تونس- افريكان مانجر
يجيز دستور 2014 لرئيس الجمهورية صلاحية طرح مشاريع قوانين في اطار المبادرات التشريعية التي يتم احالتها الى مجلس النواب. وقد تتضمن مبادراته مقترحات لتحقيق العدالة الاجتماعية بين الفئات والجهات بهدف النهوض بالتنمية ومحاربة الفقر والبطالة، وهو باب لم يتم طرقه بعد ثورة 2011 رغم أن الوضع الاجتماعي فرض تفعيلا لأداء أعلى السلطات التنفيذية انتخابا على هذا الصعيد.
وظل الناخب التونسي ومن ورائه عموم الشعب المسكون بإرث نظام رئاسي مسك بدواليب الدولة ما يزيد عن خمسين عاما، يرى في الرئيس “سلطة فوق كل السلطات” يمكن له بما “يرتئيه من خيارات وقرارات” أن يسبغ على البلاد نعمة التنمية وقد يغير بمجرد توجيهات حياة فئات من المجتمع.
لكن بمقتضى نص الدستور الجديد في باب علاقة رئيس الجمهورية بالبرلمان، يتمتع رئيس الدولة طبقا للفصول (من 72 إلى 88)، بحق المبادرة التشريعية التي تتمتع بالأولوية في النظر، وفق ما أشارت اليه أستاذة القانون الدستوري سلوى الحمروني لوكالة تونس افريقيا للانباء، غير أنها اعتبرت مساهمته “غير مباشرة في تكريس العدالة الاجتماعية ورمزية”.
وبينت، أن تمرير أي من هذه المشاريع يفرض على الرئيس ضمان كسب دعم أهم الكتل النيابية تأثيرا في البرلمان الجديد والتشاور واقناع أغلبية النواب كي يضمن المصادقة على مقترحاته”.
في المقابل، أكد الناطق الرسمي باسم الاتحاد العام التونسي للشغل سامي الطاهري ل “وات”، أن الرئيس يمكن أن يساهم في لعب دور الوساطة أثناء الأزمات ويكون موقعه الجامع لمختلف الأطراف الاجتماعية، مشيرا، الى أن رئيس الدولة يمكن له تبني مشاريع قوانين ومبادرات يتم اقتراحها من طرف المجلس الأعلى للحوار الاجتماعي، وهو هيئة احدثت مؤخرا في تونس وتضم أطراف الانتاج الثلاثة ممثلة في الحكومة واتحادا الشغل والصناعة والتجارة …
ولئن مازال موقع رئاسة الجمهورية يحتفظ في نظر العامة من الشعب بكامل ألقه، ما جعله محل تنافس بين 26 مترشحا تنافسوا خلال الدور الأول من الانتخابات الرئاسية التي شهدتها تونس يوم 15 سبتمبر الجاري، ليبقى مرشحان اثنان يتنافسان في الدور الثاني المزمع اجراؤه خلال أواسط شهر أكتوبر المقبل وهما قيس سعيد ( مستقل) ونبيل القروي ( رئيس حزب قلب تونس).
وبينما يتواري كل منهما عن الأنظار، إذ يقبع نبيل القروي حاليا بالسجن بأوامر من القضاء على خلفية تهم بالفساد والتهرب الضريبي، فان قيس سعيد لم يختر الظهور اعلاميا الا في بعض لقاءات صحفية، مؤكدا، استمراره في حملته التفسيرية في حين تعهدت كلتا حملتيهما بتمتين علاقة مؤسسة رئاسة الجمهورية بالبرلمان الجديد.
وكشفت أستاذة القانون الدستوري سلوى الحمروني، أن المصادقة على أي من المشاريع لتتحول الى قوانين يفرض الحصول على 109 صوتا أثناء الجلسات العامة التي تقام للتصويت لفائدة أي من المشاريع بالبرلمان، موضحة، أن عجز الرئيس عن كسب تأييد أغلبية الأصوات قد يؤدي الى سقوط أي من مقترحاته .
ونبهت من، أن غياب التشاور والتفاهم بين مجلس النواب والرئيس المقبل كسلطتين منتخبتين قد يؤدي الى الوقوع في “خلاف حاد” أو “أزمة سياسية ” في حال تشبث الرئيس بموقفه، كاصراره مثلا على تنقيح الدستور مقابل رفض المجلس ذلك.
وخلصت، الى أن غياب التفاهم بين كلا السلطتين حول تنقيح الدستور وعدم توفر الأغلبية المطلوبة قد يؤدي الى مآلات من الفوضى كأن يقوم الرئيس المنتخب بعرض مسألة الثقة على الحكومة بالبرلمان وهي مغامرة سياسية غير محسوبة المخاطر.
كما أكدت، أن احالة أي مشروع قانون لتعديل الدستور يشترط الحصول على 145 صوتا تحت قبة البرلمان، وكذلك تركيز المحكمة الدستورية وهي شروط غير سهلة التحقيق بالمرة، معتبرة، أن أي من المترشحين للرئاسة سيصطدم بالواقع السياسي وسيكون ملزما بعقد تحالفات مع الكتل النيابية داخل مجلس النواب من أجل النجاح في تمرير أي من مشاريع القوانين التي يعتزم تقديمها.
من جانبه يعتبر سامي الطاهري القيادي بالمنظمة الشغيلة الآخذة مسافة الحياد مع كلا المترشحين، أن الدستور ضبط مهام رئيس الجمهورية كضامن للحريات والحقوق الاقتصادية والاجتماعية، مبينا، أن من دوره العمل على انفاذ الحقوق في مجالات الصحة والتعليم ..
ويمكن للرئيس المقبل، تبوأ موقع ادارة الحوار الاجتماعي بين الأطراف الاجتماعية ممثلة في (الحكومة واتحادي الشغل والصناعة والتجارة..) في حالات الأزمات، وفق ما أبرزه النقابي الذي أقر أن الوساطة الاجتماعية ليست من المهام المباشرة لرئيس الجمهورية لكن من المطلوب أن تكون أولوياته دفع الحوار الاجتماعي.
وتابع قوله ” الدستور يتيح للرئيس طرح مبادرات تشريعية يكون منطلق اعدادها بالمجلس الوطني للحوار الاجتماعي وهو هيكل تم احداثه منذ أقل من عام في تونس ويضم أطراف الانتاج الثلاثة”، معتبرا، أن مشاريع القوانين المقترحة من رئيس الجمهورية يمكن أن يكون أثرها ايجابي في ارساء العدالة الاجتماعية في تونس.
المصدر (وكالة تونس افريقيا للانباء)