تونس- أفريكان مانجر
طغت المستجدّات بشأن القضاء أمس على قاتل المعارض شكري بلعيد، المرجّح كمال القضقاضي، على مؤشر خطير كان كشفه وزير الداخلية لطفي بن جدو أمس في ندوته الصحافية، والمتعلق بمنع نحو 8 آلاف شاب وشابة تونسيين كانوا يخططون للسفر إلى سوريا للقتال.
كما كشف ذات الوزير عن مؤشر آخر لا يقل خطورة عن الأول والمتمثل في القبض على 293 عنصرا مورطا في شبكات ارسال المقاتلين إلى سوريا، وهي معلومات يفترض أن تدق ناقوس الخطر في تونس خاصة في ظل معلومات موثّقة لدى السلطات السورية بشأن تواجد نحو 4 آلاف تونسي يقاتل في سوريا.
تهديدات للأمن القومي
وكما هو معلوم فإن الدول الأوروبية أساسا، ورغم تشجيعها على القتال ضد النظام السوري، فقد تفطنت لهذا المؤشر الخطير الذي قد يمس من أمنها القومي فسارعت بسحب الجنسيات لدى مقاتلين عائدين إلى اراضيها من سوريا من أصول عربية وآسيوية أو ملاحقتهم قضائيا بمقتضى قوانينها الداخلية الخاصة بالأمن القومي، رغم أن هؤلاء لا يتجاوزون بضع العشرات.
بدورها، ورغم تورطها في توفير تسهيلات للمقاتلين الأجانب في سوريا للإطاحة بالنظام السوري وفق تقارير إخبارية عالمية، فقد بادرت المملكة العربية السعودية منذ يومين بإصدار أمر ملكي يجرم كل من يقاتل خارج البلاد من السعوديين، وتحديد عقوبة السجن من 3 إلى 20 سنة كما يجرّم الأمر الملكي كل من يفصح عن “التعاطف مع – الجماعات و التيارات – بأي وسيلة كانت ، أو تقديم أي من أشكال الدعم المادي أو المعنوي لها ، أو التحريض على شيء من ذلك أو التشجيع عليه أو الترويج له بالقول أوالكتابة بأي طريقة”، وفق ما جاء في الأمر الملكي.
صمت السلطات في تونس
في تونس في المقابل، ورغم المؤشرات الخطيرة التي تكشفها باستمرار أعلى جهة في وزارة الداخلية والمتمثلة في وزير الداخلية، حول مقاتلين تونسيين في سوريا وما يشكلونه من مخاطر ارهابية على تونس، إلا أنه يلاحظ أن هناك تراخيا وإلى حد التناقض في التعامل مع هذا الملف الخطير من الجهات القضائية والسلطات المعنية بالأمر بالمقارنة مع التصريحات الرسمية الصادرة في هذا الصدد.
ويستغرب في هذا السياق الناشط الحقوقي أحمد المناعي الذي كان ضمن بعثة عربية رسمية للتحري في جرائم الحرب في سوريا، هذا التهاون من طرف السلطات في تونس، مفيدا في تصريح لـ “أفريكان مانجر” أنه كانت له اتصالات مع عائلات لمقاتلين تونسيين عائدين من سوريا اكدوا له فيها ان ابناءهم لم يتعرضوا لا للإيقاف ولا للسجن عند عودتهم من سوريا واقتصر الأمر على التحقيق معهم لمعرفة الجهة التي قامت بتسفيرهم إلى سوريا قبل أن يطلق سراحهم، مؤكدا في نفس الوقت أن من بين هؤلاء من ينتمي إلى أخطر تنظيم وهو تنظيم “داعش” الارهابي الذي تبرأ منه حتى تنظيم القاعدة بنفسه.
كما عبر محدثنا عن أمله أن تؤخذ الأمور بأكثر جدية خاصة وأن القوانين التونسية تسمح بملاحقة هؤلاء قضائيا من خلال قانون الارهاب بالاضافة إلى قانون آخر يمنع على كل تونسي القتال مع جهة مسلحة من غير الجيش التونسي.
دور الردع
ويرى مراقبون أن اللجوء إلى القانون لملاحقة هؤلاء قضائيا من شأنه أن يلعب دور الرادع لهم وأن يقلل من مدى خطورتهم على الأمن القومي للبلاد.
ويشير الناشط أحمد المناعي الذي عمل لدى مؤسسات حقوقية بالأمم المتحدة، إلى أن البعض من العائدين يفتخر بالأعمال التي قاموا بها في سوريا من مذابح ومجازر عبر صور يقومون بنشرها على حساباتهم الخاصة على الفيسبوك فيما تصمت السلطات على هذا الأمر المهدد لأمن البلاد!
ويلاحظ أن السلطات التونسية وبالأساس القضائية (النيابة العمومية) لم تقم بأي إجراء رسمي للتحري بشأن تقارير إخبارية محلية حول تورط سياسيين منهم نواب في ارسال مقاتلين إلى سوريا كما لم تتحرك تجاه شهادة مصورة لأحد المقاتلين الذين توجهوا إلى سوريا للقتال كاشفا بالاسم عن تورط منظمة تونسية متخصصة في الدفاع عن “إسلاميين” (حرية وانصاف) ، في ارساله للقتال خارج تونس، وهي شهادة مصورة نقلتها مواقع إخبارية في حين سارعت هذه المنظمة إلى الملاحقة القضائية ضد المواقع التي نقلت هذه الشهادة فيما غضت السلطات القضائية الطرف عن التحقيق مع هذه المنظمة التي ذُكرت بالاسم حول تورطها في هذا الملف، من خلال شهادة واضحة وحيّة.
وفي ظل هذا الغموض الذي يحيط بملف تدفّق مقاتلين تونسيين إلى سوريا وبالجهات التي تقف وراءهم وتقوم بتمويلهم وتسهيل تنقلهم خارج تونس وداخلها، تبقى الأرقام الصادرة عن وزارة الداخلية مجرد “حبر على ورق” في ظل صمت مشبوه، فيما يتكبّد رجال الأمن والجيش التونسي تداعيات هذه الأرقام بدمائهم.
عائشة بن محمود