تونس-أفريكان مانجر
تواصل التّدهور الإقتصادي وارتفاع المديونيّة وتقلّص مخزوننا من العملة الصّعبة وتراجع سعر صرف الدّينار… كلّها مؤشّرات دفعت بمهدي جمعة رئيس الحكومة الى اتخاذ جملة من الاجراءات للتحكم في النفقات وذلك بالتخفيض بنسبة 10% في أجور الوزراء وكتاب الدولة وكل من لهم رتبة وامتيازات وزير أو كاتب دولة، اضافة الى 10% لفائدة الاكتتاب الوطني، مع اقتراح تعميم هذا الإجراء على كل من تولى هذه المهام سابقا، الى جانب تحويل وصولات البنزين إلى منحة مالية تعويضية مع تقليص قيمتها بنسبة 10% وتعويض السيارات الوظيفية في الوظيفة العمومية والمؤسسات والمنشآت العمومية بمنحة مالية مع إمكانية التفويت فيها للأعوان (في اقرب الآجال)…
وقد فسّر بعض الخبراء الإقتصاديين هذه الاجراءات على أنّها إعلان رسمي عن الشّروع في سياسة التّقشّف، فيما اعتبر البعض الاخر أنّها سياسة لترشيد الإستهلاك، خاصّة وأنّ رئاسة الحكومة أقرّت بإجراءات عاجلة وفوريّة تهدف الى تحسين الصّادرات والتقليص من الواردات وإعادة نشاط الإنتاج والنقل في الحوض المنجمي إلى نسقه الطبيعي ومراجعة تعريفة النقل الجوي لتحفيز تصدير الغلال والخضر وتركيز خلية عمل لاستحثاث نسق العمل بميناء رادس وإقرار تمكين أصحاب المصحات لإدماج خلاص الفواتير بالعملة الصعبة وذلك بتمكينهم من وضع خاص بالنسبة للصرف…
إجراءات ليست استثنائيّة
وفي هذا الإطار، قال وجدي بن رجب الخبير الإقتصادي في تصريح لـ “أفريكان مانجر” أنّ كلّ هذه الإجراءات التّي تمّ إقرارها من قبل رئاسة الحكومة تهدف أساسا الى الضّغط على المصاريف وتوفير مخزون أكبر من العملة الصّعبة بعد أن تراجع مخزوننا لأوّل مرّة سنة 2014 الى 95 يوم توريد فقط، مبرزا أنّ التّوريد العشوائي لعدّة موّاد وتجهيزات… على غرار توريد السّيارات (أكثر من طاقة الطّرقات) تسبّب في تقلّص مخزوننا من العملة الصّعبة وفي اختلال الميزان التّجاري (ارتفاع الواردات مقابل تراجع الصّادرات) وفي تفاقم عجز الميزانيّة، ولهذا أقرّت الحكومة بتقليص واردات السلع المصنعة في تونس والسيارات والتحكم في اجراءات تحويل العملة لتوفير أكثر ما يمكن من العملة الصّعبة، وبدأت نوعا ما في سياسة التّقشّف بالتخفيض بنسبة 10% في أجور الوزراء وكتاب الدولة… والتّقليص من الإمتيازات (السّيّارات الإداريّة/ وصولات البنزين).
وأضاف محدّثنا أنّ هذه الإجراءات ليست استثنائيّة، حيث أنّها تعتمد في جلّ بلدان العالم وقد اعتمدتها المغرب منذ حوالي سنة، رغم أنّها لا تعاني من أيّة مشاكل اقتصاديّة وتمّ منع استعمال السّيارات الإداريّة أيّام عطلة الأسبوع كما تمّ منع استعمالها خارج أوقات العمل، واليوم تونس باعتمادها هذه الاجراءات تعطي المثال، خاصّة وأنّ السّيارات الإداريّة تعرّضت مؤخّرا الى حملة “فايسبوكيّة” شرسة لاستعمالها في مجالات خاصّة، مشيرا الى أنّ الحكومة تسعى حاليّا الى ترشيد موارد الدّولة، وهو إجراء منطقي، تأخّر تنفيذه إذا ما تمّت مقارنته بالوضع الإقتصادي المتدهور.
وجوب تطبيق سياسة واضحة
من جهة أخرى، بيّن نفس المصدر أنّ الوضع الإقتصادي المتردّي يتطلّب جرأة وشجاعة من قبل الحكومة في تطبيق سياسة واضحة تضع حدّا للتّوريد المنظّم “العشوائي” الذي يفتح المجال امام توريد السّلع المصنّعة التي ليست ذات أولويّة في الإستهلاك، بهدف الحدّ من العجز التّجاري ومن عجز الميزانيّة، مؤكّدا أنّ هذه الإجراءات المبدئيّة ذات الطّابع التّرشيدي لا التّقشّفي كما ذهب الى ذلك البعض يمكن أن تحسّن من الوضع الإقتصادي نسبيّا، لكن من الضّروريّ على حدّ تعبير وجدي بن رجب في تصريح سابق لـ “أفريكان مانجر” فتح ملفّ رجال الأعمال الممنوعين من السّفر (من أولويّة الأولويّات)، الى جانب فتح ملفّات الرّشوة والفساد وملفّات الجباية والفسفاط والدّعم (العدل في توزيع الدّعم وتوجيهه لمستحقّيه)… لتحسين الوضع الإقتصادي، ورفع مواردنا وتعبئة العجز في ميزانيّة 2014 وايفاء الدّولة بتعهّداتها خاصّة على مستوى الأجور، مع العمل على الحوكمة الرّشيدة والشّفافيّة الماليّة لجلب الإستثمارات.