ارتبط أدب السّجون في الوطن العربي بظاهرة القمع في الدّول المستقلّة. فما إن تخلّصت الشّعوب العربيّة من الاستعمار المباشر وبدأت في بناء دول وطنية تنعم فيها بالسّيادة والحرّيّة حتّى أصبح حكّامها طغاة يكمّمون أفواه المعارضين ويقمعون حرّيّة المثقّفين ويُلقون بالمناهضين لحكمهم في السّجون.
والنماذج الّتي صوّرت هذه الظاهرة كثيرة ومن أهمّها، “تلك الرّائحة” لصنع اللّه إبراهيم، “الوشم” لعبد الرحمان مجيد الربيعي، “الكرنك” لنجيب محفوظ، “شرق المتوسّط” لعبد الرحمان منيف, ” تلك العتمة الباهرة” للطاهر بن جلون…
أدب السجون له قراؤه باعتباره يمثل تجربة حية وصادقة عاشها الكاتب ونقل تفاصيلها بكل الآلام التي شعر بها داخل أسوار السجن. و تضيق جدران الزنزانة لكنّ الإبداع يظل حرا لينقل تفاصيل رحلة من العذاب الطويل.
و من المحاولات التي تصدّت لهذه الظّاهرة تجربتا المناضلين اليسارين اللذين سُجنا في سبعينات القرن الماضي فسجّلا تجربة الاعتقال و هما: كريستال ” cristal” لجيلبار النّقّاش و”الحبس كذّاب والحي يروّح ” لفتحي بن الحاج يحي وهما يتراوحان بين المذكّرات واليوميّات .أمّا في الرواية فلن ننسى تجربة “مناضل رغم أنفه” لعبد الجبّار المدّوري في نسختها “السريّة” و التي تغير عنوانها ليصبح “مناضل رغم أنفك” في نسختها الأخيرة .
علما أننا لم نستطع طوال فترة مطالعة هذه التجارب حيث تمكّن النظام السابق من حجب العديد منها و التي نجحت بعد الثورة في الظهور. هذا النوع الإبداعي الذي بدأ يفرض حضوره القوي في تونس كجنس أدبيّ جديد أعاد إحياء علاقة التونسي بالكتاب. الوطن أضحى سجنا انكسرت فيه الأحلام و الآمال ومثّل معتقلا يُخصب الذّاكرة داخله إلى تسجيل فترات من حياتهم قاســية وسنوات من أعمارهم مرّت في العتمة.
وقد أصبح هذا القمع ظاهرة امتدّت من المشرق إلى المغرب ولم تنقطع منذ خمسينات القرن العشرين إلى يومنا هذا ممّا يؤكّد كثرة التجارب وتعدّد المقاربات التي ظهرت مؤخرا بتونس بعد 14 جانفي منها:
رواية « برج الرومي» لسمير ساسي و« جمرة في القلب» لحميد عبابدية و« الشتات» لخديجة التومي و «المبصرون» للمياء العوني .
والتي تناولت ملامح المأساة التي عاشها من صنفوهم بـ”الإسلاميين” وسجناء الرأي في فترة الحكم الاستبدادي لبن علي، الذي حوّل تونس إلى معتقل ،ومن تلك المأساة التي وحّدت بين الكثيرين انبثق جيل من المبدعين الذين أثروا الساحة الثقافية في تونس ما بعد الثورة على اختلاف توجهاتهم السياسية و الفكرية.
ونذكر أنّ لهذه الكتابات نوعا من الحظ إذ تزامن إصدارها مع سقوط الحكم المستبد مما جعلها تلاقي حظوظها في النشر و التوزيع و القرب من القراء و حتى وسائل الاعلام التي تناولتها في صفحاتها ,عكس التجارب التي حاولت العيش في النظام الاستبدادي من طباعة سرية لتوزيع اقتصر على المقربين و في بعض الأحيان أصبحت مطالعتهم تهمة يوجهها لك الحكم القامع.