تونس-أفريكان مانجر
قبل ثورة 14 جانفي، كنّا نرصد عديد التّجاوزات من قبل سائقي “التّاكسيات”، لكنّها في الحقيقة كانت محدودة ومقتصرة عموما على بعض الدّخلاء على القطاع، لكن بعد الثّورة، شهد هذا القطاع تجاوزات بالجملة، أغلبها خطير وتمسّ مباشرة سلامة المواطن الماديّة وأيضا الشّخصيّة، وتحوّلت هذه الخروقات من ممارسات فرديّة الى ظاهرة عامّة شملت العديد والعديد من المهنيّين والدّخلاء على القطاع.
وفي هذا الإطار، تجنّدت “أفريكان مانجر” على مدى شهر تقريبا، لرصد بعض من هذه التّجاوزات، واكتشفت أثناء ذلك سائقي سيّارات أجرة يعملون وهم سكارى، واخرون يعملون دون عدّاد مدّعين أنّه معطّب، والبعض الاخر يختار حرفاؤه حسب المنطقة، في حين خيّر بعض سائقي سيارات الاجرة “تاكسي” أن يكونوا أصحاب “دعوة وتبليغ” وذلك بالعمل على اقناع الفتيات بالتّحجّب أو بارتداء النّقاب… كلّ هذه التّجاوزات باختلافها وتعدّدها أرجعها بعض الحرفاء وحتّى المهنييّن الى عمليّة ادماج بعض من المتحصّلين على عفو تشريعي عامّ في قطاع “التّاكسيات” وتمكينهم من رخص رغم أنّهم غير مؤهّلين لمثل هذا العمل الاجتماعي بالأساس، وفي هذا السّياق،عبّر وجدي بن محمود عن استيائه من هذا الإجراء قائلا : ” لقد لاحظنا منذ فترة تغيّر ملامح كثير من سائقي سيّارات “التّاكسي” واصابة البعض منهم على مستوى الوجه (أثار جروح عميقة)، هذا الى جانب تغيّر منطقهم وكأنّك في بعض الأحيان تتعامل مع “فتوّة” أو مع إمام جامع لا مع صاحب “تاكسي”.
“تاكسيات” “مقلّدة” موزّعة على تونس الكبرى
أمّا محمّد المطّوسي صاحب سيّارة “تاكسي” فقد أشار إلى تجاوزات أخطر من التي تمّ ذكرها على حدّ تعبيره ويقول في هذا الصّدد : ” الأخطر في تقديري هو تجوّل عديد “التّاكسيات” “المقلّدة (تحمل نفس الرّقم الفوقي لسيّارة “التّاكسي”،لكنّها غير الأصليّة )، خاصّة في تونس الكبرى، وزميلي تعرّض لمثل هذا الموقف، حيث رصد صدفة “تاكسي” تتجوّل في احدى شوارع العاصمة وتحمل نفس الرّقم الفوقي لسيّارته، والأمثلة عديدة، غير أنّ الوسائل الرّدعيّة تكاد تكون منعدمة، بعد الثّورة، ممّا شجّع كثير من الدّخلاء على استغلال حالة عدم الاستقرار السّياسي والأمني وعاثوا فسادا في هذا القطاع وشوّهوا سمعته ونالوا من قيمته”.
من جهة أخرى أكّد مصدر أمني لـ “أفريكان مانجر” أنّ هناك تواطؤا بين بعض الأمنيين والمهنييّن أو الدّخلاء وهو ما يفسّر تمادي المخالفين في مخالفاتهم، وخاصّة الثّلاثون “تاكسي” تقريبا الذين يعملون بصفة مستمرّة في مطار تونس قرطاج الدّولي والذي كوّنوا عصابة من السّماسرة داخل المطار يتعاملون معهم ويتقاسمون المرابيح بالأورو وبالدّولار، والغريب على حدّ تعبيره أنّ كلّ الجهات على علم بهذه المخالفات، لكنّها تواجه بالصّمت الرّهيب، وكأنّ السّلط المعنيّة من داخليّة ونقل عجزا عن تنفيذ القوانين ووضع حدّ لعصابة السّماسرة التّي تنشط بشكل ملفت للانتباه في المطار، دون أن تتعرّض حتّى لمضايقات من قبل المشرفين على قطاع “التّاكسيات”.
رخص سياقة “مدلّسة”
وحول نفس الموضوع أكّد معزّ السّلامي رئيس الغرفة الوطنيّة لسيّارات الأجرة “تاكسي” أنّ التّجاوزات تفاقمت بعد الثّورة وأصبحت ظاهرة محسوسة نتيجة نقص الرّقابة وغياب المراقبة التّرتيبيّة وارتفاع عدد الدّخلاء، هذا الى جانب فقدان امتحان الكفاءة المهنيّة لمصداقيّته، حيث أصبح هذا الامتحان غير خاضع للمقاييس المعمول بها، الشيء الذي سمح للكثيرين من النّجاح في الشّفاهي دون أن يستحقّوا ذلك، وقد حصل على حدّ تعبيره حوالي 7 الاف رخصة دون مقاييس مقنعة(على أساس المحاباة)، مضيفا أنّ الغرفة تحصّلت مؤخّرا على معلومات تفيد بأنّ عدد من سائقي “التّاكسيات” ببن عروس تحصّلوا بعد الثّورة على رخص سياقة “مدلّسة”، وأغلبهم يتجوّل الان في مختلف شوارع تونس الكبرى.
وفي هذا السّياق، دعا محدّثنا السّلطة التّنفيذيّة (وزارتي الدّاخليّة والنّقل) على ضرورة ردع المتجاوزين وتطبيق القوانين وتنفيذ العقوبات التي تنطلق بخطايا ماليّة قدرها 61 دينارا لتصل الى ألف دينار وأيضا من سحب وقتي لرخص السّياقة الى سحب نهائي، مشيرا الى أنّ المشكل في تنامي التّجاوزات يعود أساسا الى غياب الجرأة من قبل سلطة الاشراف لتطبيق القانون وتنفيذ كلّ الوسائل الرّدعيّة.
سائقو “تاكسيات” متحصلون على عفو تشريعي عامّ
وبخصوص سائقي “التاكسيات” المتحصلين على عفو تشربعي عامّ، فقد أوضح معزّ السّلاّمي أنّ هذا الملفّ كان من الاجدر أن يشمل فقط الأشخاص الذين كانوا سابقا (قبل دخولهم السّجن) يعملون في القطاع، في حين أوضح بلعيد أولاد عبد الله اخصّائي اجتماعي أنّ هذا الملفّ وقع التّعامل معه على أساس سياسي لا فنّي، مبرزا أنّه كان من المفترض أن لا يقع إعادة ادماج هؤلاء الأشخاص في قطاع “التاكسيات” أو تمكينهم من رخص “تاكسيات” جديدة، الاّ بشروط، وذلك بعد اعدادهم نفسانيّا وذهنيّا وإعادة تأهيلهم بشكل جيّد نظرا لخصوصيّة هذه المهنة من حيث أنّه فيها تواصل مباشر مع الاخر (ذات صبغة اجتماعيّة بالأساس) وتتطلّب أن يكون العاملين بها محايدين وذوي سلوك حسن وسيرة ذاتيّة جيّدة ومظهر لائق، حيث يمثّل سائق “التّاكسي” صورة تونس بالنّسبة للسّائح، ممّا يمكن اعتباره “سفير تونس” في تونس.
وعن حالات السّكر الواضحة على بعض سائقي “التّاكسي”، أشار مصدرنا الى أنّ هذا النّوع من التّجاوزات يعكس حالة الانفلات الأمني في البلاد، حيث أصبح الأمني اليوم بين المطرقة والسّندان، إذا طبّق القانون، يصبح تعدّى على حقوق الانسان، وإذا غضّ الطّرف عنها يصبح غير قائم بواجبه، مبرزا أنّ مثل هذه التّجاوزات، يمكن أن تساعد على تحويل وجهة بعض الحرفاء والاغتصاب والعنف… وتهيئ لوقوع جرائم خطيرة، ولهذا يدعو محدّثنا الى ضرورة وضع ميثاق اخلاقيّات المهنة ومعاقبة كلّ مخالف بسحب وقتي أو نهائي للرّخص.
مسؤوليّة تتحمّلها كلّ الهياكل
واختتم بلعيد أولاد عبد الله قوله بأنّ ما يحدث اليوم من تجاوزات تتحمّل مسؤوليّته كلّ من الغرفة الوطنيّة لسيّارات الأجرة “تاكسي” وتعاونيّة سائقي “التّاكسي” وسلطة الاشراف والجمعيّات المهنيّة والاتحاد التّونسي للصناعة والتّجارة والاتحاد العام التّونسي للشّغل، وعلى كلّ هذه الهياكل على حدّ تعبيره القيام بدورات تدريبيّة للتّوعية والتّكوين، حتّى يصبح سائق “التّاكسي” التّونسي مثل الفرنسي الذي لا يمكنه العمل في هذا الميدان الا اذا كان مثقّفا وصاحب مظهر لائق ومحايدا، وفق تعبيره.
هدى هوّاشي