تونس-افريكان مانجر
عاد مؤخرا ملف استقلالية البنك المركزي للنقاش مجددا، عقب تصريح رئيس الجمهورية قيس سعيد خلال زيارته لمقر البنك المركزي، الذي دعا فيه الى مراجعة الفصل 25 من قانون النظام الاساسي للبنك المركزي التونسي الصادر سنة 2016 بما يتيح له اقراض الدولة مباشرة لمعاضدة جهودها في تمويل ميزانية الدولة.
وقال سعيد، « آن الأوان، في ما يتعلق بتمويل الميزانية، لمراجعة هذا الفصل المتعلق باقراض البنوك التجارية للدولة والاستفادة من الفوائد التى تدرها هذه القروض ».
واعتبر أن أحكام قانون البنك المركزي الصادر سنة 1958 أفضل من قانون 2016 بالنسبة لمسألة استقلالية مؤسسة الاصدار مبرزا ان بعض فصول القانون 2016 تخدم مصالح البنوك التجارية مباشرة وتمكنهم من الاستحواذ على نسب هامة من فوائض القروض الممنوحة.
و أضاف رئيس الدولة، « استقلالية البنك المركزي التونسي لا تعني الاستقلال عن الدولة بل لا بد من الانسجام مع سياسات الدولة ولابد من التفريق بين الاستقلالية في المجال النقدي والاستقلالية في المجال المتصل بميزانية الدولة ». يذكر أن الفصل 25 من قانون 2016 للبنك المركزي التونسي ينص على انه « لا يمكن للبنك المركزي ان يمنح لفائدة الخزينة العامة للدولة تسهيلات في شكل كشوفات او قروض او يقتني بصفة مباشرة سندات تصدرها الدولة ».
وعلق سعيد على هذا الفصل بالقول” للأسف كان من الأجدر عدم ادراج هذا الفصل بقطع النظر عن استقلالية البنك المركزي ودوره في التحكم في الاسعار خاصة في هذه الفترة الصعبة، لان البنوك التجارية هي التي تستفيد منه”.
وأكد سعيد أن الدور الأساسي للبنك المركزي في الاقتصاد الوطني يكمن في السيطرة على التضخم المالي وان تنسجم ادارات البنك كذلك مع سياسات الدولة.
دراسات معمقة
في هذا السياق، اتصلت أفريكان مانجر، بأستاذ الاقتصاد بالجامعة التونسية فتحي النوري، الذي اعتبر ان التوجه نحو مراجعة قانون استقلالية البنك المركزي، يتطلب دراسات معمقة قبل اتخاذ القرار لمعرفة تداعياته على الاقتصاد الوطني.
من جهته أستاذ الاقتصاد، ارام بالحاج، قال في تدوينة نشرها على صفحته الرسمية فايسبوك، ان موضوع إعادة النظر في دور البنك المركزي ضروري، شرط أن تكون الأمور مدروسة والأهداف من وراء هذا التغيير محددة، وفق تقديره.
واعتبر، ان رئيس الجمهورية “مُحق” في مسألة مراجعة قانون البنك المركزي في اتجاه تقديم تسهيلات مضبوطة لدعم الميزانية والتركيز على مسائل النمو والتنمية (إلى جانب الهدف الرئيسي: التضخم) ودعم الرقابة على البنوك والحد من نفوذها وتغعيل الشفافية صلب عمل لجنة التحاليل المالية.
التداعيات
بدوره المدير العام الأسبق للسياسة النقدية للبنك المركزي، محمد سويلم، يرى أن اقتراض الدولة المباشر من البنك المركزي ستكون له تداعيات وعواقب وخيمة.
وقال، في تصريح لموزاييك اف ام، إنّ ذلك سيؤدي إلى ارتفاع التضخم إلى مستويات عالية، مما سيؤثّر بشكل مباشر على المقدرة الشرائية، فضلا عن انهيار قيمة العملة وارتفاع وانهيار سعر الصرف واستنزاف الرصيد من العملة الأجنبية.
وأشار إلى أنّ الإقراض المباشر للدولة سيجعل الكتلة النقدية تحت تصرّف الدولة وستكون خارج سيطرة البنك المركزي وبالتالي لن يستطيع هذا الأخير التحكّم في الأسعار التي تعتبر من المهام الرئيسية للمركزي التونسي.
كما سيؤدي، الإقراض المباشر للدولة إلى تأثّر مصداقية البنك المركزي على مستوى المتعاملين معه.
وخلص سويلم، الى أنّ التخلي عن استقلالية البنك المركزي، إجراء لا يجب المضي فيه وأنّ تنقيح القانون الأساسي للبنك يجب أن يقتصر على الفصل 46 والمتعلق بتعيين محافظ البنك المركزي، وفق تقديره.
مبادرة تشريعية
جدير بالذكر، فان موضوع استقلالية البنك المركزي طرح سابق للنقاش بعد ايداع كتلة الخط الوطني السيادي في البرلمان مشروع قانون يهدف إلى إعادة النظر في بعض فصول قانون النظام الأساسي للبنك المركزي التونسي المصادَّق عليه سنة 2016 تقضي بفتح باب الاقتراض المباشر للدولة من خزينة مؤسسة الإصدار النقدية.
ويهدف مقترح القانون الى تعديل الفصل 58 من القانون الأساسي من خلال منح الحكومة حق النفاذ الى خزينة البنك من أجل الحصول على قروض مباشرة لتمويل الميزانية بقيمة لا تتجاوز الـ5 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي أو 20 بالمائة من معدل إيرادات الميزانية للسنوات الثلاث التي تسبق عملية الاقتراض.
بالتالي، فانه من الوارد بعد تصريح رئيس الجمهورية أن يضع مجلس نواب الشعب من ضمن أولوياته التشريعية للدورة البرلمانية القادمة مشروع تعديل القانون الأساسي للبنك المركزي.