على الرغم من حداثة تجربة المصارف الاسلامية مقارنة بالتاريخ الطويل للمصارف التجارية, فقد استطاعت المصارف الاسلامية تحقيق نجاحات واضحة على الصعيدين الاقليمي والعالمي من خلال تنامي عدد هذه المصارف واتساع انتشارها الجغرافي. كما لم يعد تقديم الخدمات المصرفية الاسلامية حكرا على هذه المصارف المتخصصة بل شمل المصارف الاخرى التقليدية و كذلك مصارف الاستثمار.
وعلى الرغم من هذا التمشي يبقى التعامل أو الحديث عن هذا النوع من المصارف يطرح العديد من الاستفسارات حول الامكانيات التي توفرها هذه البنوك ومدى مساهمتها في الخروج بالاقتصاد الوطني من ازمته الخانقة وكذلك التحديات التي تواجهها خاصة من ناحية عدم وجود الاعداد الكافية من اصحاب الاختصاص المؤهلين لإصدار الفتوى المتعلقة بالأعمال المصرفية وعدم توفر مؤشرات خاصة لقياس اداء المصارف الاسلامية وافتقارها الى معايير واجراءات عمل دقيقة وقواعد مراقبة وتفتيش على غرار ما هو موجود لدى المصارف التقليدية.
للحديث عن كل هذه المواضيع اتصلت “اليوم” بالباحث والمختص في المالية الاسلامية الدكتور أنس الملكي وكان الحوار التالي
عند الحديث عما يعرف بالصيرفة الإسلامية هل هناك فرق بين الجوانب التقنية المالية والفتاوي أو ما يعرف بالخطابات الدينية(المرابحة والإجارة)؟
بداية, للحديث عن البنوك الاسلامية وجب تحديد الشروط والمبادئ الاساسية التي باجتماعها يمكن القول بان المعاملات المالية هي فعلا مطابقة لمعايير الصيرفة الاسلامية وهذه الشروط يمكن اختزالها في ما نسميه الاركان الخمسة للمالية الاسلامية والمنقسمة الى ثلاثة اركان تمثل الممنوعات وركنين يمثلان الواجبات حيث تمنع المعاملات التي تضم الربى(سعر الفائدة):ربى الديون وهناك ايضا ربى البيوع كما يمنع الغرر والميسر(الغرر في بنود العقد والميسر ربح طرف على حساب الطرف الاخر ) و يمنع أيضا التعامل في الاشياء المحرمة (الخمر و الخنزير) )
اضافة الى ذلك وجب تقاسم المخاطر والارباح والخسائر وكذلك ان تكون كل المعاملات المالية مرتبطة باستثمار فعلي واصل ملموس(علاقة فعلية ووطيدة بين الدائرة النقدية والدائرة الحقيقية (الاقتصاد)
اما بالنسبة للجوانب التقنية فهي مقيدة بالفتاوي التي تحدد اطار عمل البنوك الاسلامية والتي من المفروض ان تلتزم بما يميزها عن البنوك الكلاسيكية الا وهي المعايير الاخلاقية المستشفة من الدين الاسلامي.
. وتتفق هيئات الرقابة الشرعية لمختلف المؤسسات المالية الإسلامية على أكثر من 95 بالمائة من فتاوي المعاملات المالية الإسلامية الحديثة لكن هناك مسائل محل خلاف لتعدد المدارس الفقهية والمذاهب (مالكية وحنفية وحنبلية..) مما يفتح باب الاجتهاد واسعا والى جانب البحث والتطوير يمكن الوصول إلى منتوجات مالية إسلامية جديدة يمكنها تلبية انتظارات الحرفاء في هذا العصر.
لكن هناك تحديات كبرى مطروحة بقوة على البنوك الإسلامية وهي مدعوة بإلحاح لإيجاد اجابات عنها ومن بينها إدارة المخاطر وملاءمة راس المال للمعايير العالمية وإيجاد إطار قانوني وتشريعي وقانوني ملائم(الأداء على القيمة المضافة بالنسبة لعمليات المرابحة) والإطار المحاسبي والعلاقة التي تحكم البنوك الاسلامية بالبنوك المركزية خصوصا في البلدان ذات النظام البنكي الكلاسيكي والمنافسة مع البنوك الكلاسيكية والتي دخلت الميدان لتنافس البنوك الاسلامية والموارد البشرية المؤهلة وغير المتوفرة بكثرة خاصة مع كثرة المؤسسات المالية الاسلامية في العالم.
2-إلى أي مدى يمكن أن تساهم الصيرفة الإسلامية في خروج تونس من أزماتها الاقتصادية الخانقة؟ الصيرفة الاسلامية بامكانها ان تساهم في الحد من التأثيرات السلبية للازمات الاقتصادية لكونها نظريا على الاقل الاكثر استقرارا لعدم احتواء معاملاتها على العناصر التي أدت الى نشوب الازمة المالية الا وهي: سعر الفائدة والمضاربة وعدم مسايرة الاستثمارات المالية نسق النمو الفعلي للاقتصاد.
لكن هناك تباعدا ملحوظا بين ما تقدمه المالية الاسلامية على الصعيد النظري وما هو موجود على الصعيد العملي اذ نلاحظ ان التمويل التشاركي (المشاركة في المخاطر والارباح والخسائر)لا يتجاوز 2 بالمائة من مجمل المعاملات البنكية الاسلامية في مناطق افريقيا واسيا والشرق الاوسط واوروبا مما يدل على الامكانيات الواعدة لهذا القطاع اذا تم تفعيل التمويل التشاركي.
3-هناك توقعات أن تحقق أصول البنوك الإسلامية بالوطن العربي نموا يقارب الـ25 % في السنوات الأولى التي ستلي بداية تطبيق تجربة الصيرفة الإسلامية بالدول التي كانت تدير ظهرها لهذا النوع من البنوك. ماهو تعليقك؟ فعلا ان للبنوك الاسلامية على وجه الخصوص والمؤسسات المالية الاسلامية عموما فرص نجاح كبرى خاصة في البلدان العربية حيث هناك نسب عالية من المسلمين وقد بينت في اطار اطروحة الدكتوراه ان درجة ربحية البنوك الاسلامية يتاثر ايجابا بنسبة المسلمين في البلد وهوما يمثل عاملا من عوامل نجاح هذه البنوك وعلى سبيل الذكر فان ماليزيا حيث عدد المسلمين يقارب 60 بالمائة فان كوالامبور تحتل مكانة هامة في عالم المالية الاسلامية وهناك يوجد بنك HSBC البريطاني حيث يقدم خدمات مالية مطابقة للشريعة الاسلامية تحت اسم “امانة”.
4- عندما تتحول البنوك التقليدية إلى إسلامية هل تكون فعلا قادرة على تطوير خدماتها البنكية التقليدية مع الإسلامية اعتمادا على نفس الشروط؟
ان البنوك التقليدية ستحاول حتما عدم التفريط في جزء من السوق وبالتالي ستقدم خدمات مالية اسلامية اذا ما لاحظت ان المنافسة اشتدت وهذا ما تم فعلا من قبل عديد البنوك العالمية حيث فتحت نوافذ اسلامية……….
ودخول مثل هذه البنوك ذات السمعة العالية والتجربة الكبيرة سيمكن حتما من الرقي بالمالية الاسلامية وتحسين ادائها. 5- في ظل الأزمة المالية الحالية تستمد البنوك التقليدية تمويلاتها الضرورية من السوق النقدية والسؤال هو البنوك الإسلامية لا يجوز لها ذلك فما هي البدائل إذا؟
فعلا البنوك الاسلامية ليست لها امكانية الدخول الى السوق النقدية ( معاملات قصيرة المدى) وهذا ما يطرح عديد التحديات خاصة في التصرف في السيولة مما مكن من وجود وازدهار الصكوك الاسلامية وهي سندات غير مرتكزة على سعر الفائدة بل على مشاريع وادوات استثمارية فعلية ذات مردودية متغيرة. ويذكر ان سوق الصكوك تقدر سنة 2011 ب200 مليار بنسبة نمو تصل الى 35 بالمائة حسب تقدير وكالة موديز . 6-هل سيغير التطور والانتشار التي تشهده البنوك الإسلامية الخارطة البنكية في تونس؟(من ناحية البلدان المساهمة في هذا النشاط البنكي)؟
وجود البنوك الاسلامية في تونس سيكون حتما ايجابيا لكل المشهد الاقتصادي حيث سيرتفع سقف المنافسة مما سيكون له الاثر الجيد على الحرفاء(شركات ,باعثي مشاريع..) والبنوك الاسلامية لم تتواجد لاقصاء البنوك الكلاسيكية بل على العكس للتكامل وانخراط حرفاء لم يكن باستطاعتهم تفعيل ادخاراتهم في اطار البنوك الكلاسيكية.
7-أعلن مؤخرا وزير التعليم العالي عن نية إحداث ماجستير في مجال المالية الإسلامية في الجامعات التونسية .ما هو تعليقك؟ في الجامعات التونسية هناك العديد من اطروحات الماجستير واطروحات الدكتوراه والعديد من البحوث القيمة التي تهتم بالمالية الاسلامية(البنوك, شركات التامين…) وقرار احداث ماجستير مخصص للمالية الاسلامية سيمكن من توفير موارد بشرية مختصة في هذا المجال مما سيسهل تطوير وانتشار المالية الاسلامية التي من شانها المساهمة بشكل ايجابي في تنمية الاقتصاد الوطني. 8- في اعتقادك ما هي ابرز التحديات التي تواجه المصارف الاسلامية وماهي أهم التوصيات التي يمكن صياغتها لتكون هذه المصارف اكثر تطبيقا للمعايير المالية والمحاسبية الاسلامية المتعارف عليها وكذلك أكثر استيعابا للتطورات التكنولوجية المصرفية الحديثة؟
من التحديات التي تواجهها المصارف الاسلامية وجود تناقض في بعض الاحيان في الفتاوى الصادرة عن هيئات الرقابة الشرعية لدى المصارف الاسلامية فيما بينها ووجود تناقض ايضا بين الفتاوي الصادرة عن هيئات الرقابة الشرعية من جهة والفتاوي الصادرة عن علماء المسلمين من خارج هذه الهيئات من جهة اخرى وايضا عدم وجود الاعداد الكافية من اصحاب الاختصاص المؤهلين لاصدار الفتوى المتعلقة بالاعمال المصرفية ,اضافة الى عدم توفر مؤشرات خاصة لقياس اداء المصارف الاسلامية وافتقار المصارف الاسلامية الى معايير واجراءات عمل دقيقة وقواعد مراقبة وتفتيش على غرار ما هو موجود بالمصارف التقليدية اضافة الى عدم وجود أسواق مالية و نقدية نشطة تتعامل بأدوات الاستثمار الاسلامية المستخدمة في السوقين المالي والنقدي وعدم قدرة المصارف الاسلامية على الاستفادة من السندات الحكومية التي تصدرها المصارف المركزية والتي غالبا ما تشكل مجالا رحبا لاستثمار الفوائض المالية لدى المصارف الى جانب ضيق السوق من حيث عدم وجود عدد كاف من المصارف الاسلامية في كل دولة من الدول التي تعمل فيها هذه المصارف ووجود مشاكل محاسبية نتيجة الاختلافات بين محاسبة المصارف الاسلامية ومحاسبة المصارف التقليدية.
وفي ضوء هذه التحديات, فإن الامر يتطلب اعادة هندسة شاملة للقطاع المصرفي الاسلامي على المستويين القطري والعالمي بما يعزز تنافسيته ويجعله قادرا على تلبية احتياجات العملاء واكثر تطبيقا للمعايير المالية والمحاسبية الاسلامية المتعارف عليها إقليميا وعالميا وايضا اكثر استيعابا للتطورات التكنولوجية المصرفية الحديثة وهذا لا يتم الا من خلال زيادة نطاق التعاون والتنسيق المشترك بين المصارف الاسلامية ذاتها وبين تلك المصارف والمصارف المركزية(السلطات النقدية) التي يقع على عاتقها وضع الأطر التنظيمية والتشريعية والفقهية الملائمة لعمل المصارف الاسلامية.