تونس- أفريكان مانجر- وكالات
نجحت تونس في عبور العديد من مشكلاتها السياسية التي كان يراد بها إفساد ثورتها، فأعدت دستورًا لقي إجماعا وطنيًا، وتجاوزت عقبة التمسك بنتائج الصندوق وتنازلت حركة النهضة عن السلطة طواعية، لتفادي الدخول في النفق المظلم، كما نجحت تونس أيضًا في توقيع اتفاق مع صندوق النقد الدولي في يونيو 2013، تحصل تونس بموجبة على 1.7 مليار دولار على مدار سنتين.
ولكن ما لم تنجح فيه تونس بعد، هو الخروج من أزمتها الاقتصادية، حيث ما زالت معدلات النمو الاقتصادي دون المستوى، فبعد توقعات متفائلة بتحقيق معدل نمو بحدود 3.5 % في نهاية عام 2013، تم تخفيض حجم هذا التوقع إلى 2.3%.
ولا يتوقع لمعدل النمو الاقتصادي بتونس أن يتجاوز 2.8 % مع نهاية عام 2014. وتشير بيانات البنك المركزي التونسي عبر موقعه الالكتروني إلى أن نتائج النصف الأول من عام 2014، غير مبشرة، حيث بلغ معدل النمو الاقتصادي 2.1 %، كما أن العجز بميزان المدفوعات شهد عجزًا بنسبة 29.3 %، وذلك بسبب العجز بالميزان التجاري الذي بلغ 18.2 %، وتراجع إيرادات السياحة.
معدل التضخم مرتفع
ولا يزال معدل التضخم مرتفعًا نتيجة ارتفاع أسعار الوقود والسلع الغذائية، بعد تخفيض الدعم الحكومي، فبيانات شهر يوليو 2014 تشير إلى بلوغ التضخم نسبة 6 %، بعد أن كان 5 % في مارس الماضي. كما أن معدل البطالة لا يزال بحدود 16 %، ويزيد هذا المعدل ليتجاوز الـ 30 % بين الشباب، مما يشكل عبئا كبيرا على صناع السياسة بتونس.
ولعل تقرير بعثة صندوق النقد الدولي في نهاية أغسطس الماضي، يلخص الوضع الاقتصادي في تونس بصورة كبيرة، حيث ذكر بيان بعثة الصندوق المنشور على موقعه الالكتروني الآتي: “يظل الموقف الاقتصادي صعبًا، فالنمو محدود، والبطالة لا تزال مرتفعة، كما يتسبب تصاعد الاختلالات الخارجية في فرض ضغوط على سعر الصرف والاحتياطيات”.
تأتي هذه النتيجة التي تضمنها بيان بعثة صندوق النقد الدولي بعد ما يزيد عن عام من توقيع الاتفاق بين الصندوق والحكومة التونسية، وبعد أن حصلت تونس على 1.1 مليار دولار من قيمة القرض المحدد لها.
وهو ما يجعلنا نطرح بعض الأسئلة، منها: في ظل هذا الأداء المتراجع للاقتصاد التونسي، هل تستطيع تونس عبور أزمتها الاقتصادية في خلال التسعة أشهر القادمة، والممتدة لفترة برنامج صندوق النقد الدولي معها؟.
التبعات الاقتصادية والاجتماعية
هل ستضطر تونس للدخول في برنامج جديد بقرض جديد مع الصندوق بعد انتهاء فترة البرنامج الأول؟ وما هي التبعات الاقتصادية والاجتماعية السلبية التي سيجنيها المجتمع التونسي نتيجة هذه الاتفاقات مع صندوق النقد؟.
الأعباء الاجتماعية كشأن كل تجارب الصندوق مع الدول التي تعاني من أزمات مالية، عادة ما تتحمل هذه الدول أعباء اجتماعية سلبية، بسبب تقليص الدعم، وتخلي الدولة عن تقديم خدمات عامة مهمة، كان يستفيد منها شريحة عريضة من المجتمع، وإن كان يتخلل هذا الأداء فساد وسوء توزيع.
فالتضخم الناتج عن ارتفاع الأسعار بتونس، لا تعالجه الأدوات التي تبنتها الحكومة التونسية باتفاق مع صندوق النقد الدولي مثل تطبيق الحد الأدنى للأجور، والدخول في برنامج يستهدف دعم الأسر الفقيرة، وذلك بسبب أن القطاع غير الرسمي في تونس يغطي نسبة كبيرة من الاقتصاد التونسي قدرها صندوق النقد الدولي بـ 35 %.
من جهة أخرى، الوضع المالي المتأزم في الدول الأوروبية قلل من فرص تدفق استثمارات أجنبية لتونس، والسياحة الغربية لتونس تأثرت بسبب الأزمة المالية هناك، فضلا عن تفضيل السياح الغربيين البعد عن مناطق عدم الاستقرار السياسي والأمني، وقد مرت تونس خلال الشهور الماضية بعدة حوادث بارزة من اغتيالات سياسية وصدام بين جماعات العنف وقوات الشرطة، ومن شأن هذه الأمور أن تؤثر سلبيًا على قدوم السياحة الغربية لتونس.
المشكلات الاقتصادية بتونس ضاغطة، ويمثل تدفق الاستثمارات الخليجية بهذا المشروع أحد المخارج المهمة للاقتصاد التونسي، من حيث تدفقات النقد الأجنبي لتقوية موقف احتياطي النقد الأجنبي، أو إنعاش الشركات المحلية التي ستساهم في المشروع، وكذلك العمالة المشاركة، وبطبيعة الأحوال هناك كثير من الخدمات ستستفيد من المشاركة وتنفيذ المشروع، وكل هذه الآمال لا تحتمل التأجيل.
والغريب أن المساهمة الرئيسة التي أعلن عنها في إطار مؤتمر تونس للاستثمار قد أتت من الدول الخليجية، في حين أن مؤتمر شراكة “دوفيل” الذي عقد في باريس عام 2011 بمشاركة الدول الصناعية الكبرى، تعهد بتقديم 10 مليارات دولار دعمًا للاقتصاد التونسي، وذلك بمشاركة الاتحاد الأوروبي، ولكن هذا الوعد والتعهد لم تحظ تونس منه بشيء بعد. (بوابة الشرق- وكالات)