تونس- أفريكان مانجير
انزلق سعر الدينار التونسي بنسبة 18.43 % مقابل الدولار الأميركي على امتداد سنة وإلى اليوم الأربعاء 6 جوان 2012 في هبوط حاد يؤشر على صعوبات اقتصادية خطيرة تشهدها تونس وما يهدد قدرة تونس على استيراد السلع بالعملة الأجنبية.
ويرجع خبراء اقتصاديون هذا الهبوط إلى أسباب داخلية تعيشها البلاد حاليا وعلى رأسها استمرار تراجع احتياطي تونس من العملة الأجنبية. ويعادل حاليا سعر الدينار التونسي مقابل الدولار 1.614.
وتقدر قيمة احتياطي تونس من العملة الأجنبية حاليا ما يعادل 9.95 مليارات دينار تونسي وما يغطي 100 يوم فقط لتوريد سلع من الخارج وهو مؤشر خطير حيث يرى اقتصاديون ضرورة أن تغطي العملة المتوفرة ثلاثة أشهر توريد على الأقل بالعملة الأجنبية و هي الفترة الدنيا المقبولة اقتصاديا والتي تجنب الدولة صعوبات لدى تمويلها السلع الموردة.
وحسب مسؤول من القطاع المالي، طلب من “أفريكان مانجير” عدم الكشف عن هويته، فإن استمرار هبوط سعر الدينار خطير جدا وهو ما سيؤدي بالتأكيد إلى إلغاء إجراء قابلية التحويل الجاري للدينار التونسي مقابل شراء سلع من الخارج والتي يسمح بها لشركات التصدير والتوريد.
يذكر أن إجراء التحويل الجاري أو المحدود للدينار كان تم إقراره بداية العقد الماضي وهو يتيح للشركات التوريد بالعملة الاجنبية دون تعقيدات إدارية. ويأتي هذا الإجراء التمهيدي ضمن مسار خطة الدولة التونسية لتحرير شامل للدينار التونسي حتى يمكن شراؤه وبيعه خارج السوق التونسية.
ولا يستبعد المسؤول المالي، وفي صورة إلغاء هذا الإجراء، عودة تونس إلى المربع الأول وخاصة ما قبل الاصلاحات الاقتصادية التي توختها منذ نهاية ثمانينات القرن الماضي، حيث شهدت في عهد الوزير الأسبق محمد المزالي أحلك أزماتها الاقتصادية وعملت وقتها على توفير السلع الضرورية فقط لضعف احتياطها من العملة الأجنبية.
ارتفاع تكلفة الديون
وفي سياق متصل وبتراجع سعر الدينار التونسي، يتوقع ارتفاع تكلفة تسديد الديون الخارجية لتونس بالعملة الأجنبية وما يعنيه من عبء إضافي على كاهل الخزينة العمومية للدولة المطالبة بتسديد قروض خارجية يفوق مجموعها 22 مليار دينار.
وفي حال استمرار انزلاق سعر الدينار، فإن هذا الظرف سينعكس مباشرة على وضع الاستهلاك في تونس الذي يعاني أصلا من ارتفاع في الأسعار المواد الاستهلاكية وتضخمها.
ويتوقع مراقبون اقتصاديون ارتفاع مؤشر أسعار المواد الاستهلاكية المقدر حاليا بنحو 5.5% في ظل فقدان الدينار لقيمته. كما يوضحون أن الأسباب الحقيقية وراء حفاظ المستهلك حاليا على مقدرته الشرائية هو عزوف المستهلكين عامة عن الادخار وتحويل أموالهم نحو الاستهلاك بدل من ادخارها في ظل ضعف فائدة ادخار لا تتجاوز 2% مقابل تضخم يتجاوز 5.5%.
ويضيف المراقبون ذاتهم أن هذه الوضعية غير المتوازنة، ستؤدي بدورها إلى صعوبات في الإقراض البنكي في ظل انكماش الادخار وما يقتضيه من لجوء متصاعد للبنوك نحو البنك المركزي التونسي لضخ سيولة لا تقابلها في حقيقة الأمر ثروة اقتصادية حقيقية.
ويقدر حجم إعادة التمويل الذي يوفره حاليا البنك المركزي لفائدة البنوك نحو 4.2 مليارات دينار مقابل 2.3 مليار دينار في نفس الفترة من العام الماضي. ويؤكد اقتصاديون اتصل بهم موقع “أفريكان مانجير” أن هذه الأموال عبارة عن أوراق نقدية لا قيمة لها ومن دون ثروة اقتصادية تعادلها.
انتقاد
وينتقد بعض الاقتصاديين قرار محافظ البنك المركزي مصطفى كمال النابلي الذي اتخذه منذ أشهر والمتعلق بتخفيض في معدل فائدة السوق النقدية، واعتبروا أن هذا القرار زاد من حدة التضخم الحالي ولم يعمل على الزيادة في الاستثمارات كما كان متوقعا.
ويتوقع هؤلاء أن يتجاوز معدل الفائدة 4% نتيجة ارتفاع التضخم، حيث أن التخفيض السابق لمعدل الفائدة إلى 3% تقريبا أدى إلى لجوء متزايد إلى البنك المركزي من طرف البنوك لإعادة تمويلها، وهو ما أدّى الى تصعيد التضخم في واقع الأمر.
ومن المنتظر أن يؤدي ارتفاع الفائدة إلى التقليص من منحى الإقراض خاصة على مستوى القروض الاستهلاكية. ويلاحظ أن معدل الفائدة يتجاوز حاليا 3.8%.
ويعتبر خبراء اقتصاديون أن التقليص في معدل الفائدة على القروض لا يعمل في الوقت الراهن على تشجيع الاستثمارات بحسب تصور الحكومة الحالية، ويؤكدون على أن إعادة إنعاش الاستثمارات يتم بالأساس من خلال خلق أجواء من الاستقرار والأمن والانسجام بين باقي الأطراف السياسية والمجتمع المدني، وهي عوامل أساسية من شأنها أن تنشر مناخ ثقة وما يشجع المستثمر المحلي أو الأجنبي على الاستثمار، وفق اعتبارهم.
ويتوقع هؤلاء، وفي صورة عجز الحكومة عن تحقيق استقرار البلاد وأمنها وعن كسب ثقة مختلف مكونات المجتمع المدني وعلى رأسهم الاتحاد التونسي للشغل، فإن الاقتصاد التونسي سيعيش حلقة مفرغة ستكون عواقبها وخيمة على السلم الاجتماعي لتونس.
عائشة بن محمود