا يستبعد مراقبون اقتصاديون لجوء الحكومة الحالية إلى سياسية “الترشيد في التوريد” وايقاف استيراد بعد المواد الاستهلاكية لمجابهة هذا الظرف الصعب، ويرجحون أن هذا البديل سيكون هو الوحيد في الوقت الحالي.
كما يتوقع هؤلاء زيادة في معدل الفائدة لكبح جماح التضخم الذي سببه ارتفاع الاستهلاك بفضل القروض الاستهلاكية مقابل انكماش في ثروة حقيقية منتجة وارتفاع في طباعة الأوراق المالية من دون قيمة مضافة اقتصادية تعادلها. هذا من دون اعتبار انزلاق سعر الدينار وما يسببه هذا العامل من ارتفاع في
كلفة الديون الخارجية والسلع المستوردة التي تعاني أصلا من تضخم وما يعبر عنه لدى الأوساط الاقتصادية بـ”التضخم المستورد”
إلغاء التحويل الجاري للدينار
وحسب مسؤول من القطاع المالي، كان “أفريكان مانجير” تحدث إليه سابقا وتكهّن بلجوء الحكومة إلى ايقاف استيراد بعض المواد، فإن استمرار هبوط سعر الدينار خطير جدا وسيؤدي بالتأكيد إلى إلغاء إجراء قابلية التحويل الجاري للدينار التونسي مقابل شراء سلع من الخارج والتي يسمح بها حاليا لشركات التصدير والتوريد.
يذكر أن إجراء التحويل الجاري أو المحدود للدينار كان تم إقراره بداية العقد الماضي وهو يتيح للشركات التوريد بالعملة الاجنبية دون تعقيدات إدارية.
ولا يستبعد ذات المسؤول المالي، وفي صورة إلغاء هذا الإجراء، عودة تونس إلى المربع الأول وخاصة إلى فترة ما قبل الاصلاحات الاقتصادية التي نفذتها تونس منذ بداية تسعينات القرن الماضي، حيث عرف المواطنون التونسيون في عهد الوزير الأول الأسبق محمد المزالي أحلك الأزمات الاقتصادية وعملت الحكومة وقتها على الاقتصار على استراد سلع استهلاكية ضرورية فقط بسبب نقص احتياطيها من العملة الأجنبية.
عائشة بن محمود