تونس-أفريكان مانجر
التّجارة الموازية وخاصّة منها تجارة الرّصيف ظاهرة قديمة، تفاقمت بعد الثّورة بشكل ملفت للنّظر، حيث تزايد حجم السّلع وتنوّع، لتدخل أسواقنا موّاد جديدة مجهولة المصدر بكميّات كبيرة على غرار أدوية ضدّ القذف السّريع والمنشّطات الجنسيّة وبعض المقوّيات للرّجال، إلى جانب بعض الأدوية الأخرى المصنوعة من الأعشاب والخاصّة بالتّسمين أو التّنحيف، هذا علاوة على بعض الأدوية الخاصّة بـ “البروستات” أو ضغط الدّم أو ما شابه ذلك، والغريب أنّ هذه النّوعيّة من السّلع تباع خاصّة أمام المساجد وكأنّ المصلّين بعد إنهاء فريضتهم وواجبهم تجاه الله، يخرجون مباشرة للبحث عن ملذّات الدّنيا، والأغرب أنّ “أفريكان مانجر” رصدت يوم الخميس الماضي بعد الصّلاة مباشرة ، عدد هامّ من الحرفاء يقبلون على شرائها، رغم ما قد تمثّله هذه الأدوية من خطورة على صحّة مستهلكيها، خاصّة وأنّها تفتقد لأبسط مقوّمات السّلامة الصّحيّة من ناحية عرضها للضّوء وأشعّة الشّمس طيلة اليوم.
ويلاحظ أنّ هذه الأدوية قد كتب عليها عدم وضعها في أماكن تتجاوز حرارتها 20 و25 درجة والحال أنّ ذلك لا يمكن توفيره في الأماكن المفتوحة بالشارع مع حرارة الشّمس الحارقة، كما أنّ مصنّعيها حذّروا من تعريضها للضّوء وهو أيضا شرط آخر غير متوفّر، الشّيء الذي من شأنه أن يساهم في فساد هذه الموّاد، حتّى وان افترضنا سلامة مكوّناتها.
وعن مصدرها فقد لاحظ “أفريكان مانجر” أنّ هذه الأدوية مصنوعة في ليبيا والجزائر ومصر وأيضا في تونس، وهي تقريبا نفس الأدوية الموزّعة لدى عدد كبير من الباعة الملتحين المنتصبين أمام المساجد، ممّا يؤكّد أنّ هذه الأدوية تدخل إلى تونس بكمّيات كبيرة، وبصفة مسترسلة، رغم أنّنا كنّا اعتقدنا بعد الثّورة أن حجم ظاهرة التجارة الموازية سيتقلص بعد سقوط أحد أهم معاقلها المتمثّلين في “الطرابلسية”، غير أنّنا وجدنا أنفسنا أمام شبكات أخرى تغوّلت في ظلّ صمت رهيب لوزارة التّجارة ومصالح الدّيوانة.
سلع حلال
ولمزيد الاستفسار عن أسعار هذه السّلع ومصدرها وكيفيّة الحصول عليها، اعترض “أفريكان مانجر” رفض مطلق من قبل الباعة ( أمام جامع الفتح) للإجابة عن أي سؤال مهما كانت الوسيلة الإعلامية، متّهمين الإعلام بالكذب والزّور، وباستهدافه كمنتصب فوضوي دون محاولة للدّفاع عن حقوقهم في إيجاد موطن شغل يضمن لهم عيشا كريما، وبإصرار منّا لمحاورة أحدهم والفوز ببعض المعطيات الجديدة، أفادنا أحدهم دون مدّنا باسمه أو صورته بأنّ : ” كلّ المنتصبين أمام جامع الفتح متحصّلين على شهائد عليا وأغلبهم لديهم ماجستير، ورغم ذلك لم نتمكّن من الحصول على عمل، ممّا اضطرّنا إلى الانتصاب بهذا الشّكل وبيع بعض السّلع “الحلال” على غرار بعض الأدوية المصنوعة من الأعشاب والعسل والمربّى والكتب الدّينيّة وألبسة شرعيّة خاصّة بالنّساء والرّجال وبعض “العطر”، وفق توضيحاته.
وعن أسعار الأدوية أكّد محدّثنا أنّها : “تنطلق من 15 دينارا في حين لا تتجاوز بعض السّلع الأخرى الثّلاثة دنانير على غرار “العطر” مقابل أسعار تنطلق من 20 دينارا بالنّسبة للألبسة الشّرعيّة الخاصّة بالنّساء والرّجال”. وبخصوص مدخولهم اليومي أوضح نفس الشّخص أنّ : ” مدخولنا اليومي في حدود عشرة دنانير أي أنّ المدخول الشّهري للبائع لا يتجاوز 300 دينار، وهو مبلغ لا يضمن أدنى متطلّبات الحياة، ورغم ذلك نعتبر هذا العمل أفضل من البطالة”، وفق تعبيره.
تدخّل البلديّة محدود
أمّا بالنّسبة لحجم تدخّل البلديّة في منعهم من الانتصاب الفوضوي أمام المساجد، فقد بيّن البائع أنّ : ” تدخّل البلديّة لمنعنا من الانتصاب يبقى محدودا، نظرا لمطالبتنا بإيجاد البديل في صورة حرماننا من الانتصاب، وفي كلّ الأحوال نحن نطالب بتنظيم هذا القطاع وتوفير مكان خاصّ بنا، والكفّ عن المماطلة والتّأجيل والإسراع في تنفيذ المشروع المزمع تنفيذه منذ السّنة الفارطة”.
وبخصوص درجة المضايقات من قبل أعوان الأمن (في أطار الحملة المسلّطة على السّلفيين)، خاصّة وأنّهم ملتحين ويلبسون “قمصانا” وسراويل قصيرة أكّد محدّثنا : ” نحن لم نتعرّض لأيّ مضايقات أو اعتقالات، وأعوان الأمن يعرفوننا فردا فردا، وهدفنا من هذه التّجارة هي كسب المال وهي أمور دنيويّة لا دعويّة، ونحن لا نتغطّى بهذه التّجارة للمتاجرة في أشياء أخرى مثلما يفعل البعض، كما أنّنا مستعدّون للتّفتيش في أيّ وقت دون أدنى خوف لأنّنا ببساطة لا نملك شيء نخفيه”، وفق تأكيده.
أدوية قد تسبّب صدمة قاتلة
وحول مدى خطورة هذه الأدوية على صحّة مستعمليها أكّد الدّكتور لطفي العربي مكلّف بمهمّة لدى وزارة الصّحة أنّ : ” البيع بطريقة غير منظّمة ليس فيه أعراض جانبيّة بقدر ما تنتجه عمليّات نقل الأدوية وتخزينها بطرق عشوائيّة لا تستجيب للمواصفات المعمول بها ( درجات حرارة مخالفة لما هو مطلوب أو درجات رطوبة مرتفعة إلى جانب الضّوء وأشعّة الشّمس)، وهو ما قد يتسبّب في فساد هذه الأدوية وعدم صلوحيّتها للاستعمال”.
ومن جهة أخرى قال مصدرنا إنّ : ” استعمال هذه الأدوية شبه الصّيدليّة يمكن أن يتسبّب في حدوث تسمّم أو إسهال أو تقيّء مع ارتفاع في درجات حرارة المستهلك، هذا علاوة على إمكانية الإصابة بحساسيّة مفرطة على مستوى الجلد، أو حتّى صدمة قاتلة (نزول فجئي لضغط الدّمّ)”.
وبخصوص كميّات الأدوية شبه الصّيدليّة التّي تمّ حجزها هذه السّنة أثناء إدخالها لتونس، فقد أبرز الدّكتور لطفي العربي أنّها كميّات قليلة جدّا، رغم أنّنا لاحظنا أنّ السّوق مليء بمثل هذه الموّاد، ممّا يعني أنّ عمليّات التّهريب نحو تونس متواصلة بشكل طبيعي دون أيّ عائق، في الوقت الذي تمكّنت فيه بلادنا من القضاء على تهريب الأدوية نحو البلدان المجاورة بنسبة 90 %، الشيء الذي من شأنه أن يطرح أكثر من تساؤل أين وزارة التجارة ومصالح الديوانة من كل هذا ؟ وإن كانت هذه الأطراف تتعمّد الصّمت أو تفتعل العجز في مواجهة خطر التجارة الموازية على الاقتصاد الوطني وعلى صحة المستهلك…فهل يمكن القول إنّنا اليوم أمام “طرابلسية” جدد لكن بغطاء ديني؟
وزارة التّجارة صامتة والبلديّة غائبة
مهما كانت الإجابة فالنّتيجة واحدة، سلع جديدة تغزو أسواقنا ومضارها ربّما أخطر من السّلع الأسيوية لانّ أثارها حينيّة عكس الآسيوية التّي غالبا ما تظهر أثارها على المدى البعيد، والغريب أنّ وزارة التّجارة المكلّفة بحجز ومصادرة مثل هذه الموّاد من الأسواق، لم تقم بذلك رغم خطورتها والدّليل أنّ السّوق يغرق بهذه السّلع، دون أيّ تدخّل يذكر حتّى من قبل البلديّة وفق ما أكّده أحد الباعة، وقد حاولنا التّأكّد من مدى صحّة ذلك إلاّ أنّنا لم نتحصّل على أيّ ردّ من قبلهم، رغم تكرا اتّصالنا بهم، وكأن هذا الموضوع التحق بالمواضيع الممنوع الحديث فيها.
تحقيق: هدى هوّاشي